هل يهز حزب ماسك الجديد عرش ترمب؟

نجاحات الاحزاب الأوروبية جميعها جاءت في ظل أنظمة انتخابية نسبية

دايف موراي
دايف موراي

هل يهز حزب ماسك الجديد عرش ترمب؟

اتخذ الخلاف بين إيلون ماسك ودونالد ترمب منعطفا جديدا في يوليو/تموز عندما أعلن رئيس شركة "تيسلا" أنه يتحدى أجندة الرئيس الأميركي من خلال تأسيس حزب سياسي جديد. وأشار ماسك إلى أن "حزب أميركا" سيصب اهتمامه في البداية على الفوز بعدد من انتخابات مجلس الشيوخ والكونغرس، بهدف التمكن من التصويت لصالح عرقلة أو صياغة مشاريع القوانين الأكثر إثارة للجدل التي طرحها ترمب. وقد انطلقت شرارة هذه الخطوة نتيجة غضب الملياردير مما أطلق عليه ترمب اسم "The Big Beautiful Bill" (القانون الكبير الجميل)، الذي سُنّ في الرابع من يوليو/تموز، والذي هاجمه ماسك لأنه يضيف 3 تريليونات دولار إلى ديون أميركا خلال السنوات العشر المقبلة.

وبشكل يتناسب مع شخصيته، رفض ترمب تدخل حليفه السابق ووصفه بأنه "سخيف"، مؤكدا أن "الأحزاب الثالثة لم تنجح قط". وصرح الرئيس للصحافيين: "لطالما كان النظام قائما على أساس حزبين، وأعتقد أن إنشاء حزب ثالث سوف يزيد من الارتباك". وقد يبدو ترمب محقا في وجهة نظره. فعلى الرغم من الجهود الكثيرة، بقي النظام السياسي للولايات المتحدة خاضعا لهيمنة الجمهوريين والديمقراطيين منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع فشل الأحزاب الثالثة على الدوام في إحراز أي تقدم ملحوظ. فهل محاولة ماسك الأحدث محكوم عليها بالفشل، أم إن الأمثلة التي تقدمها بعض الدول الأخرى قد تمنحه الأمل؟

المرة الأخيرة التي نجح فيها حزب ثالث كانت عندما ظهر الجمهوريون أنفسهم في خمسينات القرن التاسع عشر

نظام الحزبين في أميركا

لم تنجلِ الغمامة بعد عن حجم طموحات ماسك وما يريده حقا من حزب أميركا. ربما هو لا يريد سوى أن يكون مفسدا لآمال ترمب بحصوله على عدد قليل من مقاعد الكونغرس. غير أن إعلانه عن الحزب الجديد على منصة "إكس"، منصة التواصل الاجتماعي التي يملكها، أوحى بطموحات أكبر عندما صرح قائلا: "إننا نعيش في ظل نظام الحزب الواحد، وليس في ظل ديمقراطية حقة. واليوم، نؤسس حزب أميركا ليعيد لكم حريتكم". وإذا لم تقف طموحاته عند حفنة من المقاعد وحسب، فقد لا تجري الرياح كما تشتهي سفنه.

إن نظام الانتخاب الفردي المعروف أيضا بنظام "اختر واحدا" أو نظام الفائز بأغلبية الأصوات المعتمد في الولايات المتحدة ينحاز بقوة إلى الحزبين الرئيسين القائمين، نظرا لامتلاكهما الموارد ووسائل الإعلام والاعتراف الوطني لخوض انتخابات متعددة. وقد نجح بعض المرشحين غير المنتمين إلى أي من الحزبين في بعض الأحيان في انتخابات الولايات أو مجلس النواب، وخاصة المستقلين. فعلى سبيل المثال، انتخب بيرني ساندرز أكثر من مرة كعضو مستقل في مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت، في حين مثّل أنغوس كينغ ولاية ماين في مجلس الشيوخ كعضو مستقل منذ عام 2013. لكنّ هذين هما مجرد فردين ولا يمثلان حركات سياسية، ناهيك عن تعاون كليهما بشكل وثيق مع الحزب الديمقراطي.

