جورج عبدالله... من سجون فرنسا إلى ديار السِّيبَة والمنايا

هل يمكن القول اليوم إن ذلك النشاط اليساري الهوى الإيديولوجي قد مضى وانطوى؟

غيتي
غيتي
استقبال جورج إبراهيم عبد الله، بحفاوة لدى وصوله إلى مطار بيروت الدولي في 25 يوليو 2025، بعد أن أمضى أكثر من 40 عامًا في السجن في فرنسا

جورج عبدالله... من سجون فرنسا إلى ديار السِّيبَة والمنايا

أخيرا أطلقت السلطات الفرنسية اللبناني جورج إبراهيم عبدالله من سجونها التي مكث فيها 41 سنة، بعد اتهامه وإدانته في عام 1984 بجريمة قتل دبلوماسي إسرائيلي وملحق عسكري أميركي في باريس.

وفي عام 1999 قرر القضاء الفرنسي إطلاق سراحه، لكن السلطات السياسية والأمنية الفرنسية لم تنفذ القرار القضائي. واستمر تأجيل أو إلغاء تنفيذه مرات، بسبب ضغوط أميركية على باريس، وربما معطوف على ضغوط من اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل، والقوي النفوذ في فرنسا.

القتل اليومي الإسرائيلي الحر

وبعد ظهر نهار الجمعة 25 يوليو/تموز 2025، وصل عبدالله إلى مطار بيروت، فيما الحوادث اللبنانية والملبننة منذ دهر تستمر في تدافعها اليومي المزدحم والمتشظي في اتجاهات تفوق الإحصاء والوصف، كسواها من الحوادث في كثير من الديار العربية.

وقد يصح في هذه الحوادث قول الشاعر العربي القديم- "الجاهلي" في تصنيف مدرسي خاطئ وجاهل- زهير بن أبي سلمى في معلقته الشهيرة: "رأيت المنايا خبط عشواء من تُصِبْ/تمتْهُ...". كصواريخ المسيرات الإسرائيلية التي تنهمر يوميا بدقة إلكترونية لامتناهية، فتصيبُ كالقدر وفي أي وقت ومكان، من تريد وتشاء في الديار اللبنانية السائبة وفي مثيلتها السورية. وتقتصر الحياة السياسية والدبلوماسية الفعلية في البلدين اللصيقين، على زيارات متكررة للسيد توم باراك، اللبناني الزحلاوي الأصل، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصديقه في الثروة.

لم يخرج أهالي القبيات إلى استقبال ابن بلدتهم العائد، بسبب رفضهم مواقفه وفعلته القديمة بباريس، ممزوجا بخوفهم المستجد من أن تطارده مسيرات إسرائيل لقتله في بلدتهم

أما من يقتلهم/يغتالهم القدر الإسرائيلي اليومي- فيما باراك يفاوض رئيس البرلمان اللبناني ورئيس "حركة أمل" ووكيل "حزب الله" السيد نبيه بري، على نزع سلاح "الحزب" المذكور- فيوارون الثرى في صمت مقابري، بلا ذكر أسمائهم غالبا، وكأن شيئا لم يكن، أو أن ما حدث ليس سوى أمرٍ عادي في أرض الهباء والسيبة. فالقتلى/المغتالون- يُعلَنُ فحسب عن عددهم الذي فاق الـ400 قتيل حتى اليوم وفي أقل من سنة، وفي كل يوم يرتفع هذا العدد- هم غالبا من المنظمين في "حزب الله". وأهلهم الصامتون و"حزبهم" المنكوب مثل أهلهم، أدركوا أنهم صاروا مكشوفين تماما، ومنذورين للقتل والدفن في صمت مطبق، لا يعقبه سوى اغتيال جديد. وهذا بعدما كان "شهداء الحزب" عينه يشيّعون إلى مثواهم الأخير، بصخب احتفالي وخطب انتصارية وتصوير تلفزيوني، قبل العاصفة الإسرائيلية الأخيرة على لبنان و"حزب الله".

