"حياد" الصين في "حرب الـ 12 يوما"... تايوان خارج "حسابات النار"

لم يفتح الصراع نافذة استراتيجية واسعة أمام بكين

رويترز
رويترز
أعضاء من البحرية الروسية والإيرانية يحضرون التدريب البحري المشترك لإيران والصين وروسيا في خليج عمان، إيران، في 12 مارس 2025

"حياد" الصين في "حرب الـ 12 يوما"... تايوان خارج "حسابات النار"

استغرق الزعيم الصيني شي جين بينغ خمسة أيام ليصدر أول تعليق على الهجوم الواسع الذي شنته إسرائيل في 13 يونيو/حزيران 2025 ضد منشآت نووية وعسكرية إيرانية، في عملية وُصفت بأنها الأخطر في الشرق الأوسط منذ عقود. ومع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة بعد عشرة أيام بضربات مباشرة استهدفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية، ورد طهران المحدود بقصف قاعدة العديد الأميركية في قطر، بدت المنطقة على شفير مواجهة إقليمية شاملة أثارت مخاوف من تسرب إشعاعي، وتعطيل طرق الطاقة، وزعزعة الاستقرار في الخليج.

في خضم هذه التطورات، راقبت الصين المشهد عن كثب، واضعة في اعتبارها حسابات أوسع تتجاوز حدود الأزمة، بدءا من استقرار الخليج وصولا إلى مضيق تايوان.

لكن سرعان ما تم احتواء التصعيد، بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف إطلاق النار في 24 يونيو، وفق شروط غير واضحة، وبخطاب غلب عليه التناقض بين التهديد بتغيير النظام في طهران والدعوة إلى التفاوض. ورغم انتهاء الجولة العسكرية، فقد فتحت هذه المواجهة القصيرة والمكثفة بابا واسعا لطرح الأسئلة حول مواقف القوى الكبرى، وفي طليعتها الصين، التي اختارت التريث والحذر، من دون أن تتخلى عن مواقفها المبدئية الرافضة لاستخدام القوة.

لكن على عكس الاستجابات الغربية المباشرة، جاء التحرك الصيني مشبعا بالحذر والانتقائية، ما يثير أسئلة أعمق حول أهداف بكين الطويلة الأمد. فقد طرحت حرب الـ12 يوما تساؤلات جوهرية حول ما تعنيه هذه المواجهة للصين، خاصة فيما يتعلق بتوازناتها الدولية وحساباتها في ملف تايوان. فهل ترى بكين في هذا النزاع نموذجا لصراع إقليمي قد يتحول إلى مواجهة أوسع بين قوى كبرى؟ وهل يدفعها ما جرى إلى إعادة تقييم سيناريوهات التدخل الأميركي إذا اندلعت أزمة في مضيق تايوان؟ كما يثير الصراع مسألة ما إذا كانت بكين ستظل قادرة على الحفاظ على موقف مبدئي ضد استخدام القوة، أم إنها ستضطر مستقبلا لتبني نهج أكثر برغماتية حين تُختبر مصالحها الحيوية بشكل مباشر.

وفوق ذلك، يثير الدعم الأميركي الضمني للهجوم الإسرائيلي على إيران، ثم دخول واشنطن المباشر في الحرب من دون غطاء دولي أو إقليمي واضح، تساؤلا عن مدى تأثير هذا النموذج في حسابات الصين تجاه تايوان. فهل ترى بكين في هذا السلوك سابقة تتيح لها التصرف مستقبلا بمعزل عن التوافق الدولي إذا ارتأت أن مصالحها القومية مهددة؟ خصوصا أن التحرك الإسرائيلي-الأميركي لم يأتِ ردا على تهديد وشيك بالمعنى القانوني، بل كان مدفوعا بتقدير ذاتي لخطر مستقبلي على الأمن القومي، وهو منطق قد تستخدمه الصين بدورها لتبرير أي تحرك تجاه الجزيرة.

