روبوت سمكي يتحدى أعماق البحار

بمرونة غير مسبوقة...

Scarlett Yang
Scarlett Yang
تبرز الروبوتات اللينة كحل واعد لإحداث ثورة في استكشاف أعماق البحار

روبوت سمكي يتحدى أعماق البحار

منذ أن عرف الإنسان البحر، لم يكفّ عن محاولة فك ألغاز أعماقه، من قوارب الفراعنة والفينيقيين، إلى رحلات كولومبوس وماجلان، وصولا إلى حملة السفينة "تشالنجر" في القرن التاسع عشر التي وضعت أسس علم المحيطات، ثم الغوص الأسطوري إلى أعمق نقطة على الأرض بخندق ماريانا عام 1960. ورغم كل هذه المحاولات، لا تزال أعماق البحار تمثل "الفضاء الداخلي" للكوكب، حيث الظلام الدامس والضغط المهول والبرودة القارسة.

اليوم، يضاف فصل جديد إلى هذا التاريخ الطويل، مع ابتكار سمكة روبوتية مرنة قادرة على السباحة في أعماق تتجاوز أربعة آلاف متر، فاتحة الباب أمام عصر جديد من الاستكشاف لا يعتمد على الغواصات الثقيلة بل على روبوتات لينة تحاكي الكائنات البحرية نفسها.

يعد المحيط العميق من أقل مناطق الأرض استكشافا، حيث يفرض تحديات هائلة بسبب الضغوط الهائلة، ودرجات الحرارة التي تقترب من التجمد، والظلام الدامس. وكانت الروبوتات التقليدية المتنقلة في أعماق البحار، وتتكون عادة من مكونات صلبة، هي الأدوات الأساسية لاستكشاف أعماق المحيطات.

ومع ذلك، تواجه هذه الآلات "الصلبة" تحديات شائعة في البيئات المتطرفة تحت الماء، بما في ذلك زيادة الوزن، ومحدودية القدرة على التكيف، وإحداث اضطراب للمخلوقات البحرية في الأعماق. وتسلط هذه القيود الضوء على الحاجة إلى بدائل مبتكرة.

حل واعد

تبرز الروبوتات اللينة كحل واعد لإحداث ثورة في استكشاف أعماق البحار، حيث توفر مرونة طبيعية في مواجهة الضغط، وهياكل لينة بالكامل، وغطسا هادئا يقلل الاضطراب البيئي. وبفضل قدرتها على التكيف وتصميمها غير المتطفل، تمتلك الروبوتات اللينة المتنقلة القدرة على تمكين أبحاث محيطية أكثر استدامة وعمقا.

عندما يفكر معظم الناس في الروبوت، يتخيلون المعدن الصلب والحركات الصارمة. لكن هناك نوع آخر من الروبوتات يتحدى هذا التصور الشائع. إنه الروبوت المرن والقابل للانحناء، الذي يتحرك بشكل أقرب إلى الحياة العضوية منه إلى الآلة. يطلق على هذه الروبوتات اسم الروبوتات اللينة. فبدلا من الفولاذ والغرافيت، تصنع الروبوتات اللينة من مواد مثل السيليكون والمطاط والجل، مما يمنحها نطاقا وأسلوبا من الحركة يكاد يكون مستحيلا بالنسبة للآلة التقليدية. ولأنها تتحرك وتتصرف بشكل فريد، تتمتع الروبوتات اللينة بالعديد من المزايا، مقارنة بنظيراتها ذات الهيكل الفولاذي، بما في ذلك مقاومة أفضل للتصادم وقدرة محسنة على الحركة المعقدة.

فكرة صنع روبوتات بمواد أكثر مرونة، وجدت منذ فترة طويلة. فقد بدأت التطبيقات العملية مع العضلة الصناعية، التي تم تطويرها في عام 1950. تتكون هذه الأجهزة، المعروفة أيضا باسم "عضلات ماكبين الهوائية"، من أنبوب هوائي مرن محمي بشبكة مضفرة. وعلى الرغم من أنها طورت في الأصل لتقويم العظام، فقد تم استخدام العضلة الهوائية في العديد من تصميمات الروبوتات منذ ذلك الحين. وقد ألهمت "عضلة ماكبين" أيضا العديد من التقنيات التي أرست الأساس لمجال الروبوتات اللينة الحديث.