وكانت صواريخ مسيّرة إسرائيلية تنقض على سيارة في بلدة برعشيت جنوب لبنان، فتقتل من فيها، قبيل هبوط الطائرة التي أقلت السجين المحرر جورج إبراهيم عبدالله، في مطار بيروت، فيما عنين طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المعتاد يملأ سماء المدينة وينغرس في أسماع سكانها وأسماع مصطافي الاغتراب اللبناني الزائرين الفرحين، غير آبهين بصواريخ الموت التي تنهمر هنا وهناك في بلدهم الأول الذي لا يهنأون في سواه بأن يغمرهم عبق حنان الأهل، فيما هم يستمتعون بدفء العلاقات الاجتماعية وبـ"لقمته الطبيبة" التي صارت عالمية الشهرة، رغم أنها مغمسة بالدم وبشتى أصناف الفساد.

غيتي
جورج إبراهيم عبد الله خلال محاكمته في فرنسا، 3 يوليو 1986 في ليون

أما جورج إبراهيم عبدالله فينطبق عليه الشطر الثاني (العجز) من بيت قصيدة الشاعر العربي القديم: "من تخطِئ (المنايا) يُعَمر فيهرمِ"... في سجنه الفرنسي الذي أُطلق منه سراحه أخيرا، ليعود إلى بلاد السيبة والمنايا.

وفي صالة الشرف بمطار بيروت استُقبل عبدالله، فعانقه جمع مستقبليه يتقدمهم حنا غريب، أمين عام شرمة من بقايا الحزب الشيوعي اللبناني. وأمام المطار احتشد عشرات من جمهور "الحملة الوطنية لتحريره"، والتي دعت إلى "أوسع مشاركة وحضور جماهيري" لاستقبال السجين "البطل" المحرر.

وغادر السجين المحرر ومستقبلوه المطار في موكب سيارات، متوجهين إلى بلدته القبيات العكارية المارونية في أقصى شمال لبنان. ولم يخرج أهالي القبيات إلى استقبال ابن بلدتهم العائد، بسبب رفضهم مواقفه وفعلته القديمة بباريس، ممزوجا بخوفهم المستجد من أن تطارده مسيرات إسرائيل لقتله في بلدتهم. أما مستقبلوه الفرحون بعودته، فكانوا خائفين الخوف عينه على "بطلهم" العائد. وبعضهم اتّهم السلطات الفرنسية بـ"التآمر" عليهم، لأنها سرّعت بيوم أو يومين إطلاق سراحه وترحيله من باريس إلى بيروت، لتحرمهم من التحضير لاحتشاد كبير في استقباله ببيروت. ولا تخلو تهمتهم هذه من افتراضهم أو توهمهم الخطابي والنرجسي الضمني أن السلطات الفرنسية واللبنانية معها، تخشيان احتشادهم الكبير. وفي عام 2000 كان حلف "الممانعة" الذي ينتمي إليه مستقبلو عبدالله اليوم، قد احتج على إسرائيل واتهمها بالتآمر عليه، لأنها قرّرت إجلاء جيشها من شريط لبنان الحدودي الذي تحتله، ويقاتل الحلف لتحريره. وذلك لأن جلاء المحتل يحرم الحلف من بقائه "مقاوما" أبديا للاحتلال.

وخشية منهم على "بطلهم" المحرر من السجن الفرنسي، دعا مستقبلوه الحكومة اللبنانية إلى حمايته، على الرغم من يقينهم أنها لا تستطيع حماية أحدٍ فحسب، بل هي أصلا لا تريد لو استطاعت. وعدم استطاعتها وإرادتها هو علة وجود "مقاومة حزب الله"، الذي تعهّد مع الحكومة اللبنانية قبل أقل من سنة بنزع سلاحه، وإلا لن تتوقف إسرائيل عن مطاردة رجاله وإنشاءاتهم العسكرية أينما وجدوا. وهذا تنفيذا لاتفاقات دولية، بعدما تلقى لبنان و"حزب الله" من إسرائيل ضربة دموية مدمّرة، شلت قدرات "الحزب" العسكرية والقيادية والمعنوية.