مفهوم الحياد الإيجابي لم يكن محل إجماع بين الخبراء الصينيين، إذ انقسمت القراءات بين من يراه موقفا محسوبا، ومن يصر على اعتباره انحيازا ضمنيا للمبادئ دون أطراف النزاع

منذ اللحظة الأولى للهجوم، تحركت وزارة الخارجية الصينية ضمن ما يمكن وصفه بـ"الحياد الإيجابي المحسوب". فشددت الوزارة في بياناتها المبدئية على ضبط النفس وتجنب التصعيد، والعودة إلى المفاوضات، واحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مع إدانة غير ملتبسة للخرق الإسرائيلي الواضح بالتعدي على سيادة إيران.

وأجرى وزير الخارجية وانغ يي اتصالات بنظيريه الإيراني والإسرائيلي حث فيها على التهدئة. ولاحقا سعى الدبلوماسي الصيني المخضرم إلى دفع حدود مفهوم الحياد إلى حده الأقصى عبر دعوة الطرفين، "خصوصا إسرائيل"، إلى وقف التصعيد. واقترح الرئيس الصيني مبادرة من أربع نقاط لحل الأزمة، تدعو إلى وقف إطلاق نار فوري، وحماية المدنيين، والاحتكام للحوار والمفاوضات، ودعوة الدول الكبرى إلى لعب دور إيجابي من أجل السلام. كما عبرت بكين عن استعدادها للعب دور لتهيئة الظروف من أجل وساطة تعمل على حل جذري للأزمة.

رويترز
نيران تتصاعد من منشآة شاران النفطية عقب الغارات الإسرائيلية على طهران، 15 يونيو 2025

وفي هذا الإطار، امتنعت الصين عن الانحياز الصريح لأي من الطرفين، مع التمسك بالمبادئ العامة مثل احترام السيادة ورفض القوة، ولم تؤيد استمرار الرد الإيراني رغم إقرارها بحق إيران في الدفاع عن النفس، ولا التدخل الإسرائيلي الأميركي، ما يعني أنها لم تُضف شرعية لأي طرف، وأكدت على الحلول السلمية والعودة للمفاوضات، وكلها عناصر أساسية في الحياد الإيجابي.

غير أن مفهوم الحياد الإيجابي لم يكن محل إجماع بين الخبراء الصينيين، إذ انقسمت القراءات بين من يراه موقفا محسوبا، ومن يصر على اعتباره انحيازا ضمنيا للمبادئ دون أطراف النزاع.

ويرفض الدكتور تانغ تشي تشاو، وهو باحث أول في معهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا، ومدير قسم الدراسات السياسية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ونائب رئيس وأمين عام الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط، المقاربات التي تشير إلى أي عنصر حيادي في موقف الصين، ويقول لـ"المجلة": "الصين لم تتبن موقفا محايدا في الحرب بين إسرائيل وإيران. فموقفها واضح: إنها تعارض العدوان". ويضيف: "على الرغم من أن إيران شريك للصين، وأن بكين تدعم الحفاظ على سيادة إيران وأمنها ومصالحها الوطنية، فإنها لا تسعى إلى حلول عسكرية".

بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي نحو 245 مليار دولار في 2024، مقابل أقل من 20 مليار دولار مع إيران، معظمها في قطاع الطاقة

وإذا كان الموقف الرسمي الصيني يرفض التدخل العسكري ويدين العدوان، فإن بعض الباحثين في الصين يشددون على أن سلوك بكين تحكمه أيضا شبكة مصالح اقتصادية واستراتيجية معقدة، تملي عليها الحذر والانفتاح في آن معا.

ويقدم الكاتب والباحث الصيني في الشؤون الدولية تشاو تشي جيون مقاربة أكثر مرونة، ويقول لـ"المجلة" إن "بكين تحتفظ بعلاقات تجارية واقتصادية قوية مع كلا الطرفين. فالصين تُعَد أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، كما أن فائضها التجاري مع إسرائيل يُعادل ثلاثة أضعاف ذلك مع إيران، ما يعكس تنوع العلاقات التجارية الصينية الإسرائيلية".

