تتعطل التكهنات وتبطئ سرعتها ماكينة الإشاعات في العاصمة الأردنية عمان، مع حلول موسم "السبات الصيفي"، فالكل يدرك جيدا أن لا قرارات على مستوى الدولة، خصوصا في التعديل الحكومي أو تغييرات في الصفوف الأولى من المواقع الرسمية، والملك خارج البلاد في "إجازته السنوية"، لكن السبات الصيفي في الصالونات، سيعاود نشاطه بلا شك بعد الأسبوع الثاني من يوليو/تموز الجاري.
ومع هذا السبات الصيفي الموسمي، فإن ما يرشح من تسريبات شبه موثوقة، يؤكد أن الأسبوع القادم سيشهد موجة اعتقالات، وإحالات إلى المحاكمة بين قيادات وأسماء من صفوف جماعة الإخوان المحظورة، قد تطال شخصيات من حزب "جبهة العمل الإسلامي" أيضا، ويأتي ذلك في سياق نتائج التحقيقات التي لا تزال مستمرة، فيما تم التعارف عليه بقضية "الخلية الإخوانية".
على المستوى السياسي، فإن التعديل على حكومة الرئيس جعفر حسان، صار وشيكا، وكما أسلفنا في مقال سابق في "المجلة"، فإن رئيس الحكومة القادم من إدارة مكتب الملك، يحمل في نواياه المبطنة– حسب ما يسر به لمقربين- تعديلين مبرمجين على أجندة حكومته، في حال طال بقاؤها لأكثر من عامين، وكل تعديل تمت برمجته وقتيا، على ضفاف الدورة السنوية منذ تشكيل حكومته، مما يجعل تعديله الأول وشيكا على أعتاب سبتمبر/أيلول القادم، مع تأكيد من مصدر مطلع جدا، أن هذا التعديل الأول لن يكون قبل السابع عشر من أغسطس/آب القادم، كما أنه لن يكون واسعا– حسب نوايا الرئيس- ولن تتجاوز الحقائب المعدلة فيه أكثر من ست وزارات.
التعديل سيكون على أساس الأداء، لا على أساس ضغط الشارع
المصدر ذاته أوضح أن رئيس الحكومة، سيجري تعديله الأول "المتوقع" على أسس ترحيل وزراء، لا يرغبون هم أنفسهم باستكمال مسيرتهم في الحكومة، وأن الرئيس لن "يشخصن" التعديل بل سيكون على أسس نتائج الأداء، التي يقيسها رئيس الوزراء على أساس السرعة، ومجاراته لماراثون الركض المستمر، وهو ما عبر عنه حسان نفسه علنا بقوله: "إن التعديل سيكون على أساس الأداء، لا على أساس ضغط الشارع" وهو ما يعني التركيز على النتائج، بدل التناقل بين شخصيات جديدة دون مبررات واقعية وموضوعية.
وزراء الحكومة بعد ما يقارب العام على التشكيل "الجعفري" لا يخفي بعضهم أسرار مجلس الوزراء، ومجريات ما يحدث فيه، والبعض لا يخفي شكواه من شدة وغلاظة رئيس الوزراء في التعامل اليومي، ومنهم من يرى في تدخل الرئيس في كل تفاصيل الوزارات، تعطيلا لعمل الوزارة الأساسي.
ومن منطلق الرأي الشخصي، فإن سرعة الرئيس "الماراثونية" في الإنجاز، قد تكون منطقية لحكومة تحاول إنقاذ كل ما تعثر في الاقتصاد والإدارة العامة طوال سنوات مضت، لكن السرعة التي يريد الدكتور حسان لوزرائه مجاراته بها، قد لا تكون جيدة لوزارات ثقيلة، ومثقلة بتاريخ متراكم من الأحمال، التي تتطلب صبرا وهدوءا "وحكمة" في تفكيك عُقَدها المزمنة، وإجبارها على السرعة على طريق الرئيس السريع، قد يعرضها للتدهور عند أول التفافة مفاجئة، لكن تلك السرعة القصوى، قد تكون مطلوبة في وزارات أكثر رشاقة، تتعلق بتطوير الجهاز الحكومي وتحديثه، ووزراؤها لا يزالون مشغولين بتسويق مهاراتهم الشخصية، أكثر من ملفات وزاراتهم، وذلك لغايات ضبط جودة "الطفرة الارتقائية".
التعديل حسب قراءات سياسية متعددة، له سياقه الدولي والإقليمي كذلك، وهذا مرتبط بكل التوتر الحاصل في المنطقة، خصوصا في تداعيات الصراع الإسرائيلي–الإيراني، وتغييرات واضحة في المواقف الخليجية في كل الإقليم، وكذلك القلق الغربي المتزايد من الحدود الأردنية، التي لا يريد أحد أن تتحول إلى ساحة عبور محتملة لاضطرابات جديدة، كل ذلك معطوف بالضرورة على وضع اقتصادي سيئ، وبرلمان مثير للجدل، ورصيد تراكمي لشعبيات محدودة لأي حكومة تنفيذية، مما يجعل التعديل الحكومي "إن تم إخراجه بشكل جيد" نوعا من إعادة التموضع السياسي، الذي يحمل رسائل سياسية للداخل، بأن الحكومة تتجدد وتعيد بناء قدراتها، ورسائل للخارج تفيد بأن الأردن مستقر سياسيا، وقادر على الالتزام بالإصلاحات كما أنه قادر على القيام بدوره الإقليمي.
التعديل قد يكون في أحسن الأحوال تحضيرا لمراحل حساسة قادمة ووشيكة، من بينها مشروع إعمار غزة، وإعادة تأهيل سوريا سياسيا وبنيويا، والاستعداد لأي طارئ تتوقعه عمان بحذر على الحدود الشمالية
التعديل قد يكون في أحسن الأحوال- "على محدودية حجمه"- تحضيرا لمراحل حساسة قادمة ووشيكة، وبتسارع. من بينها مشروع إعمار غزة، وإعادة تأهيل سوريا سياسيا وبنيويا، والاستعداد لأي طارئ تتوقعه عمان بحذر على الحدود الشمالية، خصوصا مع تسريبات وصلتنا، مفادها أن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بصدد إنشاء قاعدة أشبه بمركز عمليات لمواجهة التنظيم، وباقي فصائل التطرف المسلحة في بادية الشام.
القراءة لموضوع التعديل يجب أن تتضمن تلك الأبعاد الإقليمية المحيطة بالأردن، والأبعاد الإقليمية بطبيعتها أكبر بكثير من شكل الحكومات التقليدي، التي صارت تغرق في تفاصيل يومية غير مجدية، واختفاء فكرة رجل الدولة القادر على تقديم الحلول، بدلا من تلقي الأوامر دون طرح الأسئلة حولها.
في الخلاصة، فإن كثيرا من التغييرات والتعديلات، سيشهدها الإقليم كله لا في الأردن وحسب، خصوصا بعد أن يتم إسدال الستارة الأخيرة على فصول المواجهة مع إيران، والتي كان شقها الاستخباري قد استطاع الوصول إلى ملفات الراديكاليين من الحرس الثوري، وهي ملفات أمنية تحوي أسرارا كثيرة في هذا الشرق الغامض، وقد تكشف مفاجآت مذهلة في مرحلة قريبة قادمة، تتعلق بكل من تعامل مع إيران من تحت الطاولة، وقام بتسهيل أعمالها في الإقليم في مرحلة "الهيمنة" الإيرانية، التي بدأت في السقوط النهائي، وهذا ضروري للتسويات الإقليمية القادمة، وقبل الانتقال العلني لإتمام العملية السلمية بين سوريا "الجديدة" وإسرائيل، التي يجب أن يشملها التجديد الجذري حكما.