حرب إسرائيل وإيران... الأسواق تلتقط أنفاسها والقطاعات تترقّب

تقلبات النفط والأسهم والنقل والتأمين والطيران وسلاسل الإمداد

رويترز
رويترز
الاقتصاد الإيراني في انتظارنتائج الحرب

حرب إسرائيل وإيران... الأسواق تلتقط أنفاسها والقطاعات تترقّب

مع تحليق الصواريخ فوق سماء الشرق الأوسط وتصاعد التوترات الجيوسياسية إلى ذروتها، تسارع النبض الاقتصادي العالمي. فقد تسبب التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، الذي اندلع مع الهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو/حزيران، بهزات في أسواق النفط وسلاسل الإمداد العالمية والأنظمة المالية، وأروقة السياسة النقدية من واشنطن إلى بكين. وعلى الرغم من أن مآلات النزاع العسكري، الذي تفاقم مع الضربات الجوية الأميركية على المواقع النووية الإيرانية بعد ثمانية أيام، والرد الإيراني على قاعدة العُدَيد العسكرية الأميركية في قطر، لا تزال غامضة، وتداعياته الاقتصادية فورية وعالمية في مختلف الأسواق. و

قلة من الممرات الاقتصادية في العالم تضاهي مضيق هرمز أهمية أو هشاشة. يعبر هذا الممر الضيق بين إيران وعُمَان نحو 17.3 مليون برميل نفط يوميا – أي ما يعادل 20 في المئة من الاستهلاك العالمي. ومع تزايد حركة السفن الحربية والمسيّرات في محيطه، استعد المحللون ومديرو شركات الطاقة لاحتمالات تتراوح بين تأخير جزئي للإمدادات إلى إغلاق كامل للممر.

الإغلاق التام للمضيق، يمكن أن يشعل صدمة طاقة. وقد أصدرت الوكالة الدولية للطاقة أخيرا نشرة تحذيرية من تبعات "كارثية على أمن الطاقة" إذا قُطِع المضيق نتيجة العمليات العسكرية. فتعطيل الإمدادات بنسبة 30 في المئة – حتى لو كان مؤقتا – قد يرفع سعر خام برنت إلى أكثر من 150 دولارا للبرميل ويخفض النمو العالمي بنسبة 1.5 في المئة إلى اثنين في المئة في النصف الثاني من عام 2025 وحده.

أسواق الطاقة في مهب العاصفة

أما التعطيل الجزئي – بسبب تهديد ناقلات النفط أو ارتفاع تكاليف التأمين – فقد بدأ بالفعل. لقد رفعت شركات التأمين في "لويدز" بلندن أقساط المرور عبر الخليج العربي بنسب تراوحت بين 30 في المئة و45 في المئة، وبدأت شركات شحن كبرى مثل "إن واي كاي لاين" و"إم أو إل" بتحويل مسارات بعض شحناتها. ومع تراجع الاحتياطيات الاستراتيجية، ولا سيما في آسيا، عاد مضيق هرمز ليتصدر المشهد بوصفه أخطر نقطة اشتعال اقتصادي في العالم.

ارتفعت أسعار الحاويات عالميا بأكثر من 40% منذ أواخر مايو، لتبلغ 3,527 دولارا للحاوية (40 قدما) في أوائل يونيو. وقفزت التكاليف على خط آسيا-نيويورك بنسبة 81% خلال ستة أسابيع

مؤشر "دروري" لأسعار الحاويات

جاء رد فعل سوق النفط سريعا. فقد قفز سعر خام برنت بأكثر من ثمانية دولارات للبرميل خلال الأيام التي تلت ضربات إسرائيل في 13 يونيو/حزيران، ليتجاوز 75 دولارا. كذلك ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط بنحو 10 في المئة إلى نحو 72 دولارا. واتسعت الفجوة بين خام برنت وخام دبي – وهو معيار صادرات الشرق الأوسط إلى آسيا – مما أشار إلى تراجع الإمدادات الخليجية وارتفاع تكاليف الشحن نحو آسيا.

وتوقّع "جي. بي. مورغان تشايس" – إذا تباطأت حركة الناقلات أكثر أو توسعت العمليات العسكرية لتشكل أخطارا على منشآت الطاقة في العراق أو دولة الإمارات العربية المتحدة أو شرق المملكة العربية السعودية – أن يقفز سعر خام برنت إلى 120-150 دولارا، وهي مستويات اقترنت تاريخيا بالركود التضخمي العالمي. ويؤيد ذلك نشاط أسواق الخيارات: لقد ارتفع الطلب على عقود خيارات الشراء المسعرة بين 110 و 130 دولارا، بالترافق مع تقلبات كبيرة. ولاحظ "غولدمان ساكس" أن الميل إلى التسعير المسبق ازداد حدة، مما يشير إلى تراجع الإمدادات الفورية.