وعلى عكس بعض التقديرات الغربية، يقول تشاو "إن اعتماد الصين على النفط الإيراني ليس حرجا، إذ تُعد روسيا المورد الأول للنفط إلى الصين، فيما لا تشكل إيران سوى نحو 10 في المئة من واردات النفط الصينية، ما يعني أن انقطاع الإمدادات الإيرانية لن يؤدي إلى أزمة كبيرة في أمن الطاقة الصيني". وتعكس هذه الحقيقة أن بكين لديها هامش حقيقي للمناورة.

ورغم ذلك، يرى تشاو أن استمرار التصعيد كان من شأنه أن يعرض الاستثمارات الاستراتيجية الصينية في المنطقة للخطر، ويهدد استقرار ممرات الطاقة، إذ تُعتَبر إيران دولة محورية في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية في الشرق الأوسط، وهي تتمتع بموقع جغرافي يربط آسيا الوسطى وغرب آسيا بالخليج، وتُعد عقدة أساسية في ممر الصين-باكستان الاقتصادي، وممرات الطاقة، وجسر أوراسيا البري.

وقد يؤدي تفاقم النزاع إلى تعطيل هذه المشاريع الحيوية، بل والأسوأ من ذلك، فإن سقوط النظام الحالي في إيران وصعود حكومة موالية لأميركا قد يوجه ضربة كبيرة للنفوذ الصيني وخططه في المنطقة. ويؤكد: "لذلك، فإن تهدئة الأزمة تُعد أولوية استراتيجية للصين للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية طويلة المدى".

ويشدد تشاو على أن القوة الحقيقية للصين في الشرق الأوسط تكمن في التعاون الاقتصادي، وفي ما يخص الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل، فقد فضلت الصين الدفع باتجاه التهدئة عبر القنوات الدبلوماسية، وعدم الانخراط بشكل عميق أو مباشر في النزاع.

كما ترتبط الصين بعلاقات اقتصادية واستثمارية ضخمة مع دول الخليج القريبة من إيران. ووفق بيانات وزارة التجارة الصينية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي نحو 245 مليار دولار في 2024، مقابل أقل من 20 مليار دولار مع إيران، معظمها في قطاع الطاقة. وتُعد السعودية ثاني أكبر مصدّر للنفط إلى الصين، بعد روسيا. وعندما لوحت إيران بإغلاق مضيق هرمز، صدر تحذير صيني صريح عن وزارة الخارجية الصينية من تداعيات هكذا خطوة، مشددا على أن "الخليج والمياه المحيطة به ممر دولي هام لتجارة البضائع والطاقة". وتردد في بكين أن مسؤولا في وزارة الخارجية قابل السفير الإيراني لدى الصين وأبلغه قلق الصين من تبني طهران لهكذا خيار.

يعتبر بعض المسؤولين الإيرانيين أن الأسلحة الصينية لا ترقى إلى المعايير المطلوبة، ولم تُبدِ طهران اهتماما كبيرا بالحصول عليها

لماذا لم تتدخل بكين عسكريا؟

رغم العلاقة المتينة بين الصين وإيران، فإن الحسابات العسكرية كانت تخضع لمعادلة أكثر تعقيدا، تجمع بين الحذر الجيوسياسي والمصالح الاقتصادية الأوسع.

على المستوى العسكري، لم يكن منسجما مع الحسابات الاستراتيجية الصينية أن تبادر بكين إلى تقديم دعم عسكري لإيران، في وقت تكمن فيه مصلحتها الأساسية في الحفاظ على الاستقرار وتجنب التصعيد. ويؤكد الباحث تشاو أن الصين، على الصعيد السياسي، تلتزم بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وترفض المشاركة في النزاعات المسلحة الخارجية. ولهذا السبب، ورغم معارضتها للعدوان الإسرائيلي وتحذيرها من انهيار النظام الإيراني، فإن بكين من غير المرجح أن تقدم دعما عسكريا مباشرا لطهران.

