ترمب رجل السلام من بوابتي الحرب والاقتصاد

نجح في وقف النار بين إسرائيل وإيران كما يُتقن إدارة مفاوضات التعريفات الجمركية

ناشر ويراسكيرا
ناشر ويراسكيرا

ترمب رجل السلام من بوابتي الحرب والاقتصاد

وضع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطوته الأولى على درج استحقاق التتويج بجائزة نوبل للسلام العالمي، المقرر إعلانها في ستوكهولم قبل نهاية العام الحالي، بعد أن تمكن من إنهاء حرب مدمرة بين إسرائيل وإيران، كادت أن تشعل الشرق الأوسط برمته، وتضع الاقتصاد العالمي في كف عفريت، مع كل تبعات التضخم، والإمدادات، والأسعار، والأسواق.

واستيقظ العالم على خبر توقف هذه الحرب المجنونة التي دامت 12 يوما، وكانت أعنف مواجهة عسكرية إقليمية منذ أربعين سنة بين قوتين، الأولى نووية، والثانية تكاد تكون "شبه نووية". تلقت كلااهما ضربات موجعة في العدة والعتاد، دفعتها إلى الإقرار بصعوبة مواصلة النزال، دون مزيد من الخسائر، مما سهّل على الرئيس وقفها بأوامر من هاتفه النقال، وموقعه على "تروث ميديا". وهذا ما لم يحصل في أي حرب سابقة في التاريخ لأن حرب الصواريخ والقبة الحديدية نابت عن الجنود على الأرض، لكنها ألحقت أضرارا بليغة بالسكان والمباني في البلدين.

على الرغم من أن الكل ادعى الانتصار فيها، وأخفى بعض الخسائر البشرية والمادية لأسباب داخلية. بما في ذلك حجم التدمير الذي طال محطات التخصيب الإيرانية في مواقع "فوردو" و"نطنز" وأصفهان الجبلية، وهو ما شككت فيه قناة "سي إن إن الأميركية" التي قالت "إن برنامج التخصيب النووي الإيراني لم يتم تدميره بالكامل في تلك المواقع" مما جعل الرئيس يتهم بعض وسائل الإعلام المحلية بعدم الدقة أو سوء النية.

لم يستطع ترمب حتى الآن في نظر الأوروبيين التوصل إلى إنهاء حرب أوكرانيا، بالطريقة التي ترضى عنها بروكسيل، أي استرجاع الأراضي التي احتلتها روسيا منذ 2014

وقال ترمب قبل رحلته إلى قمة حلف الأطلسي في لاهاي الهولندية "إني غاضب من إيران، وإني غاضب من إسرائيل أيضا جميعهم سيئون". وبدا ترمب صارما في فرض إنهاء الحرب في الوقت المعلن وبالدقة المطلوبين، مما يدفع الى التحليل أن المرحلة المقبلة قد تكون مرحلة ضغوط واحتواء مزدوج على طهران وعلى تل ابيب، من أجل شرق أوسط عادل وآمن لجميع شعوبه. وهذا ما لم يقم به الرئيس الأسبق جورج بوش الذي قدم العراق طبقا الى إيران بعد الاجتياح الأميركي لبغداد عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، مما سمح ببروز قوى متطرفة، "ممانعة"، زعزعت الاستقرار الإقليمي على مدى عقدين من الزمن.

ارتياح الأسواق ومخاوف الرسوم الجمركية

استقبلت الأسواق الدولية الأخبار القادمة من الشرق الأوسط بارتياح واطمئنان، بعد أن تأكد أن إغلاق المنافذ التجارية البحرية، ولا سيما مضيق هرمز، لن يقع، والإمدادات لن تتعطل، والأسعار لن تلتهب، والحركة الاقتصادية لن تتوقف. وكان تراجع أسعار النفط نحو عشرة في المئة من 78 إلى 68 دولارا، مؤشرا الى أن الاقتصاد العالمي يستعيد بعضا من عافيته، التي تسببت بها الحروب التجارية، والنزاعات الإقليمية.

وسبق للرئيس ترمب أن أوقف حربا أخرى قبل أسابيع في وسط آسيا، بين دولتين نوويتين هما الهند وباكستان، كادت أن توقظ نزاعا عمره ثمانية عقود، من صراع تاريخي، وديني، واقتصادي، وجيوستراتيجي. تتشابك خيوطه مع طموحات صينية وروسية وأميركية حول جبال الهملايا، وقربها من مناطق نزاع لا تزال مشتعلة، في أفغانستان. ويتوجس الأميركيون من الحديث عن هذه المناطق الوعرة، لما خلفته من رعب في نفوس الآلاف من المارينز، الذين إن لم يفقدوا حياتهم أو أطرافا من أجسادهم في تلك الحرب القذرة، فقد فقدوا عقولهم بالمخدرات المحلية.

.أ.ف.ب

كما نجح ترمب في فك معادلة التعريفات الجمركية، مع خصمه الاقتصادي، التنين الصيني، في اجتماعات جنيف ولندن، بعد أن كبد الميزان التجاري الأميركي خسائر بلغت 236 مليار دولار عام 2024. وتوصل أيضا إلى تفاهمات جمركية مع المملكة المتحدة بنسبة رسوم جمركية لا تتجاوز 10 في المئة. وجلب ترمب من جولته الخليجية العربية استثمارات وعقودا تجارية ضخمة، بعشرات مليارات الدولارات. وهو ما سيضع مصالح العرب في مقدم الأهداف التي يجري تثبيتها في النظام العالمي الجديد.

قمة حلف شمال الأطلسي

يحضر دونالد ترمب اليوم قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في لاهاي، بصفته زعيم السلام الدولي، القادر على وقف الحروب حتى الأكثر تعقيدا، وفك فتيل النزاعات حتى الأكثر تجذرا في التاريخ. لكنه في نظر الأوروبيين لم يستطع التوصل إلى إنهاء حرب أوكرانيا، بالطريقة التي ترضى عنها بروكسيل: أي استرجاع الأراضي التي احتلتها روسيا منذ 2014، وإمكان ضم كييف إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، في وقت لاحق، على غرار فنلندا والسويد ودول البلطيق.

تقدر النفقات العسكرية الإجمالية لحلف الناتو بـ 1506 مليار دولار، وهو ما يجعل أمن أوروبا تحت المظلة الأميركية، التي أنفقت 997 مليار دولار من النفقات العسكرية الإجمالية التي بلغت 2,7 تريليون دولار.

تقرير معهد ستوكهولم للسلام

وربما يكون اختلاف وجهات النظر حول هذا الموضوع من أسباب مواصلة الحرب فوق أراضي القارة العجوز منذ ثلاث سنوات،  بسبب فشل الأوروبيون في حلها من جهة، وضعف تمويل النفقات الدفاعية التي لا تكفي لإخراج فلاديمير بوتين بالقوة العسكرية. ويعاتب ترمب دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على ضعف مساهمتها في تمويل موازنة الحلف الدفاعية، التي تقل عن ثلث النفقات الحربية الإجمالية، ولم تتجاوز قيمتها 454 مليار دولار العام الماضي، من النفقات العسكرية الإجمالية للحلف التي قدرت بـ 1506 مليار دولار. وهو ما يجعل أمن أوروبا تحت المظلة الأميركية، التي أنفقت 997 مليار دولار من مجموع نفقات عسكرية عالمية بلغت 2,7 تريليون دولار. وفق تقرير معهد ستوكهولم للسلام (Sipri).

خلافات أميركية – أوروبية على التمويل العسكري

والملاحظ أن المأزق المالي في تمويل النفقات العسكرية، ليس بالخلاف الوحيد مع الدول الأوروبية التي تتهم ترمب بمحاباة بوتين. ويتوقع أن تكون المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، أكثر تعقيدا من الصين نفسها، وقد تحتاج إلى وقت أطول بسبب مطالبة ترمب بفتح الأسواق الأوروبية، وشراء سلع أميركية إضافية. وتقول بروكسيل إن سلعا أوروبية قيمتها 286 مليار يورو خضعت لرسوم جمركية عالية عقابية، وهو ما يمثل قرابة ثلث التجارة بين الجانبين.

وبسبب قوانين الاتحاد التي تمنع المفاوضات الفردية، فإن مواقف الدول الـ27 غير متناغمة حول الموقف من سياسة ترمب التجارية والعسكرية. ألمانيا مثلا المُصدّر الأوروبي الأول للولايات المتحدة بقيمة 255 مليار يورو، حققت فائضا تجاريا بلغ 71,4 مليار يورو العام الماضي. بينما فرنسا، وهي قوة عسكرية ونووية تربطها تجارة ضعيفة مع أميركا، تقل عن تجارة أميركا مع إيطاليا التي تحقق فائضا بقيمة 44 مليار يورو. وكذلك الأمر بالنسبة الى الدفاع العسكري المشترك، الذي لا تستطيع دول البحر البحر الأبيض المتوسط زيادة حصتها فيه لأسباب لها علاقة بأوضاعها المالية وحجم المديونية، في مقدمها اسبانيا.

.أ.ف.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حضوره قمة الناتو في لاهاي، هولندا 25 يونيو 2025

وفي كل الحالات، لا تستطيع أي دولة أوروبية التخلف عن التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي، المالية والعسكرية، في ظل ظروف دولية صعبة ومعقدة ومحفوفة بالأخطار شرقا وجنوبا، وحاجتها إلى الحماية الأميركية في كل حرب جديدة.

