تشهد محافظة السويداء أعنف صدام مسلح منذ سقوط النظام السوري مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، وذلك على خلفية صراع انطلقت شرارته قبل أيام بعد قيام مسلحين من البدو باختطاف سائق شاحنة من السويداء في منطقة المطلّة بريف دمشق، ليردّ مسلحون في السويداء باختطاف عدد من البدو بريف السويداء.
واندلعت اشتباكات بين الطرفين يوم السبت 12 يوليو/تموز، لتشتد وتيرتها أكثر في اليوم التالي، ما دفع قوات الأمن الداخلي السوري ومجموعات تتبع لوزارة الدفاع بالتوجه نحو السويداء لضبط الأمن فجر يوم الاثنين 14 يوليو/تموز.
تحرّك الجيش السوري حمل معه رسائل إعلامية واجتماعية تبرر تحركها إلى محافظة السويداء، واعتبر وزير الداخلية السوري أنس خطاب أن "غياب مؤسسات الدولة في المحافظة هو سبب رئيس لما يحصل في السويداء". وأضاف في تغريدة له على منصة "إكس": "لا حل في السويداء إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها".
وفي السياق نفسه، قال الناطق باسم الداخلية السورية نور الدين البابا إن "الدولة السورية أخذت قرارها بضبط الأمن في السويداء وذلك بعد التواصل مع الأطراف الفاعلة هناك"، وعدّ أن "الأزمات الأمنية المتلاحقة في السويداء مردها تعنّت التيار الانعزالي، ورغبته في المقامرة بمصير أهلنا في السويداء عبر سلخهم عن شجرة الوطن"، وأنه "لا حل للسويداء إلا بحضور هيبة الدولة وتفعيل أجهزتها، وأخذ المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية دورها الطبيعي في حماية أهلنا المدنيين، وتأمين معاشهم من كل تهديد داخلي أو خارجي، والحفاظ على السلم الأهلي، والوحدة الوطنية في المحافظة".
وصول أرتال وزارتي الدفاع والداخلية إلى السويداء قابله هجوم من قبل مجموعات مسلحة في السويداء أوقع قتلى وجرحى في صفوف الجيش والأمن الداخلي، في الوقت الذي تشهد فيه أصوات السويداء خلافات تُعقد المشهد أكثر، وتهدد بصراعات داخلية في السويداء في ظل وجود أجندات مختلفة في الجنوب السوري، حيث نادت بعض الأصوات بضرورة تدخل الدولة، في حين اعتبرت أصوات أخرى أن التدخل مشكوك في أمره وينافي التوافقات التي توصلت لها السويداء والحكومة السورية. أما الصوت الثالث فهو الذي ينادي بحماية دولية مباشرة للأهالي في السويداء.
التوتر الذي أشعلت فتيله خلافات بين البدو وبعض أهالي السويداء يعكس هشاشة التوازنات في الجنوب، وأن الصراع جنوب سوريا ليس وليد لحظة، بل هو نتاج لمقدمات معقّدة على المستوى الأمني والاجتماعي حاولت الدولة السورية التعامل معها بحالة من الهدوء بالتزامن مع تحركات مكثّفة على الأرض من قبل قوى تتبع أجندات مختلفة وقوى محلية يُهدد دخول الدولة السورية إلى الجنوب مصالحها أو اقتصادها.
البدو والسويداء... خلافات قديمة متجددة
يعود خلاف البدو مع أهالي السويداء إلى عشرات السنوات، وهو خلاف بُني على بُعد اقتصادي واجتماعي، فالبدو يرعون أغنامهم في الأراضي الزراعية في أرياف محافظة السويداء، الأمر الذي يرفضه الأهالي ويعدّونه سبب خسارة لهم، ومع بدء الثورة السورية عام 2011 بدأت حالة التوتر تزداد نتيجة الفوضى التي سببتها حالة الاحتراب بين المعارضة السورية ونظام الأسد الذي اتخذ قراره بمواجهة الشعب السوري بقوّة السلاح والنار. وفي مثل هذه الأيام من عام 2018 تعرضت محافظة السويداء لهجوم شرس نفذه تنظيم "داعش"، أودى بحياة مدنيين في المحافظة، وعدّ بعض الأهالي أن البدو هم من سهّلوا دخول "داعش" إلى قرى السويداء، ومنذ ذلك الوقت تشهد قرى السويداء الشرقية بين آونة وأخرى اشتباكات بين بعض الأهالي في السويداء وبين البدو، وكانت تُغذي تلك الخلافات أطراف كثيرة، منها الميليشيات الإيرانية، أو خلافات على عمليات التهريب وبيع المخدرات والسلاح أو نتيجة اعتداءات متبادلة من قبل الطرفين.
ومع سقوط النظام واستمرار انتشار السلاح المنفلت، علاوة على وجود اقتصاد المخدرات وبيع السلاح في الجنوب، بدأت الأطراف جميعها من عشائر عربية، وبدو، وفصائل في السويداء بتسليح نفسها، وفي السويداء تشكلت وتسلّحت قوى جديدة مثل المجلس العسكري، ومجموعات من فلول النظام الذين هربوا من درعا وريف دمشق واحتوتهم عصابات التهريب وبعض القوي في المحافظة.