.أ.ف.ب
ناقلة نفط ترسو في ميناء خورفكان في إمارة الشارقة بالقرب من مضيق هرمز، 23 يونيو 2025

وفي آسيا، بدأت المصافي تشعر بالضغط. لقد أبلغت شركات يابانية وكورية جنوبية عن تأخيرات تصل إلى أسبوعين في تسلم الشحنات، كما تآكلت هوامش الربح نتيجة ارتفاع التكاليف وتقلبات الأسعار.

هزات في سلاسل الإمداد العالمية

يأتي هذا الاضطراب الجيوسياسي فيما لا تزال اللوجستيات العالمية هشة. فقد تسببت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر سابقا بإجبار العديد من شركات الشحن على اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح. وها هو التصعيد بين إيران وإسرائيل يزيد التأخيرات وارتفاع التكاليف.

وبحسب "مؤشر دروري لأسعار الحاويات"، ارتفعت أسعار الحاويات عالميا بأكثر من 40 في المئة منذ أواخر مايو/أيار، لتبلغ 3,527 دولارا للحاوية (40 قدما) في أوائل يونيو/حزيران. وقفزت التكاليف على خط آسيا-نيويورك بنسبة 81 في المئة خلال ستة أسابيع على رغم تراجع طفيف لاحقا. وأفادت "ميرسك" بأن شحنات آسيا-أوروبا تستغرق 12 يوما إضافيا في المتوسط، فيما ارتفع "مؤشر بالتيك دراي" بنسبة 35 في المئة منذ مطلع يونيو/حزيران. ولا تقتصر تداعيات ذلك على ارتفاع تكاليف النقل، بل تشمل أيضا أخطار النقص في المخزون، ولا سيما في سلاسل إمداد السيارات والإلكترونيات والأدوية.

وعطل النزاع الإسرائيلي الإيراني بشدة حركة الطيران والشحن البحري في الشرق الأوسط. لقد أصبحت الأجواء مناطق خطر مرتفع، وأوقفت شركات طيران كبرى من الولايات المتحدة وأوروبا والخليج العربي رحلاتها أو حولتها لتجنب الأجواء فوق إسرائيل وإيران والعراق وسوريا والأردن ولبنان. وتسبب ذلك بإلغاء واسع للرحلات، وزيادة مدة السفر، وارتفاع استهلاك الوقود، وتأخيرات كبيرة للمسافرين. ويمتد الأثر إلى الشحن الجوي، إذ قلصت شركات عربية عدد رحلاتها أو غيّرت مساراتها، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن الجوي بين آسيا وأوروبا بنسبة 15 في المئة خلال أول أسبوعين من النزاع فقط.

تفوّقت أسهم شركات الدفاع. فقد ارتفع سهم "لوكهيد مارتن" بنسبة 3.6 في المئة يوم الضربات الإسرائيلية، وتبعتها شركات أميركية وأوروبية أخرى مثل "نورثروب غرومان" و"بي إيه إي سيستمز". أما أسهم شركات الطيران، فشهدت خسائر ملحوظة

في المقابل، عانى قطاع الشحن البحري من اضطرابات كبيرة في الموانئ. ففي مصر، تفاقمت الازدحامات في موانئ دمياط والإسكندرية مع مسارعة المستوردين لتأمين المكونات الحيوية، خشية تصعيد إضافي قد يشل سلاسل الإمداد. كذلك شهدت موانئ كبرى أخرى في الخليج العربي وعلى البحر الأحمر تدقيقا أمنيا متزايدا واحتمالات تأخير بسبب تحويل مسارات الشحن لتجنب مناطق الخطر.

وإذا عادت التوترات، يُتوقع أن يتشظى المجال الجوي للشرق الأوسط، مما سيؤدي إلى إطالة مسارات الطيران، وزيادة استهلاك الوقود، وارتفاع أسعار الشحن الجوي من آسيا إلى أوروبا، وقد يسرّع اعتماد طائرات أكثر كفاءة، ويزيد الاعتماد على محاور بديلة مثل إسطنبول أو مطارات القوقاز.