في شخصية جورج إبراهيم عبدالله- تلك التي بدت في مرآة حضوره وصوره وكلماته ولهجته واستقباله في مطار بيروت، ثم في منزل أهله بالقبيات- تلوح ملامح وأطياف وأشباح متداخلة ومختلطة

متاهة صور ومثالات

بمناسبة عودة السجين جورج إبراهيم عبدالله إلى بلده، وفي أشرطة فيديو صَوّرته بين مستقبليه في مطار بيروت، استُعيدت ذكريات وأشباح صور وحوادث كثيرة، امتزجت واشتبكت على الأرجح في شخص عبدالله وكلامه ولهجته وسيرته. ومن هذه الصور والحوادث:

- أشباح صور عاميّات فلاحي طانيوس شاهين (1815-1895) الثائرين على "المقاطعجية/الإقطاعيين" في جبل لبنان أواسط القرن التاسع عشر. علما أن الثورة الفلاحية تلك سرعان ما تحولت حربا أهلية طائفية بين النصارى والدروز. وصور أولئك الفلاحين هي التي استعادها شبان وفتيان يساريون لبنانيون في تسعينات القرن العشرين السعيدة على غرار الستينات، وجعلوها أيقونتهم هاديهم ودليلهم ومثالهم النضالي المحدث ضد "الرأسمالية النيوليبرالية"، بعد حروب لبنان الأهلية (1975-1990). وقد سمى أولئك الشبان والفتيان مجموعتهم آنذاك "عامية طانيوس شاهين".

- صور طالعة من حكايات وكتابات مارون عبود (1886-1962)، الأديب اللبناني الذي تروي حكاياته البلدية الريفية اللبنانية تمرّد عامة المسيحيين على نخبة رجال الدين والإقطاعيين. وهناك صور أخرى طالعة من مرويات الأدب الشعبي اللبناني التي رواها وكتبها الحكواتي سلام الراسي (1911-2003).

- صور تذكّر بـ"الماروني التائه في انتفاضات عاميّة"، إسبر البيطار (1925-1993). وهو من بلدة القبيات، شأن جورج عبدالله، وسبقه في تنقله بين أحزاب كثيرة في الأربعينات والخمسينات، قبل أن يستقر في الحزب الشيوعي اللبناني، وينشق عن الجيش اللبناني، ويلتحق بـ"ثوار 1958" الناصريين الثائرين في الشطر الغربي من بيروت على سياسة عهد الرئيس كميل شمعون الخارجية: موالاته  للغرب ضد العروبة الناصرية.

- صورة "المناضل" اليساري اللبناني الشيعي علي شعيب (1946-1973) رائد العمل المباشر المسلح، اليساري والعروبي، مع رفاقه في منظمة لبنانية سرية صغيرة نمت على هوامش العمل "الفدائي" الفلسطيني وارتبطت به في لبنان أواخر الستينات وطوال السبعينات. وقامت المجموعة السرية بالهجوم على بنك أوف أميركا في بيروت أثناء حرب 6 أكتوبر/تشرين الثاني 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من الجهة الأخرى. فاحتجزت المجموعة موظفي المصرف الأميركي، مطالبة بتحويل أرصدة مالية منه إلى "المجهود الحربي العربي" لقاء الإفراج عنهم. لكن قوات الأمن اللبنانية هاجمت المصرف وحرّرت الرهائن وقتلت علي شعيب، الذي كتب الشاعر عباس بيضون قصيدة في رثائه، يقول فيها: "يا علي، نحن أهل الجنوب، نروي سيرتك على أصفى البرك والأودية". واشتهرت هذه القصيدة بعدما غنى مغني الحروب اللبنانية مارسيل خليفة مقطعا منها. وقد استعاد ناشطون يساريون في انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، صور علي شعيب بكثافة، في أثناء هجومهم على مباني المصارف اللبنانية التي كانت قطب الإفلاس والنهب الماليين في لبنان، إلى جانب زعماء وأقطاب الطبقة اللبنانية الحاكمة والمتناحرة فيما بينها حتى الساعة.