أ.ب
إيلون ماسك والرئيس دونالد ترمب خلال بطولة المصارعة للرجال من الدرجة الأولى التي أقيمت في مركز ويلز فارغو، 22 مارس

لم تحقق الأحزاب البديلة نجاحا يذكر. ففي عام 2024، أعلن حزب "لا تسميات" (No Labels) وهو مجموعة وسطية مرتبطة بالسيناتور الديمقراطي الراحل جو ليبرمان، عن رغبته في تقديم مرشح رئاسي، إلا أن هذا المخطط باء بالفشل وتخلوا عنه كليا قبل سبعة أشهر من الانتخابات. تاريخيا، كان أداء الأحزاب الأخرى مشابها. في الانتخابات الرئاسية، كان "النجاح" الأقرب عهدا هو نجاح جورج والاس، الذي فاز بخمس ولايات لحزبه المحافظ "الأميركي المستقل" في عام 1968، واحتل المركز الثالث في نهاية الانتخابات. وبالمثل، فاز ستروم ثورموند بأربع ولايات في عام 1948 لحزب "ديكسيكرات" العنصري، لكنه كان أيضا ثالثا بفارق كبير عن الحزبين الرئيسين. كان أقرب حزب ثالث في الانتخابات الرئاسية هو حزب الرئيس السابق تيدي روزفلت الذي حقق المركز الثاني لحزبه "التقدمي" الجديد في عام 1912، مما دفع الرئيس آنذاك ويليام تافت إلى المركز الثالث، لكنه بقي خاسرا بفارق هائل أمام وودرو ويلسون، الذي فاز بـ40 ولاية من أصل 48 ولاية.

والواقع أن المرة الأخيرة التي نجح فيها حزب ثالث كانت عندما ظهر الجمهوريون أنفسهم في خمسينات القرن التاسع عشر، وبلغ الأمر ذروته بفوزهم الأول في الانتخابات الرئاسية عندما انتصر أبراهام لينكولن في عام 1860. ورغم أن ماسك قد يرى نفسه شخصية مؤثرة مماثلة قادرة على تحويل المسار المتحكم في نظام الانتخاب الأميركي، فإن ذلك يوضح مدى الصعوبة التي واجهتها الأحزاب الجديدة منذ ذلك الحين في كسر الاحتكار الثنائي الديمقراطي-الجمهوري.

تمكّن حزب "الإصلاح" من جذب الناخبين تدريجياً بعيداً عن الحزب اليميني التقليدي في كندا، والحزب التقدمي المحافظ، مما أدى في نهاية المطاف إلى انهياره في الانتخابات البرلمانية لعام 1993

دروس تقدمها أوروبا

بدلا من النظر إلى التاريخ الأميركي بحثا عن الإلهام، قد ينظر حزب أميركا الذي يتحدث ماسك عنه، إلى النجاحات الأخيرة التي حققها الوافدون الجدد في الأنظمة السياسية في الخارج. فقد شهدت الدول الأوروبية على وجه الخصوص ازدهار الأحزاب الجديدة في الآونة الأخيرة. ولعل أنجحها كانت حركة "إلى الأمام" التي قادها إيمانويل ماكرون في فرنسا، والتي أعيدت تسميتها اليوم باسم "النهضة". تأسس حزب "إلى الأمام" في عام 2016، إلا أن الحزب الوسطي تمكن في غضون عام ونيف من الفوز بالرئاسة والأغلبية المطلقة في البرلمان. ومثل ماسك، سعى ماكرون إلى الاستفادة من خيبة أمل الفرنسيين في الأحزاب التقليدية من اليسار واليمين. ومنذ ذلك الحين، تراجعت حركة ماكرون عن قممها المهيمنة في عام 2017، لأسباب ليس أقلها أن حزبا آخر من خارج التيار قد اكتسب شعبية كبيرة، وهو حزب "التجمع الوطني" الشعبوي، النسخة التي أعيد تشكيلها من الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة. لكن الرئيس الفرنسي ومنافسيه الشعبويين قد ازدهروا من خلال تقديم أنفسهم على أنهم مختلفون عن النظام القائم.

رويترز
صورة مصغرة مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وعبارة "حزب أميركا"، في 7 يونيو

وينطبق الأمر نفسه على الأحزاب الشعبوية الأوروبية الأخرى. ففي إيطاليا، على سبيل المثال، فاز حزب "إخوة إيطاليا" بزعامة جورجيا ميلوني بالسلطة في عام 2022، وهو الحزب الذي تأسس عام 2012 بتحالف مختلف الجماعات المحافظة واليمينية المتطرفة. وها هي ألمانيا تقدم مثالا آخر، فقد ازدهر حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AFD)، الذي لا يخفي ماسك إعجابه به، منذ تأسيسه عام 2013، رغم أنه فاز بالسلطة محليا فقط، وليس على المستوى الوطني.

بيد أن هذه النجاحات الأوروبية جميعها جاءت في ظل أنظمة انتخابية نسبية، على عكس نظام الأغلبية (أو نظام الانتخاب الفردي) في أميركا، مما سهل على الأحزاب الجديدة أن تتشكل وتكسب الدعم وتطيح باللاعبين الأقوياء. فعلى سبيل المثال، كان تشكيل الأحزاب الجديدة ووصولها إلى السلطة سمة معتادة في السياسة الفرنسية والإيطالية منذ الحرب العالمية الثانية.