في الوقت نفسه، يواجه القطاع البحري احتمال تحوّل البحر الأحمر والخليج العربي إلى مناطق خطر دائم، مما قد يدفع مزيدا من السفن الى اعتماد طريق رأس الرجاء الصالح، وبالتالي إطالة زمن الرحلات ورفع تكاليف الشحن من خلال أقساط تأمين مرتفعة واحتمالات تدخل عسكري مباشر، مما قد يسرّع الاستثمار في طرق برية بديلة لتجاوز نقاط الخطر.

اضطراب في الأسواق المالية

يعكس سلوك المستثمرين نمط الأزمات الكلاسيكي، وهو البحث عن الملاذات الآمنة، والتوجه نحو أصول في قطاع الصناعات الدفاعية، وتعمّق التفاوتات الإقليمية. فقد ارتفع "مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو للخيارات" (سي بي أو إي في آي إكس) بأكثر من 20 في المئة في يونيو/حزيران، من نحو 18 إلى 22 نقطة. وقفز سعر الذهب إلى أكثر من 2,400 دولار للأونصة قبل أن يتراجع قليلا. أما الأسهم الأميركية، فقد انخفضت بنسبة 1.2 في المئة في 13 يونيو/حزيران ثم تعافت بعد أن أعادت الأسواق تقييم الأخطار العسكرية المباشرة.

.أ.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث للصحافة بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، البيت الأبيض 24 يونيو 2025

في المقابل، تفوقت أسهم شركات الدفاع. فقد ارتفع سهم "لوكهيد مارتن" بنسبة 3.6 في المئة يوم الضربات الإسرائيلية، وتبعتها شركات أميركية وأوروبية أخرى مثل "نورثروب غرومان" و"بي إيه إي سيستمز". أما أسهم شركات الطيران، فشهدت خسائر ملحوظة: "دلتا" و"يونايتد" و"أميركان إيرلاينز" تراجعت بما بين 3.7 في المئة و4.7 في المئة، في حين حذّرت شركات أوروبية مثل "لوفتهانزا" و"الخطوط الجوية الفرنسية-كاي. إل. إم." من تآكل هوامشها في الفصل الثالث بسبب تضخم تكلفة الوقود وتحويل المسارات. أما الأسواق الناشئة، فهي الأشد تضررا. لقد تراجع "مؤشر مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال للأسواق الناشئة" (إم إس سي آي) مقارنة بالأسهم العالمية بأكثر من أربعة في المئة في يونيو/حزيران، متأثرا بانخفاضات حادة في البورصات الشرق أوسطية والجنوب آسيوية. وفي تركيا، انخفضت الليرة إلى أدنى مستوى لها منذ 10 أشهر أمام الدولار.

الانعكاسات على النمو والتضخم والفوائد

بدأت هذه التداعيات تتسرب إلى التوقعات الاقتصادية الكلية. فقد خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي عام 2025 من 2.8 في المئة إلى 2.3 في المئة، مشيرا إلى "تفاقم عدم الاستقرار الجيوسياسي" و"استمرار اضطرابات الإمداد". وفي تحديث لشهر يونيو/حزيران، حذّر صندوق النقد الدولي من أن "صدمات تضخمية ناجمة عن أسعار الطاقة" قد تُفشِل سيناريوهات الهبوط السلس في الاقتصادات المتقدمة.

يواجه الأردن وتونس ضغوطا مماثلة، إذ من المتوقع أن ترتفع فاتورة واردات الطاقة الأردنية بنسبة 18% في النصف الثاني من 2025، فيما قد يتسع العجز التجاري التونسي بنسبة اثنين في المئة من الناتج المحلي

وفي أوروبا، كان التضخم قد بدأ بالانحسار في أوائل 2025، لكن النزاع الإيراني الإسرائيلي قد يعيد إشعاله. وقد أوقف المصرف المركزي الأوروبي خفض الفوائد، وأظهرت التوقعات المستقبلية احتمال تنفيذ خفضين فقط في نهاية العام. وفي آسيا، تواجه اليابان مزيدا من تراجع الين، ويتوقع المحللون أن يلجأ بنك اليابان إلى استخدام احتياطيات النقد الأجنبي لمنع خروج رؤوس الأموال.

أما في الأسواق الناشئة، فتقف المصارف المركزية بين خيارَي السيطرة على التضخم ودعم النمو. وقد أجّل المصرف المركزي الهندي خفض الفائدة، فيما يُتوقَّع أن يرفع المصرف المركزي المصري معدلات الفائدة مجددا في يوليو/تموز نظرا الى هشاشة التعافي.