غيتي
سيارات الإسعاف تتجمع حول متجر تاتي في باريس،الذي كان قد تعرض لتفجير مميت، فرنسا في 17 سبتمبر 1986

- صورة "المناضل" الآخر سمير القنطار (1962-2015)، الذي جنّدته "جبهة التحرير الفلسطينية" وأرسلته في الـ17 من عمره في 22 أبريل/نيسان 1979 قائدا لمجموعة من فدائييها للقيام بـ"عملية نهاريا" في فلسطين المحتلة. ومن زورق مطاطي نزلت المجموعة على شاطئ نهاريا الإسرائيلي، فأغارت على بيوت مستوطنين، واقتحمت منزلا واقتادت طفلة ووالدها نحو الشاطئ، ثم قتلتهما قبل أن يتمكن الأمن والجيش الإسرائيلي من قتل عناصر المجموعة وأسر قائدها سمير القنطار. ومكث القنطار في السجون الإسرائيلية حتى عام 2008 حينما أُفرج عنه في عملية تبادل أسرى بين إسرائيل و"حزب الله" الذي انتسب إليه القنطار بعد تحريره. وشارك "المناضل" القنطار إلى جانب حزبه الجديد في مقاتل الشعب السوري الثائر على نظام الأسد، حتى قتلته في عام 2015 طائرة إسرائيلية في جرمانا جنوب دمشق، ومعه قيادات من "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني.

- صور لـ"المناضل" ورجل الأمن و"الدراسات الاستراتيجية"، البيروتي اللبناني، أنيس نقاش (1951-2021). في النصف الثاني من الستينات كان النقاش فتى من "أنصار الثورة" الفلسطينية في الحركة الطلابية اللبنانية. وسرعان ما مال إلى العمل الأمني والاستخباري والسري في أحد أجهزة منظمة "فتح". وفي موجة الأسلمة الأيديولوجية التي تفشت في بعض أوساط المنظمة الفلسطينية أثناء الثورة الخمينية في إيران، حملت تلك الموجة النقّاش إلى طهران، حيث عمل في الأجهزة الأمنية الإيرانية. وفي عام 1980، حاول اغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق شاهبور بختيار في باريس، فاعتقلته السلطات الفرنسية وسجنته حتى عام 1990. وبعد عودته إلى بيروت انخرط في أعمال أمنية واستخبارية في "حزب الله" حتى وفاته في دمشق في عام 2021.

بيروت وفلسطين وغزة

في شخصية جورج إبراهيم عبدالله- تلك التي بدت في مرآة حضوره وصوره وكلماته ولهجته واستقباله في مطار بيروت، ثم في منزل أهله بالقبيات- تلوح ملامح وأطياف وأشباح متداخلة ومختلطة من الشخصيات المذكورة أعلاه وصورها، ومن الحوادث التي لعبت فيها دور "البطولة". وعبدالله مثل هذه الشخصيات التي يجمع بينها خط يخترق أزمنتها وتكوينها وتصورها للعالم وذواتها وحضورها ودورها فيه. خيط يمتد على ثلاثة أجيال من اليساريين والعروبيين في لبنان، وعلى المسرح اللبناني البيروتي تحديدا، أقله منذ مطلع الخمسينات (بعيد نكبة فلسطين وقيام دولة إسرائيل في العالم 1948) وحتى اليوم. والخيط هذا هو الذي يشكل ويجمع اليوم مادة التفاعل بين شخصية جورج عبدالله وسيرته وصورته وبين مخيلة جيل فتيّ وشاب يتخذ من عبدالله وأشباهه من الشخصيات، مثالا يُقتدى ويُستلهم هاديا ودليلا في "النضال" اليساري والعروبي.

هل يمكن القول اليوم إن ذلك النشاط اليساري الهوى الأيديولوجي قد مضى وانطوى، أم إنه يتوالد ويتناسل في أشكال وألوان وأماكن أخرى؟

ولد جورج في 2 أبريل 1951 ابنا لعائلة عاميّة كثيرة الأبناء، استجابة للثقافة والتقاليد الفلاحية في قرية القبيات المارونية شمال جبل لبنان الذي يختلف مجتمعه عن مجتمع وسطه (وسط الجبل) وجنوبه، حيث توسع التعليم بقوة وكذلك العلاقات شبه الرأسمالية، والعلاقة التجارية بمدينة بيروت والهجرة إليها، منذ أواسط القرن التاسع عشر. وفي فتوته وشبابه بدار المعلمين والمعلمات الابتدائية في الأشرفية، حيث لم تكن تنزل عائلته، ويقيم في سكن طلابي مشترك على الأرجح، انتسب عبدالله إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، يوم 15 من عمره. وفي مطالع الحرب الأهلية بلبنان (1975-1990) كان يعمل مدرسا، ويقيم منفردا أو مع زملاء أمثاله في غرفة بالشطر الغربي من بيروت الذي كان يغلب عليه المسلمون وتسيطر ميليشيات المنظمات الفلسطينية وحليفتها اللبنانية اليسارية والعروبية. وفي عام 1976 انشق مع مجموعة عن الحزب السوري القومي، وانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وسرعان ما انضم عبدالله إلى مجموعة العمل السري الخارجي المسلح في الجبهة التي يقودها وديع حداد (1927-1978).

