فرصة أخيرة لإيران قبل تفعيل "آلية الزناد"

فرصة أخيرة لإيران قبل تفعيل "آلية الزناد"

استمع إلى المقال دقيقة

من المحتمل أن يشهد الأسبوع المقبل تطورا دبلوماسيا مهماً، يتمثل في بدء جولة جديدة من المحادثات بشأن برنامج إيران النووي، تشترك فيها إلى جانب إيران، الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، رغم أن يوم الانطلاق لم يتم تحديده بعد، كذلك لم يتم اختيار البلد المضيف.

يأتي هذا التطور بعد أيام قليلة من سلسلة مكالمات هاتفية أجراها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مع نظرائه البريطاني والفرنسي والألماني. إضافة إلى مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، وتم التباحث خلالها حول ضرورة استئناف المحادثات.

قبل الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، كانت إيران والولايات المتحدة قد عقدتا خمس جولات من المحادثات غير المباشرة أو المباشرة- لا أحد يعلم- حول برنامج إيران النووي برعاية سلطنة عُمان، أقل ما يقال عنها إنها كانت كثيرة التعثر بسبب الخلافات على مستويات تخصيب اليورانيوم التي تختبرها إيران، والتي طالبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث بخفضها إلى الصفر، كي تضمن عدم امتلاك إيران سلاحا نوويا، في حين ظلت إيران تؤكد أن برنامجها النووي يقتصر على الأغراض المدنية السلمية والبحث العلمي.

وتحمل المكالمات الهاتفية التي أجراها عراقجي أكثر من رمزية، منها أنها أول تواصل دبلوماسي إيراني مع "الغرب" بعد الحرب الإسرائيلية والهجمات الأميركية على المنشآت النووية، بخصوص برنامجها النووي، ومنها أنها استهدفت الدول الغربية التي ما زالت ملتزمة بالاتفاق النووي الذي تم توقيعه في جنيف عام 2015، إذا وضعنا الصين وروسيا جانبا، واستثنينا الولايات المتحدة حيث انسحب ترمب منه أثناء رئاسته الأولى.

من جهة أخرى، يبدو أن المكالمات الهاتفية تضمنت تحذيرا جديا لإيران في حال لم تستأنف المحادثات من دون شروط مسبقة، أو في حال فشلت هذه المحادثات في الوصول إلى نتائج ملموسة مع نهاية شهر أغسطس/آب المقبل، لأنه في الحالين سيُعاد فرض العقوبات الدولية على طهران من خلال ما يُعرف باسم "آلية الزناد"، مما جعل إيران تعتبر أن ما جاء في المكالمات يستبطن تهديدا وليس تحذيرا، واستدعى "عتبا" من عراقجي، الذي قال: "إذا أراد الاتحاد الأوروبي والترويكا الأوروبية أن يلعبا دورا، فعليهما التصرف بمسؤولية والتخلي عن سياسات التهديد والضغط، بما في ذلك آلية الزناد التي تفتقر بالكامل إلى الشرعية الأخلاقية والقانونية".

إيران على موعد في الأسبوع المقبل مع فرصة جديدة للتوصل إلى توافق سريع، لأنه بعد انتهاء المهلة سوف يتلاشى الأساس القانوني للاتفاق النووي عمليا

فضلا عن رسائل العتب، وضع عراقجي شروطا على بدء جولة المحادثات الجديدة، فأعلن أن بلاده لن تعود إلى التفاوض إلا في حال كفت الولايات المتحدة عن التلويح بالخيار العسكري، إضافة إلى إصراره على انتزاع تعهد من الإدارة الأميركية بتعويض الأضرار التي تسببت بها الهجمات الأميركية على المنشآت النووية، كمدخل للبدء في المحادثات، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رد سريعا، وقال إنه ليس في عجلة من أمره للتفاوض مع إيران، وفق ما أعلن في مقابلة متلفزة.
الرد الأميركي السريع يضع إيران في مواجهة مأزقين، إما الانصياع للإرادة الدولية من دون شروط وتحت ضغط الأوضاع الاقتصادية والاختلال الأمني والسياسي الذي خلفته الحرب، وإما تحمل نتائج تفعيل "آلية الزناد" التي تشكل ضربة استراتيجية للنظام تهدد تماسكه واستقراره.
تسمح "آلية الزناد" بإعادة فرض جميع العقوبات الدولية على إيران، وهي من ضمن آليات المراقبة المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي صدر إثر توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، وبموجبها، يمكن لأي طرف من أطراف الاتفاق النووي الستة، إعادة تفعيل العقوبات المعلقة، إذا ادعى أن إيران انتهكت التزاماتها، وتبرز قوة عمل هذه الآلية في أنها لا تخضع لحق النقض (الفيتو) أي إنه إذا أحالت إحدى الدول الأعضاء الادعاء إلى مجلس الأمن، ولم يتم التوصل إلى توافق خلال 30 يوما، تعود كل عقوبات الأمم المتحدة السابقة تلقائيا، حتى لو عارضها أعضاء آخرون، كما حددت مدرجات القرار مهلة تفعيل الآلية بالثلث الأخير من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وعليه، فإن إيران على موعد في الأسبوع المقبل مع فرصة جديدة للتوصل إلى توافق سريع، لأنه بعد انتهاء المهلة سوف يتلاشى الأساس القانوني للاتفاق النووي عمليا، وسوف يصبح سقوط الاتفاق عبر "آلية الزناد" أمرا واقعا، وستجد إيران نفسها أمام عواقب اقتصادية وسياسية ودبلوماسية غير مسبوقة، على رأسها: عودة العقوبات الدولية المفروضة عليها قبل 2015 دون استثناء، بما في ذلك العقوبات على تصنيع الأسلحة والصواريخ وبيع النفط، إضافة إلى العقوبات المالية والمصرفية، وستواجه تجميدا جديدا للأصول في البنوك الأجنبية، وقيودا صارمة على التعاملات المالية الدولية، وحصارا على مبيعات النفط وحركة الشحن والصادرات والواردات، مما سيؤدي إلى توسع البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية غير المستقرة، ليقع النظام مرة جديدة في شباك الفوضى الداخلية والعزلة الدولية.

font change