التداعيات الإقليمية وآفاق الاقتصادات العربية

في العالم العربي، تتفاوت التداعيات الاقتصادية تفاوتا كبيرا. فدول الخليج العربي المصدرة للنفط مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت تحقق مكاسب قريبة الأجل. يتوقع مراقبون أن يحقق سهم "أرامكو السعودية" مكاسب، وربما يعود الميزان المالي السعودي إلى الفائض إذا استقر سعر برنت فوق 90 دولارا حتى نهاية العام، بعدما كان متوقعا أن يسجل عجزا عام 2025. لكن هذه المكاسب محفوفة بالأخطار. فقد تضاعفت تكلفة تأمين الشحنات من الخليج العربي، ويزداد توجه المشترين نحو موردين بديلين في غرب أفريقيا والأميركيتين. وإذا استمر التوتر الإقليمي، فقد تتآكل ثقة الأسواق في سلاسل الإمداد الخليجية، مما يبطئ خطط الاستثمار والتنويع.

.أ.ف.ب
اضطراب الأسهم العالمية على وقع الحرب الإسرائيلية الإيرانية

أما الدول العربية المستوردة للنفط فهي في وضع هش للغاية. فمصر، التي تستورد نحو 30 في المئة من احتياجاتها من الوقود، قد ترتفع فاتورة طاقتها بين مليارين وثلاثة مليارات دولار سنويا إذا بلغ متوسط سعر برنت أكثر من 100 دولار في الفصل الثالث. وسيزيد ذلك الضغط على اقتصاد يعاني أصلا من أزمة في ميزان المدفوعات وتراجع في العملة وإجراءات تقشفية مفروضة من صندوق النقد.

أمن الطاقة محور الاقتصاد والسياسة

ويواجه الأردن وتونس ضغوطا مماثلة، إذ من المتوقع أن ترتفع فاتورة واردات الطاقة الأردنية بنسبة 18 في المئة في النصف الثاني من 2025، فيما قد يتسع العجز التجاري التونسي بنسبة اثنين في المئة من الناتج المحلي. أما في لبنان، حيث المالية العامة مضطربة أصلا، فيغذي ارتفاع أسعار النفط التضخم ويزيد الضغوط التراجعية على العملة. تستقر الليرة عند مستوى 89,500 في مقابل الدولار منذ أشهر، لكن تكاليف الطاقة لدى الأسر قد تقفز بين شهر وآخر، ولا سيما مع فرض ضرائب جديدة على المحروقات.

مع ترقب العالم لتطورات الخليج العربي، باتت هناك حقيقة جلية: أمن الطاقة عاد ليشكل محور الاقتصاد والسياسة العالميين. فأزمة إيران وإسرائيل ليست مجرد بؤرة توتر إقليمية – بل مرآة تعكس هشاشة الاقتصاد العالمي الحديث وتعقيده وترابطه

بعيدا من العناوين العاجلة، قد يكون النزاع الإسرائيلي الإيراني عاملا مسرّعا لتحوّلات بعيدة الأجل في بنية الطاقة العالمية. فالصين والهند، أكثر البلدان استيرادا للنفط في العالم، تكثفان مطالبهما بإطار جديد للأمن البحري يقلل الاعتماد على الخليج العربي. وفي المقابل، تكثف الولايات المتحدة ديبلوماسيتها لضمان استقرار الممرات البحرية وطمأنة الحلفاء. وتولي الصين أهمية كبرى لأمن مرور ناقلات النفط عبر مضيق هرمز، إذ يعبره 41 في المئة من وارداتها النفطية.

رويترز
الحرب الإسرائيلية الإيرانية تعيد ملف أخطار اعتماد العالم على الطاقة التقليدية

ويعود تنويع مصادر الطاقة إلى الواجهة. في أوروبا، بعد سنتين من تقليص الاعتماد على الغاز الروسي، يجري التركيز الآن على الاستثمار في الطاقة الخضراء، ومشاريع الهيدروجين، وبنية استيراد الغاز الطبيعي المسال. وتعتقد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) أن الأزمة الحالية قد "تسرّع بلوغ نقطة التحول" نحو الاستثمار في الطاقة النظيفة في الأسواق النامية.

ومع ترقب العالم لتطورات الخليج العربي، باتت هناك حقيقة جلية: أمن الطاقة عاد ليشكل محور الاقتصاد والسياسة العالميين. فأزمة إيران وإسرائيل ليست مجرد بؤرة توتر إقليمية – بل مرآة تعكس هشاشة الاقتصاد العالمي الحديث وتعقيده وترابطه.

font change

مقالات ذات صلة