"القوة نصفها عنف، ونصفها الآخر مسرح وتمثيل" - باتريشيا كرون
عادة ما يقال بأن "التحليل السياسي" ليس في متناول أي كان. فللسياسة "أهلها" الذين يتقنون التحليلات، ويتمكنون من الاطلاع على الخفايا، وحدس النيات والوصول إلى "المصادر". ما حدث في الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، ربما أبرز عاملا لم نكن نأخذه في الحسبان، لعله هو الذي يعطي التحليلات صعوبتها، ويحيد بها عن المنطق وصرامته.
لقد بدا أن تلك الصعوبة لا تعود أساسا إلى تعقد الموضوع السياسي وتعدد العوامل المتحكمة فيه وتباين الآراء حوله فحسب، وإنما ترجع أيضا إلى كون السياسة "لعبة" غالبا ما تغيب عنا أطرافها، وغالبا ما نفتقد الخيوط المتحكمة فيها، وهي "لعبة" أقرب إلى المسرح والتمثيل منها إلى شكل آخر.
إتقان اللعبة
ربما لما كان من علاقة وطيدة للرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب برياضة "الكاتش" (الفوتبول الأميركي)، فقد يكون من المستحسن استحضار هذه اللعبة الرياضية لفهم ما جرى في الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، ومع ذلك لا بد من أن نأخذ في الاعتبار، هنا كذلك، الجانب المسرحي في هذه الرياضة. المعروف أن الساهرين على "مباريات" الكاتش يكتبون مسبقا سيناريوهات المباريات، و"يخططون" لما ستسفر عنه النتائج، بحيث يدخل المتباري، في الوقت ذاته، حلبة صراعٍ وخشبةَ مسرح. وفي طبيعة الحال، تظل المباراة بالنسبة إلى متتبعها ذات قيمة ما لم يشعر بوجهها المسرحي. فيكون على المتبارين أن يتقنوا تمثيل اللعبة، ويتناسوا أنهم على "خشبة مسرح" كي تبدو لعبة الكاتش رياضة خالصة.
كان رولان بارت عقد في كتابه "أسطوريات"، مقارنة طريفة بين رياضة الملاكمة ورياضة "الكاتش" ربما تفيدنا هنا في تسليط بعض الأضواء على اللعبة التي تستهوي الرئيس الأميركي، وأثر ذلك على تدخله في الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل.