يكاد كتاب الناقد والكاتب عثمان الصيني "سيرة من رأى" أن يكون سيرة اجتماعية لأهم الجوانب التي عاشها السعوديون خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبخاصة في الجانب الثقافي، فهو يتناول طفولة الكاتب ونشأته في الطائف ومكة فنتعرف من خلاله الى ظروف التعليم ومحتويات المكتبات العامة والخاصة، والسجالات بين المذاهب الفكرية، ومواقف وآراء الشيوخ في الغناء والفن والحداثة.
لا يدوّن الصيني، في الكتاب الذي صدر أخيرا عن النادي الأدبي بالطائف ودار "الانتشار العربي" في الشارقة، سيرته بطريقة متسلسلة حسب العمر وإنما يتحدث عن مواضيع يراها لافتة، عاشها أو حدثت في محيطه الاجتماعي، حتى إن القارئ يفاجأ بأن الصيني لم يخصص في الكتاب حيزا للحديث عن عائلة، وبخاصة جده وجدته، اللذين يعود إليهما لقبه الصيني، مع أنه سبق أن تحدث في لقاءات صحافية عن جذور عائلته.
مع هذا، نتعرف في إشارات خاطفة الى تردده على دكان أبيه في مكة، وأيضا الى جده وجدته اللذين أخذ منهما اللغة الصينية، "لهجة الهوي بالشمال الغربي وليست الماندرين الرسمية"، التي قال إنه كاد أن ينساها لعدم استخدامه إياها بعد وفاتهما، إلى جانب ما كان قد تعلمه من لغات أخرى كانت تضج بها أروقة الحرم المكي واكتسب بعضها من الجيران وأصدقاء أبيه ومنها الأوردية والأندونيسية والتركية والفارسية والنيجيرية.
كتب ممنوعة
في قراءته للمشهد الثقافي في الطائف، يعود بنا الدكتور عثمان حمود الصيني إلى ستينات القرن العشرين وسبعيناته، حيث نتعرف الى تنوع هذا المشهد، من خلال المجلات المصرية واللبنانية، وحفلات وأسطوانات الغناء والعروض السينمائية والأنشطة المسرحية، إلى جانب المكتبات المليئة بالكتب الفكرية والأدبية، وأبرزها مكتبة علي اليمني، التي كان صاحبها الشهير بـ"السيد" شديد الطرافة في تعامله مع القراء، فعلاقته "بزبائنه ورواده علاقة عاطفية، يعطيهم الكتاب إن لم يكن لديهم ما يدفعون على أن يعيدوه إليه في اليوم التالي وهم غالبا ما يلتزمون، بل كان يقرض بعضهم أحيانا بعض الريالات".