غيتي
أُلقي القبض على اللبناني جورج عبد الله في باريس في أكتوبر 1984، وكان عمره 35 عامًا

وكان عقد السبعينات اللبناني الفوضوي، وتحديدا البيروتي الشبابي والطلابي اليساري، مصنعا ناشطا في توليد منظمات ومجموعات هامشية صغيرة للعمل "النضالي" السري المسلح، وغالبا ما كانت صنيعة الصلات العضوية الحميمة والسرية بالكفاح المسلح الفلسطيني ومنظماته. وأثناء معمعة النشاط "النضالي" السري تلك، كان جورج عبدالله وصديقه الحميم حسن دياب (من مواليد 1953 في الشياح) في قلب تلك المعمعة الشبابية وعواصف "مسيرتها اليسارية الكبرى".

كان دياب من هواة قيادة الدراجات النارية حين كان طالبا جامعيا في بيروت تلك الحقبة. وفي عام 2008 كان قد صار أستاذا جامعيا في كندا، حينما طلبت السلطات الفرنسية من الكندية تسليمه إياه لـ"تورطه في تفجير كنيس يهودي بباريس سنة 1980"، حسب أدلة التحقيقات الفرنسية "المعقدة والمربكة والمشبوهة الاستنتاجات"، حسب وصف قاضٍ كندي اطلع على ملف الادعاء الفرنسي. لكن الأكيد أن دراجة نارية هي التي انفجرت أمام الكنيس اليهودي الباريسي، فقتل انفجارها 4 أشخاص وجرح عشرات.

في مطلع الثمانينات أسس عبدالله ما سماه "الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية". والأرجح أن تلك التسمية لتمويه صلته بالعمل السري الفلسطيني المسلح. وحين اعتُقل في فرنسا عام 1984، عثرت السلطات الفرنسية في حوزته على جوازات سفر عدة، من الجزائر ومالطة والمغرب واليمن الجنوبي. ومن الأدلة التي اعتمدها التحقيق الفرنسي لإدانة حسن دياب إدانة مرتبكة وملتبسة، عثوره على جواز سفر جزائري باسمه، وسلمته السلطات الإيطالية للفرنسية، ويقال إن دياب تركه في إيطاليا التي مرّ فيها في طريقه إلى فرنسا.

يصعب البت في مثل هذه الأمور الضبابية والدخول في متاهتها. لكن الأكيد أن بيروت السبعينات والثمانينات كانت مصنعا لأعمال تمويه "النضالات" السرية الدولية المسلحة حول العالم، والتي غالبا ما كانت على صلة سرية وثيقة بالمنظمات الفلسطينية.

هل يمكن القول اليوم إن ذلك النشاط اليساري الهوى الأيديولوجي قد مضى وانطوى، أم إنه يتوالد ويتناسل في أشكال وألوان وأماكن أخرى؟ الأكيد أن نماذج ذلك النشاط، شأن عبدالله وأمثاله، لا تزال حاضرة وفاعلة في دوائر شبابية ضيقة، ترفع اليوم تلك النماذج مثالات "نضالية" أيديولوجية منزوعة السلاح غالبا. وهذه حال المجموعات الشبابية الضيقة والقليلة العدد التي استقبلت عبدالله في مطار بيروت، ورافقته إلى بلدته القبيات.

شاب فلسطيني مقدسي من أولئك المستقبلين، طالبٌ في الجامعة الأميركية في بيروت. لكن المستقبلين جميعا وعبدالله نفسه، تتركز مشاعرهم وانفعالاتهم وكلماتهم على فجيعتهم بالصمت الشعبي أو الجماهيري العربي والعالمي حيال الإبادة اليومية التي تنفذها العنصرية الإسرائيلية بالفلسطينيين في غزة.

font change