هناك تنوع لا يصدق في حالات الاستخدام المحتملة للروبوتات اللينة، ويتم استكشاف تطبيقات جديدة باستمرار


لم يحدث التطور الرئيس اللاحق في الروبوتات اللينة حتى أواخر القرن العشرين. ففي عام 1990، نشرت دراسة بعنوان "دراسة حول قوى الاتصال للأصابع اللينة"، وهي تحليل لتشوه سطح الإصبع والاحتكاك والتلاعب للروبوتات. وبعد عام واحد فقط، شهدنا تطوير أول مشغل صغير مرن من مطاط السيليكون.

روبوتات مستوحاة من الطبيعة

في السنوات التي تلت ذلك، ظهرت مجموعة كبيرة من التقنيات والابتكارات الجديدة، بما في ذلك أذرع آلية مصممة على غرار المجسات وجذوع الفيلة، وعضلات صناعية مكونة من بوليمرات ذات تأثير كهربائي إجهادي، ومشغلات مائية.

ومنذ ذلك الحين، استمر تطوير الروبوتات والمواد المستوحاة من الطبيعة في التطور. ففي عام 2016، على سبيل المثل، أعلنت جامعة هارفارد "الأوكتوبوت"، وهو أول روبوت لين مستقل حقا. وفي الآونة الأخيرة، طورت جامعة كورنيل روبوتا لينا قادرا على استشعار الأضرار وعلاجها ذاتيا.

هناك تنوع لا يصدق في حالات الاستخدام المحتملة للروبوتات اللينة، ويتم استكشاف تطبيقات جديدة باستمرار. ونظرا لأن عضلة ماكبين الاصطناعية طورت في البداية لأغراض طبية، فمن المناسب أن تكون الروبوتات اللينة مفيدة بشكل خاص في مجال الرعاية الصحية.

يمكن بسهولة تطبيق مرونة وقابلية الروبوتات اللينة لتطوير أطراف اصطناعية معقدة. وبفضل الجلد الاصطناعي الذي طوره مهندسو جامعة ستانفورد في عام 2015، يمكن هذه الأطراف الاصطناعية من الجيل التالي أن تحاكي قدرة الطرف العضوي على استشعار اللمس. ونظرا لأن الروبوتات اللينة قادرة بالفعل على الإصلاح الذاتي والنمو المستقل، فقد نشهد في النهاية تطوير أطراف اصطناعية تُشفى وتنمو مع من يرتدونها.

كما يمكن أيضا تطبيق تصاميم الروبوتات اللينة لدعم الألبسة للمرضى ذوي الحركة المحدودة، وكتكنولوجيا إعادة تأهيل بدني يمكن ارتداؤها ويمكن استخدامها لاستبدال أو إعادة بناء أجزاء داخلية تالفة أو مفقودة من الجسم مثل الأعضاء والعضلات، أو استخدام الأعضاء الاصطناعية للتدريب الطبي، مما يسمح للجراحين وغيرهم من الأطباء بالتدرب على محاكاة أكثر واقعية.

وبعيدا من الأطراف الاصطناعية وإعادة التأهيل، يمكن الأطباء الجمع بين الروبوتات اللينة والذكاء الاصطناعي لتنفيذ إجراءات تشخيصية وجراحية متطورة للغاية وبأقل تدخل جراحي.

تصنع الروبوتات اللينة عادة من مواد مرنة كالسوائل أو الجل، وتصمم خصائصها الميكانيكية لتتلاءم مع البيئة المحيطة عبر عملية تُعرف بالمطابقة المرنة


يمكن أيضا استخدام الروبوتات اللينة لتوصيل الأدوية، حيث تقوم الأجهزة القائمة على الجيلاتين بتوصيل الدواء إلى مناطق معينة من الجسم. إن إمكانات هذه التكنولوجيا تتجاوز بكثير توصيل الأدوية. يمكن الروبوتات الطبية اللينة الأكثر تطورا علاج الأمراض. ففي عام 2023، على سبيل المثل، طور باحثون في جامعة ليدز روبوتا قادرا على دخول الرئتين للكشف المبكر عن سرطان الرئة والتدخل فيه. كما يمكن مقدمي الرعاية الصحية نشر روبوتات لينة شبيهة بالبشر كمساعدين للمرضى وكبار السن ذوي الحركة المحدودة.

