تُعدّ الحرب التي يشنها بنيامين نتنياهو على غزة اليوم مثالا صارخا على القسوة الممنهجة التي تعتمدها حكومته اليمينية المتطرفة؛ إذ لم يكن التجويع نتيجة عرضية لحرب لا يمكن الفوز بها، بل أداة متعمدة تهدف إلى تحطيم إرادة الفلسطينيين في القطاع.
فعلى مدار نحو عامين، حوّل النظام الإسرائيلي القائم المناطق الحضرية في غزة إلى أقفاص، وعاقب المدنيين لمجرد وجودهم ضمن رقعة جغرافية لا تتجاوز 41 كيلومترا طولا و10 كيلومترات عرضا، كأداة مساومة للضغط على حركة "حماس"، التي شنت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 هجوما غير مسبوق عبر الحدود على إسرائيل، أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف 251 آخرين.
منذ اللحظات الأولى للحرب، اتخذت استراتيجية نتنياهو منحى يتجاوز أساليب القتال التقليدية. فبينما تنهال القنابل من السماء، مدمرة ما يقارب 70 بالمئة من البنية التحتية في القطاع، و92 بالمئة من الوحدات السكنية، ومخلفة أكثر من 60 ألف قتيل على الأقل، تحولت أدوات الضغط العسكري إلى سلاح أشد قسوة في هذه المواجهة.
حُوصر مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة خلف جدران غير مرئية، محرومين من الغذاء والدواء ومقومات الحياة الأساسية. وفرض الحصار بإحكام شديد، إذ سيطرت نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية على كل منفذ للإمدادات. ومع نضوب الموارد وانتشار سوء التغذية، بات فلسطينيون أمام موت بطيء لا يرحم.
لم يكن التجويع وحصار الفلسطينيين في أحياء غزة ضررا جانبيا للحرب، بل سياسة ممنهجة تبنتها حكومة نتنياهو، وواجهت انتقادات علنية حتى من بعض من سبقوه في المنصب. فقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت ما يُعرف بـ"المدينة الإنسانية،" التي اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي إقامتها على أنقاض رفح، بأنها "معسكر اعتقال،" مؤكدا أن إجبار الفلسطينيين على دخولها يشكّل "تطهيرا عرقيا".