احتفلت أوروبا وروسيا في مايو/أيار الماضي بالذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت نفسه شهدنا تكريس انهيار النظام الدولي الذي انبثق عنها. وانقسمت القارة القديمة قارتين تفصل بينهما أوكرانيا، دولةٌ في حالة حرب، أعادها النزاع الدائر إلى مصيرها الذي دام قرونًا كأرضٍ للدماء. إنهما قارتان أوروبيتان في قلب فوضى عالمية تُهيمن عليها قوى أخرى كبرى.
وسط هذا الشرخ، يبرز التجاذب الروسي-الفرنسي مترجماً الانقسام حول مصير أوكرانيا ومنظومة الأمن الأوروبية، ومعبراً عن الهاجس الأوروبي من الشهية الروسية للتوسع، وكذلك عن خشية موسكو من اقتراب "الناتو" من حدود الاتحاد الروسي ومن التهديد الغربي.
بيد أن الأبعاد التاريخية والثقافية والاقتصادية تدفع بباريس وموسكو إلى عدم القطيعة والتفتيش عن نقاط التقاء بالرغم من الخطاب المتوتر أحياناً.
منعطف الحرب
اتسمت العلاقات الفرنسية-الروسية بعد الحرب الباردة بصعود وهبوط، وتراوحت بين فترات تقارب وتوتر.
لقد تمكن البلدان من تعزيز علاقاتهما السياسية والثقافية والاقتصادية في الحقبة التي أعقبت مباشرة الحرب الباردة، وخاصة خلال عهد الرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي بين 1995 و2012، وبرز حجم من المصالح المشتركة، وتقاطع في النظرة حيال ملفات دولية، وتعاون حثيث في مجالي الطاقة ومكافحة الارهاب. إلا أن التناقضات حول قضايا جيوسياسية رئيسة، مثل أزمتي سوريا وأوكرانيا (اللتين اندلعتا بعد 2011) ألقت بظلالها على الصلات الثنائية وأعادت التجاذب بين باريس وموسكو.
واحتدم التوتر إثر قرار روسيا ضم شبه جزيرة القرم والصراع في دونباس (2014)، وأدت هذه الأحداث إلى فرض عقوبات أوروبية على روسيا، وشهدت تدهورًا كبيرًا في العلاقات الفرنسية-الروسية، تجسد في حقبة الرئيس فرنسوا هولاند (2012-2017) مع إلغاء فرنسا عقد بيع حاملات طائرات الهليكوبتر ميسترال لروسيا عام 2015. ورغم التوترات، حافظ البلدان على حوار سياسي واقتصادي، مُدركين أهمية إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة.