تعد سوريا من أغنى مناطق الشرق القديم بالمواقع الأثرية، وهي منتشرة في شتى أرجاء البلاد. وتتميز الآثار السورية، بوجود شواهد آثارية تعبر عن مراحل مهمة ليس في تاريخ المنطقة فحسب وإنما في التاريخ الثقافي البشري. وبحكم موقعها الجغرافي، كانت سوريا ممرا لكثير من الخطوط التجارية والعسكرية والثقافية. وساهم ذلك بأن معظم الحضارات العالمية تركت آثارها في سوريا مثل الأكادية والآورية والبابلية والفرعونية والهلينستية والفارسية والرومانية والإسلامية.
ولمعرفة ما لحق بقطاع الآثار في سوريا، من سرقة وتهريب عبر الحدود وتدمير للتراث السوري، على امتداد الجغرافيا السورية، خلال سنوات الحرب (2011-2024)، وما قبلها. استطلعت "المجلة" آراء متخصصين سوريين في مجال التراث للوقوف على واقع الآثار اليوم، التي طاولتها أيادي المنقبين غير الشرعيين والعابثين بالذاكرة السورية.
مواقع أثرية تختفي من الخريطة
تعود بدايات التنقيب عن الآثار في سوريا إلى أواسط القرن التاسع عشر، ثم انتظمت بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أنشئت المديرية العامة للآثار في سوريا بإشراف فرنسي. يقول الدكتور فاروق عباس إسماعيل، الباحث في عدد من الجامعات الألمانية: "بدأ الأثريون الفرنسيون التنقيب في مواقع عدة، مثل: تل المشرفة (شمال شرق حمص) في 1924، وأرسلان طاش (جنوب شرق كوباني/ عين العرب) في عام 1928، وتل أحمر (جنوب جرابلس) في عام 1929، ورأس شمرا (أوغاريت Ugarit، قرب اللاذقية) في 1929، وتل الحريري (ماري Mari، قرب البوكمال) في 1933".
ويوضح إسماعيل: "توافدت بمرور الزمن عشرات البعثات الأثرية الأوروبية والأميركية، وعملت في معظم المحافظات السورية، ولا سيما في الجزيرة السورية التي تشير إحصاءات مديريات الآثار في محافظاتها الثلاث (الرقة ودير الزور والحسكة)، إلى وجود نحو 1700 موقع أثري فيها". ومع اندلاع الثورة السورية، بتاريخ 15/3/2011، لم تعد هناك رقابة إدارية على المواقع الأثرية، فتعرض معظمها إلى النبش والحفر فيها بشكل فردي لأغراض تجارية، أو بشكل منظم على أيدي جماعات مسلحة لتمويل أعمالها العسكرية.
ظاهرة قديمة
وعن أكثر المواقع التي تعرضت للسرقة والتهريب، على طول الجغرافيا السورية. يقول عدنان المحمد، باحث وآثاري سوري "إن ظاهرة التنقيب عن الآثار ليست وليدة اليوم، هي ظاهرة قائمة منذ العصور التاريخية"، ويوضح أن هناك عادات وتقاليد للشعوب القديمة تتلخص "بدفن متعلقات الميت معه، أحيانا تكون جرارا فخارية، وأحيانا تكون نقودا، وأحيانا يكون هناك بذخ كبير يرافق دفن الموتى، حيث تدفن مع الميت جياد وعربات وكذلك الجواري، لذلك كانت المواقع الأثرية تستهدف منذ العصور القديمة".
ويؤكد الدكتور عبد الرزاق معاذ، باحث في الآثار والتاريخ، أن سرقة الأثار السورية بدأت اعتبارا من سنة 2000، حيث أخذ الناس يبحثون عن الآثار ويتاجرون بها نتيجة الفقر والعوامل الاقتصادية الصعبة.