غير أن هذا الموقف الصيني لا يخلو من أبعاد أعمق، تعكس طبيعة العلاقة الحذرة والمتبادلة بين الصين وإيران، خصوصا في المجالين الأمني والعسكري. فعندما وقعت الدولتان "اتفاق التعاون الاستراتيجي الشامل" لمدة 25 عاما في مارس/آذار 2021، أثار ذلك جدلا واسعا داخل إيران بشأن البنود غير المعلنة للاتفاق، وسط مخاوف من احتمال منح بكين امتيازات استراتيجية، مثل إقامة قواعد عسكرية أو الوصول إلى الموانئ الإيرانية. وفي موقف عبر عن مقاربة واقعية لطبيعة التحالفات، قال وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف في حينه: "الصين وروسيا لن تساعدا إيران عسكريا، بل ستعملان وفقا لمصلحتهما الخاصة فقط، والعلاقات مع الصين وروسيا تحكمها المصالح الذاتية أكثر من الالتزامات الاستراتيجية".

أ.ف.ب
خلال مناورة بحرية مشتركة بين إيران وروسيا والصين في المحيط الهندي وخليج عمان، في ديسمبر 2019

ومع انتشار تقارير متقاطعة، إسرائيلية وإيرانية، بشأن احتمال تقديم الصين شكلا من أشكال الدعم العسكري لطهران، ووسط تكهنات من بعض المحللين بأن بكين قد تسعى إلى اختبار أنظمتها التسليحية في نزاع فعلي، خصوصا بعد الأداء اللافت لمقاتلة "جي-10" الصينية ومنظوماتها المرافقة خلال الاشتباك الهندي–الباكستاني الذي سبق الضربات الإسرائيلية بأيام، أوضح يين كي، أحد مراسلي وكالة "شينخوا" الرسمية، في تصريح لـ"المجلة": "الصين واثقة تماما من أنظمتها التسليحية المحلية، ولا تحتاج إلى استخدام النزاعات الواقعية كميدان اختبار. وحتى إن افترضنا الحاجة إلى اختبارات، فكان من الممكن جمع بيانات كافية من نزاعات أخرى مثل الاشتباكات بين الهند وباكستان أو الحرب في أوكرانيا".

وأشار يين، نقلا عن مصادر داخل الجيش الصيني، إلى أن الصين كانت قد باعت 90 صاروخا باليستيا لإيران عام 1992، إلا أن تلك الصفقة تُعد من الماضي. أما في السنوات الأخيرة، فقد اتجه الخطاب السياسي الإيراني تدريجيا نحو الانفتاح على الغرب، فيما تحول التعاون العسكري إلى روسيا. وعلى نحو عام، يعتبر بعض المسؤولين الإيرانيين أن الأسلحة الصينية لا ترقى إلى المعايير المطلوبة، ولم تُبدِ طهران اهتماما كبيرا بالحصول عليها.

وأضاف: "من المعروف أيضا أن إيران تخضع لعقوبات أميركية صارمة، وأي صفقة تسليح بين الصين وإيران ستؤدي حتما إلى فرض عقوبات ثانوية من جانب واشنطن. وعمليا، تولي بكين أهمية كبيرة للوفاء بالتزاماتها الدولية، والحفاظ على مصداقيتها وموقعها المسؤول في النظام الدولي، ولهذا السبب تحديدا، امتنعت شركات الدفاع الصينية عن الانخراط في أي صفقات سلاح مع إيران".

النهج الصيني القائم على الحياد الإيجابي كان قرارا حكيما، إذ لم تفتح الحرب نافذة استراتيجية واسعة أمام بكين، لا في ما يتعلق بتايوان، ولا في سياق التنافس الجيوسياسي مع الولايات المتحدة

دروس تراكمية

رغم أن بكين لم تكن طرفا مباشرا في الحرب، فإن بعض النخب الغربية توقعت أن تنعكس تداعيات الأزمة على حساباتها في الملف الأكثر حساسية: تايوان. ورغم تصاعد التكهنات بأن الصين قد تنظر إلى الحرب الإيرانية–الإسرائيلية كنافذة استراتيجية لإعادة تقييم موقفها من تايوان، فإن الواقع العملي لم يوفر لبكين سوى فرصة مراقبة هادئة دون مكاسب مباشرة. فسرعان ما انتهى النزاع بوقف إطلاق نار جزئي، ما أضعف أي رابط فعلي بين الحرب ومسألة تايوان، وجعل الحديث عن استثمارها في لحظة مناسبة للتصعيد أقرب إلى فرضية لم تكتمل عناصرها.