النموذج الكندي

بدلا من التطلع إلى أوروبا، قد ينظر ماسك إلى مكان أقرب إلى وطنه للحصول على بعض الإلهام. خلافا لمعظم الدول الأوروبية، تتمتع كندا بنظام انتخابي قائم على حزبين، مثل نظام الولايات المتحدة، إلا أنه نظام شهد تحولا في سياساته من خلال حزب ثالث متمرد. ففي عام 1987، تأسس حزب شعبوي يميني جديد في غرب كندا، وهو حزب "الإصلاح"، وتحدى الهيمنة التاريخية لكل من الحزب الليبرالي والحزب التقدمي المحافظ (PC).

ومن خلال تركيزه على المحافظة الاجتماعية والمالية، والدعوة إلى حكومة محدودة، والترويج للسلطة اللامركزية، تمكّن حزب "الإصلاح" من جذب الناخبين تدريجياً بعيداً عن الحزب اليميني التقليدي في كندا، والحزب التقدمي المحافظ، مما أدى في نهاية المطاف إلى انهياره في الانتخابات البرلمانية لعام 1993. ولكن، بدلا من أن يحلّ محلّ الحزب التقدمي المحافظ، تمكّن حزب "الإصلاح" تدريجيا من فرض هيمنته عليه، مما أدى في نهاية المطاف إلى اندماجهما وتشكيل حزب المحافظين الكندي الجديد في عام 2003. وكان أول زعيم للحزب الجديد، والذي أصبح لاحقا رئيسا للوزراء، هو ستيفن هاربر، وهو عضو سابق في البرلمان الإصلاحي، ما يشير إلى هيمنة "الإصلاح" على الحزب الجديد.

ماسك ثري جدا لدرجة أن "حزب أميركا" قد يكون مجرد ورقة ضغط باهظة الثمن، في محاولة لدفع ترمب كي يتراجع عن سياسته المتعلقة بالديون

قد يكون نموذج "الاستحواذ" هذا مصدر إلهام لحزب "إصلاحي" آخر، وهو حزب نايجل فاراج الجديد في المملكة المتحدة. وبينما يصر فاراج على عدم رغبته في تولي زعامة حزب المحافظين، يُقارن كثير من المراقبين بين فاراج وهاربر، ويتساءلون عما إذا كانت استراتيجية "إصلاح المملكة المتحدة" طويلة الأمد تتمثل في الاندماج مع حزب المحافظين البريطاني الضعيف، ثم الهيمنة عليه.

جوهريا، قد يكون هذا هو السبيل الأرجح لنجاح ماسك بدلا من محاولة إزاحة حزب ترمب الجمهوري. وإذا تمكن من الفوز بعدد قليل من المقاعد، فقد يمنح هذا حزبه الجديد زخما كافيا لجذب الناخبين المحافظين، مما يسمح في النهاية بنوع من الاندماج.

المهمة الصعبة

المهمة بلا شك شاقة. يمكن القول إن هذا التكتيك هو الذي استخدمه ترمب بنجاح، أي السيطرة على الحزب الجمهوري وإعادة صياغته وفق رؤيته. لقد نجح ترمب بالفعل في ترسيخ مكانته كمرشح تحدى المؤسسة القائمة، مثل حزب "الإصلاح"، أو حزب ماكرون إلى الأمام، أو حزب "البديل من أجل ألمانيا"، لذا سيكون صعبا على ماسك تكرار نفس الحيلة. الأمر ليس مستحيلا، وقد تغلبت أحزاب ثالثة ناجحة في أماكن أخرى على عقبات مماثلة، لكن على ماسك أن يعي أن أمامه منحدرا وعرا ليتسلقه.

رويترز
إيلون ماسك يرتدي قبعة كُتب عليها "خليج أميركا" أثناء حضوره اجتماعًا وزاريًا عقده الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، الولايات المتحدة في 30 أبريل

وبطبيعة الحال، لا ينبغي استبعاد أنه لا ينوي خوض هذه المغامرة فعليا. ماسك ثري جدا لدرجة أن "حزب أميركا" قد يكون مجرد ورقة ضغط باهظة الثمن، في محاولة لدفع ترمب كي يتراجع عن سياسته المتعلقة بالديون. لكن ماذا لو لم يتراجع ترمب، وهو أمر وارد. إن ماسك نفسه لا يقل تشددا عن ترمب، ولذلك، حتى لو لم يكن جادا بشأن حزبه الجديد، فقد يظل رقماً حاسماً في معادلة السياسة الأميركية، حتى لو لم يكن ينوي خوض اللعبة حتى نهايتها.

font change