فيما تستمر عملية "السلام" بين الحكومة التركية و"حزب العمال الكردستاني" نحو مزيد من الخطوات العملية والمتبادلة، يلاحظ خبراء ومراقبو الشأن السياسي الداخلي التركي "انقلابا" في شكل التحالفات الحزبية الداخلية في البلاد، مبنيا على تغيرات جذرية تحدث في البيئة السياسية للتيارات القومية التركية في البلاد. إذ صار الرئيس رجب طيب أردوغان "مُهددا" بخسارة المزيد من مؤيديه من القوميين الأتراك، ومن مختلف التنظيمات والأحزاب، اعتراضا على اعترافه وتعاطيه مع "العمال الكردستاني" كطرف سياسي، ورفضا لما قد يتخذه من قرارات وتشريعات عبر اللجنة البرلمانية المنوي تشكيلها لهذا الغرض. الأمر نفسه يصح بحليفه في التحالف الحاكم دولت بهجلي، زعيم الحركة القومية التركية "المتشددة".
لكن القوميين الأتراك في هذا الملف ليسوا جبهة واحدة، لا تنظيميا ضمن طيف الأحزاب والتحالفات السياسية، ولا حتى في الرأي العام حسبما تكشف الاستطلاعات. وهذه حالة نادرة في تركيا، إذ نادرا ما كانت القوى القومية متباينة ومتواجهة فيما بينها لهذا الحد، أكثر من صراعها مع باقي القوى السياسية في البلاد.
طيف القوميين
تتوزع الأحزاب والتيارات القومية التركية حاليا على أربع قوى رئيسة، يشكل "حزب الحركة القومية" (MHP) التنظيم التقليدي والأقوى ضمنها. فللحزب راهنا 47 مقعدا برلمانيا من أصل 600 مقعد. ينضوي الحزب ضمن "تحالف الجمهور" الحاكم مع "حزب العدالة والتنمية"، وهو أكثر التنظيمات حيوية ودفعا للتفاوض مع "العمال الكردستاني". تعترف الحركة القومية بأنها مارست قطيعة استثنائية مع تاريخها ورؤيتها وحتى تعريفها لهوية الكيان التركي. فالزعيم المخضرم للحركة دولت بهجلي صار يعرض نفسه كـ"زعيم ديمقراطي" للبلاد، وليس قائد الجبهة القومية في البلاد كما كان تقليديا. لكن الحركة لا تصنف ذلك كتخلٍ عن النهج القومي، بل كتحديث وتأكيد على المصلحة القومية بعيدة المدى.