نظرية السلام بالقوة

يقدم الرئيس ترمب نفسه كرجل سلام على قاعدة استعمال القوة وصولا إلى تحقيق السلام، وهذا ما حدث مع إيران، وصفق له الشرق والغرب. لكن هذه التجربة قد لا تنفع في كل الحروب، خصوصا داخل القارة الأوروبية، حيث المواقف المعبر عنها علنا ليست بالضرورة هي السياسة المطبقة. وهو يعتقد أن الاقتصاد والتجارة والمبادلات والاستثمارات، وجعل التنمية في خدمة الشعوب، تبعد الحروب والنزاعات. لكن هذه القناعة لا تتقاسمها كل الأحزاب الحاكمة داخل الاتحاد الأوروبي الطامعة في خيرات دول قريبة اقل تقدما.

خرج ترمب فائزا من حرب لعب فيها دور الخصم والحكم: من جهة ظهر كمدمر لمنشآت نووية إيرانية شكلت مخاوف إقليمية ودولية، لكنه منح طهران طوق نجاة، وحفظ ماء وجه إيران والاعتراف بحضارتهم، مع تأجيل حسم تغيير النظام بالقوة

تحسنت صورة الرئيس ترمب في عدد من مناطق العالم خلال الشهرين الأخيرين، رغم اختلاف المؤيدين حسب الميول السياسية والمصالح الاقتصادية، والفئات العمرية، والطبقات الاجتماعية، والأصول العرقية، والثقافية، والعقائدية. وساعدت التحولات الجيوسياسية في ارتفاع مؤيدي سياسته الاقتصادية، بعد تراجع خطر الانكماش الاقتصادي الأميركي إلى 1 على 5، وكان وصل 1على 2 خلال الأسابيع الأولى، التي تلت تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، وفق تقديرات "أوكسفورد إيكونوميست".

 رجل السلام الاقتصادي

يعتقد محللون أن ترمب حقق خلال نصف العام الأول من ولايته الثانية، ما لم يحققه أي رئيس أميركي، منذ عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان قبل أربعين سنة، من اختراق وشعبية وتأييد، في عدد من مناطق العالم، على الرغم من الخلاف الكبير حول منهجيته وسياسته ومواقفه، وطريقة تعامله مع الأحداث والمستجدات والوقائع.

المجلة

وكتب سايمون تيسدال في صحيفة الـ"غارديان" البريطانية في تعليق على زيارة ترمب الناجحة لدول الخليج العربي، وقدرتها على الدفع بالسلام العالمي، "إن ترمب يعتقد أنه قد يشكل خريطة الشرق الأوسط الجديد، لكن دول الخليج هي التي ستحدد السياسة الخارجية الأميركية"، بعد إبرام عقود تجارية واستثمارية ودفاعية، ورفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا للمرة الأولى منذ عام 1979، و"إعلان ميلاد شرق أوسط جديد، قائم على التنمية والازدهار المشترك، عوض الحروب والصراعات".

 نصائح ترمب لنتنياهو

خرج ترمب فائزا من حرب إسرائيل وإيران التي لعب فيها دور الخصم والحكم: من جهة ظهر كمدمر لمنشآت نووية إيرانية شكلت مخاوف إقليمية ودولية، لكنه منح طهران طوق نجاة، وحفظ ماء وجه إيران والاعتراف بحضارتها، مع تأجيل حسم تغيير النظام بالقوة. في الاتجاه المقابل سعى ترمب الى إقناع جزء من الشعب الاسرائيلي أن "مستقبل إسرائيل وأمنها في الشرق الأوسط، يحتاج إلى تنازلات (أرضية) لصالح جيرانهم العرب، وان الحرب ليست الوسيلة المثلى في رقعة جغرافية ضيقة"، يصعب فيها الاعتماد على القبة الحديدية وحدها.

 قبل اندلاع الحرب بأسابيع، أعلن ترمب بدء بناء نظام درع صاروخي جديد، أطلق عليه "القبة الذهبية" بتكلفة تتجاوز 175 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، لحماية الولايات المتحدة من أي تهديدات خارجية، تكون "قادرة على اعتراض كل الصواريخ، بما في ذلك التي يتم إطلاقها من جوانب أخرى من العالم". هذا النظام يحاكي سباق "حرب النجوم" التي سبق للرئيس الراحل رونالد ريغان أن أطلقها وكانت سببا في استنزاف الاتحاد السوفياتي ونهايته قبل أربعين سنة.

وكانت الصين أبدت إنزعاجها من مشروع سباق التسلح الفضائي عبر "القبة الذهبية" بسبب تكلفتها الباهظة، لأنها قد تكلف الاقتصاد، وتستنزف موارد الفائض التجاري مع العالم. من جهته يعتقد ترمب "إن التفوق الأميركي يضمن السلام العالمي على مدى الجيل القادم، بما يسمح بالانصراف إلى تمويل التنمية والبناء تحت قبة السلام الاقتصادي". وهي مخلص فكرة السلام بالقوة، لجعل أميركا قوية من جديد. فهل تقنع فكرة القوة لجنة حكماء جائزة نوبل ليكون ترمب رابع رئيس أميركي يحصل على التتويج العالمي، بعد  جيمي كارتر وبيل كلينتون وباراك أوباما؟

font change

مقالات ذات صلة