يُعد عبده وازن من الأصوات الأدبية البارزة في المشهد الثقافي اللبناني والعربي المعاصر، تحديدا في المجالين الشعري والروائي، إلى جانب حضوره المستمر في الصحافة الثقافية، من خلال مقالاته النقدية. في أعماله النثرية كما في دواوينه، يحضر الإنسان كائنا هشا مأخوذا بالحيرة والغياب، يبحث عن معنى داخل ذاته كما في عيون الآخرين. روايته الجديدة، "الحياة ليست رواية" (منشورات المتوسط، ميلانو، 2025)، تأتي امتدادا لهذا المسار، إذْ تُقارب التجربة الشخصية في تماس مباشر مع البعد الفلسفي للألم، وتصوغ حكاية ترتكز على الندبة التي تتركها التجارب، بعيدا من الاتكاء على الحدث وحده.
ينفتح عنوان الرواية على مفارقة تنسج خيط التأمل منذ الصفحة الأولى. هو عنوان يحمل نبرة حاسمة، يرفض التطابق بين الواقع والخيال، ويكشف في الوقت نفسه هشاشة الحدود الفاصلة بين العيش والسرد. في هذا التوتر، تنشأ الرواية بوصفها تجربة مضادة، كأن وازن يكتب عن استحالة تحويل الحياة إلى قصة، ثم يكتب هذه القصة نفسها ليختبر تلك الاستحالة. العنوان هنا يحول القارئ من متلق إلى شريك فاعل في مساءلة جوهر السرد، ويزرع الشك في القلب من كل حكاية، هكذا تتأسس الرواية على نفيها، وتستمد قوتها من تلك الهوة التي تفصل التجربة عن تمثيلها.
القارئ بطلا
في قلب الرواية يقف القارئ بوصفه شخصية وتمثيلا لحالة وجودية تتقاطع فيها القراءة مع الحياة، ويتحول من دور المراقب إلى مركز للتجربة والانكسار. يمنحه الكاتب حضورا مركزيا، باعتباره كائنا يتكون من النصوص، لا وسيطا بينها. يقرأ بحثا عن وسيلة لاحتمال العالم، لا سعيا لفهمه. المكتبة التي يسكنها تصبح امتدادا لنفسه، وشخصيات دوستويفسكي وكافكا وبروست أصدقاء حميمون، أصوات تردد داخله ما يعجز هو عن البوح به. هذا "القارئ" لا يجد خلاصا، إنما يعثر على مؤانسة في الورق، ويصوغ هويته من شظايا الكتب، حتى لتبدو الرواية كلها مرآة داخل مرآة، كل قراءة تحيل إلى أخرى، وكل نص يعيد تشكيل الذات من جديد.