ضمن هذه الفرضيات التي لم تتحقق، طرح هولمز لياو، المحاضر في جامعة الدفاع الوطني التايوانية، سيناريو افتراضيا مفاده أن انخراط الولايات المتحدة في حرب برية في إيران قد يؤدي إلى "تصعيد عسكري قد يفضي إلى حرب إقليمية أو حتى شبه عالمية". لكنه أوضح أن "القلق الحقيقي لا يكمن في سقوط النظام الإيراني، بل في إعادة تورط واشنطن في الشرق الأوسط، ما قد يشكل فرصة للصين لتوسيع هامش تحركها في آسيا". إلا أن هذا السيناريو بقي منفصلا عن سياق تايوان ومجرد احتمال لم يتحقق، ما قلل من قيمته العملية في تقييم تأثير الحرب على معادلة المضيق.

في المقابل، حافظت بكين على موقف متوازن تجاه الحرب، حرصت فيه على تجنب استعداء أي طرف، وأكدت تمسكها بمبادئ عدم التدخل. لكنها في الوقت نفسه لم تطرح ملف تايوان كورقة تفاوضية أو كجزء من معادلة الحرب. ويؤكد الدكتور لي زيشين، الباحث في المعهد الصيني للدراسات الدولية، لـ"المجلة" أن "العلاقات الصينية–الإسرائيلية ناضجة… ومسألة تايوان لم تكن يوما ورقة مساومة، وهذا موقف تدركه إسرائيل بوضوح".

أما في ما يخص السلوك الصيني المستقبلي تجاه الجزيرة، فيرى الخبراء أن الصين لم تستدرج إلى أي تصعيد ظرفي، وأن قراراتها تجاه تايوان تبقى محكومة بنَفَس استراتيجي بعيد عن ردود الفعل. كما يشير الدكتور بدر السيف، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت وزميل "تشاتام هاوس" ومعهد الخليج العربي، إلى أن "الضم بالقوة لا يخدم مصالح الصين، ويغذي التوجس تجاهها من قبل محيطها المباشر". مضيفا: "النفس الصيني طويل، ولا يتحرك بردود فعل دولية. ورغم نبرة القيادة التايوانية الحالية، فإنها تدرك محدودية هامشها السياسي، خاصة في ظل التقلب الأميركي".

وبذلك، خرجت الصين من الحرب الإيرانية–الإسرائيلية بخبرة سياسية أكثر منها فرصة استراتيجية. وهو ما يعكس مسارا دقيقا، يحاكي الأزمات دون الوقوع في استدراجها، ويؤجل الحسابات الكبرى- مثل تايوان- إلى توقيت تختاره بكين وحدها، وليس لحظة فراغ دولي عابرة.

وفي المحصلة، بدا أن النهج الصيني القائم على الحياد الإيجابي كان قرارا حكيما، إذ لم تفتح الحرب نافذة استراتيجية واسعة أمام بكين، لا في ما يتعلق بتايوان، ولا في سياق التنافس الجيوسياسي مع الولايات المتحدة، ولا حتى على صعيد توسيع النفوذ في الشرق الأوسط، حيث لم تطرح الصين نفسها كوسيط قوي أساسا. لكنها في المقابل خرجت من الأزمة بخبرة تراكمية في إدارة التوازنات الدقيقة، وتقليل الخسائر، وتعزيز صورة الدولة المسؤولة في لحظة محفوفة بالكلفة العالية والنتائج غير المضمونة.

font change