تكنولوجيا الروبوتات اللينة واعدة بالقدر نفسه خارج مجال الرعاية الصحية. بالنسبة للمستجيبين الأوائل والعاملين في الصناعة، يمكن الهياكل الخارجية اللينة أن توفر قوة وحماية إضافية. وقد تثبت الروبوتات اللينة أيضا أنها لا تقدر بثمن في سيناريوهات البحث والإنقاذ، لأنها يمكن أن تصل إلى استكشاف مساحات صغيرة جدا أو على أعماق كبيرة على نحو لا يستطيع البشر الوصول إليه... مثل الروبوت - السمكة الجديد.

التلدين لتقليل التصلب

تصنع الروبوتات اللينة عادة من مواد مرنة كالسوائل أو الجل، وتصمم خصائصها الميكانيكية لتتلاءم مع البيئة المحيطة عبر عملية تُعرف بـ"المطابقة المرنة"، مما يضمن توزيعا متساويا للحمل ويقلل الإجهاد. أما بالنسبة للحركة، فتعتمد هذه الروبوتات على أنظمة تشغيل متنوعة مثل المشغلات الهوائية التي تستخدم الهواء المضغوط، والهيدروليكية التي تعتمد على السوائل، والمستجيبة للحرارة (سبائك الذاكرة الشكلية) التي تتغير مع الحرارة، والكهروفعالة التي تحركها البوليمرات، والمغناطيسية التي تستجيب للمجال المغناطيسي، بالإضافة إلى المشغلات المستجيبة للضوء، والانفجارية التي تعتمد على انفجارات محتواة لتوليد الطاقة.

وتبرز الأنظمة الكهروهيدروليكية اللينة تحديدا كأحد الحلول الواعدة لتشغيل الروبوتات المصممة للعمل في أعماق البحار، إذ توفر مرونة عالية وقدرة على توليد أنماط دفع متنوعة دون الحاجة إلى مضخات خارجية. لكن هذه الروبوتات تواجه تحديا أساسيا يتمثل في تصلب المواد اللينة عند التعرض لدرجات الحرارة المنخفضة والضغوط الهائلة في الأعماق، وهو ما يقوض الفكرة الجوهرية وراء "اللين" ويضعف كفاءة الحركة والتشغيل.

للتغلب على هذه العقبة، لجأ الباحثون إلى تقنية التلدين، وهي أسلوب معروف في علم المواد يهدف إلى تقليل تصلب البوليمرات عبر إدخال جزيئات ملدنة بين السلاسل البوليمرية، مما يعزز قابليتها للحركة ويبقيها مرنة حتى في بيئات قاسية.

استلهم الباحثون تصميمهم من الأسماك، فطوروا روبوتا على شكل سمكة مزودا أزواجا من وحدات كهروهيدروليكية تعمل كعضلات وهيكل سيليكون مرن كهيكل عظمي

الجديد في هذه الدراسة أن الفريق البحثي دمج ملدنا عازلا داخل النظام الكهروهيدروليكي نفسه، ليؤدي دورا مزدوجا، أولا كسائل كهروهيدروليكي ينقل القوى ويولّد الحركة، وثانيا كعامل يحافظ على مرونة الغلاف البوليمري. هذه المقاربة سمحت للروبوت بالاحتفاظ بقدراته التشغيلية حتى عند التعرض لضغوط تعادل 110 ميغا باسكال ودرجات حرارة لا تتجاوز درجتين مئويتين، أي ظروف مماثلة لتلك الموجودة في قاع خندق ماريانا.

Zhejiang University
منظر علوي لروبوت فريق البحث الشبيه بالسمكة والمُخصص لاستكشاف أعماق البحار

لزيادة كفاءة التصميم، استغل الباحثون مياه البحر المحيطة كأقطاب كهربائية متبدلة، مما ألغى الحاجة إلى عزل الأقطاب بشكل معقد تحت الماء وساهم في استقرار الأداء على المدى الطويل. وقد أثبتت التجارب الميدانية على أعماق تراوحت بين 1360 و4071 مترا أن الروبوت قادر على التنقل في مسارات معقدة، وأداء مناورات متقدمة، وتنظيم ارتفاعه عن القاع بشكل مستقل، مع مقاومة الاضطرابات الكبيرة.

ضغط هائل وبرودة شديدة

وباستخدام ذلك النظام، تمكن فريق من الباحثين من ابتكار سمكة روبوتية لينة مزودة مادة مضافة خاصة يسمح لها بالحفاظ على مرونتها حتى في الظروف القاسية لأعماق المحيطات.

استلهم الباحثون تصميمهم من الأسماك، فطوروا روبوتا على شكل سمكة مزودا أزواجا من وحدات كهروهيدروليكية تعمل كـ"عضلات"، وهيكلا سيليكونا مرنا كـ"هيكل عظمي"، مع زعنفة رفيعة من السيليكون. وتتكون هذه العضلات من غشاءين مرنين من البولي إيثيلين يغلفان سائلا عازلا، بينما يعمل نسيج موصل مغلف بطبقة مقاومة للماء كقطب كهربائي. وعند دمج هذه العضلات مع الهيكل السيليكوني، تصبح الجزء الأساس من نظام الدفع الخاص بالروبوت.

وهذه البيئة، المعروفة بضغطها الهائل ودرجات حرارتها المنخفضة، طالما مثلت تحديا أمام أي جهاز ميكانيكي، إذ أن المواد اللينة المستخدمة في الروبوتات عادة ما تصبح صلبة في مثل هذه الظروف، مما يحد من قدرتها على الحركة. لكن العلماء تغلبوا على هذه العقبة عبر دمج مادة بلاستيكية سائلة منخفضة اللزوجة داخل هيكل الروبوت، لتعمل كملين يقلل قوة الترابط بين سلاسل البوليمر، وبالتالي يمنع تصلب الروبوت حتى على عمق يفوق أربعة آلاف متر تحت سطح البحر.

لم يقتصر دور المادة البلاستيكية المستخدمة في الروبوت على الحفاظ على ليونته تحت الضغط الهائل والبرودة القاسية في أعماق البحر، بل تبيّن أنها تؤدي وظيفة مزدوجة على درجة عالية من الأهمية. فقد اكتشف الباحثون أنها تعمل أيضا كسائل كهروميكانيكي قادر على نقل القوى داخل جسم الروبوت وتحويل الإشارات الكهربائية إلى حركة ميكانيكية.

فعند تطبيق جهد كهربائي على أحد جانبي الروبوت، تندفع المادة السائلة داخل بنيته لتغير توزيع الضغط، مما يدفع جسم الروبوت إلى الانحناء في اتجاه معين. ثم، وبمجرد عكس الجهد، تنعكس حركة السائل في الاتجاه المقابل، لينثني الجسم إلى الناحية الأخرى. هذا التبدل المتكرر بين الانحناء يمينا ويسارا يولد حركة متموجة متواصلة، تحاكي تماما أسلوب السباحة الطبيعي للأسماك.

بدأ الباحثون تقييم أداء الروبوت في حوض مائي داخل المختبر، حيث أظهر استجابة دقيقة عند تزويده فولتية مبرمجة مسبقا، فانتقل بين حالتين من التشغيل أتاحت له تنفيذ حركات متنوعة

ولزيادة الكفاءة وتقليل التعقيد، استغل الباحثون مياه البحر المحيطة بالروبوت باعتبارها أقطابا كهربائية متبدلة. هذا الحل المبتكر سمح للروبوت بالاعتماد على الوسط نفسه لتغذية حركته، مما أدى إلى تبسيط تصميمه، تقليل وزنه، وخفض استهلاك الطاقة، مع الحفاظ على قدرة عالية على المناورة في بيئات بحرية عميقة وصعبة.

يبلغ طول النموذج الأولي للروبوت 32 سنتيمترا ويزن 670 غراما، وقد صمم ليحاكي هيئة الأسماك الطبيعية بفضل ذيله المتموج الذي يمنحه قوة الدفع، وزعنفتين صدريتين لتحقيق التوازن، وزعنفة ظهرية كهرومغناطيسية مزودة مستشعرا بصريا يحدد موقعه بالنسبة إلى قاع البحر.

كما جرى دمج كاميرا مصغرة محمية بطبقات من الراتنج والسيليكون من أجل التصوير والاستكشاف تحت الماء، وهو ما يمنح الروبوت ميزة إضافية في الأبحاث البحرية.

ويعتمد الروبوت على نظام إلكتروني خفيف مدمج يضم وحدة تحكم دقيقة، ومستشعر مسافة بصريا، ومضخم جهد عاليا، وبطارية ليثيوم أيون، جرى تغليفها جميعا داخل القالب السيليكوني لحمايتها من الضغوط الهائلة في الأعماق السحيقة. هذه المنظومة تمنحه القدرة على التقدم عبر حركة الذيل المتموجة، والانعطاف يمينا أو يسارا بتفعيل أحد المشغلات فقط، فيما أظهرت التجارب الميدانية نجاحه في اجتياز مسارات معقدة، وأداء مناورات متعددة، ومواجهة اضطرابات التيارات البحرية على أعماق تجاوزت 4071 مترا.

Zhejiang University
منظر علوي لروبوت فريق البحث الشبيه بالسمكة والمُخصص لاستكشاف أعماق البحار

بدأ الباحثون تقييم أداء الروبوت في حوض مائي داخل المختبر، حيث أظهر استجابة دقيقة عند تزويده فولتية مبرمجة مسبقا، فانتقل بين حالتين من التشغيل أتاحت له تنفيذ حركات متنوعة. استطاع الروبوت السباحة إلى الأمام بسرعة وصلت إلى 5 سنتيمترات في الثانية، والدوران يمينا بزاوية نصف قطرها 28.7 سنتيمترا، ويسارا بزاوية نصف قطرها 35.6 سنتيمترا. وفي ظروف محاكاة للضغط الهيدروستاتيكي الهائل في أعماق البحار وصلت الى نحو 110 ميغاباسكال، حافظ الروبوت على سرعة سباحة بلغت 4.2 سنتيمترات في الثانية، وأكمل مناورات دوران مماثلة بدقة ملحوظة. كما أكد المستشعر البصري المدمج قدرته على التفاعل مع التغيرات المحيطة في بيئته. وبفضل بطارية ليثيوم أيون واحدة، تمكن الروبوت من السباحة المستمرة لمدة ساعتين تقريبا في درجات حرارة قاربت الصفر وضغوط قصوى، مما يعكس قوة تحمله رغم الظروف القاسية.

اختُبر الروبوت ميدانيا على عمق 3176 مترا في بحر الصين الجنوبي، حيث أظهر قدرة على السباحة بحرية وتنفيذ مسارات متعددة دون قيود. نُشر الروبوت بالقرب من قاع البحر عبر مركبة موجهة عن بعد، وزود بطارية داخلية ومضخم فولتية عاليا. وقد مكنه المستشعر البصري من رصد التغيرات في قاع البحر غير المستوي وضبط ارتفاعه باستمرار حتى في المياه العكرة. خلال الاختبار الميداني، نفذ الروبوت مجموعة من المناورات شملت السباحة إلى الأمام، والانعطافات، والحركة على شكل S، بل وأظهر قدرته على العودة في الاتجاه المعاكس إلى نقطة البداية، وهي خاصية أساسية في المهمات الاستكشافية العملية. كما نجح في المناورة داخل تيارات مضطربة، محافظا على سرعات تراوحت بين 3.1 و6.2 سنتيمترات في الثانية، مما أبرز مرونته وقدرته على التكيف مع ظروف غير متوقعة.

تتجاوز أهمية هذا الابتكار الإبداع الهندسي، إذ يمثل نقلة نوعية في استكشاف أعماق البحار

للتأكد من متانة الروبوت وقدرته على العمل الطويل الأمد، جرى نشره في أعماق متفاوتة وصلت إلى 4071 مترا. في هذه الاختبارات، أثبت الروبوت أنه قادر على السباحة بسرعة وصلت إلى 7.2 سنتيمترات في الثانية مع تنفيذ دورانات سلسة وحركات دائرية حتى وسط الاضطرابات المائية. وقد استمر في العمل لمدة ساعة ونصف ساعة متواصلة، ما يؤكد إمكاناته في المهام البحرية الطويلة. كما استطاع الروبوت التنقل في النظم البيئية الحساسة في عمق ١٣٦٩ مترا، من دون إحداث اضطراب بيئي يذكر، الأمر الذي يجعله أداة مثالية للبحوث الميدانية الدقيقة، مثل مراقبة الكائنات البحرية عن قرب مع الحفاظ على بيئتها الطبيعية. ويعكس هذا الابتكار آفاقا جديدة في استكشاف المحيطات بطرق أكثر لطفا وكفاءة من الأدوات التقليدية.

وتتجاوز أهمية هذا الابتكار الإبداع الهندسي، إذ يمثل نقلة نوعية في استكشاف أعماق البحار، فالروبوتات الصلبة التقليدية غالبا ما تكون ضخمة ومحدودة الحركة في البيئة المائية، بينما تمنح الروبوتات اللينة قدرة أكبر على التكيف مع التيارات وضغوط المياه. وإذا تمكن الباحثون من تطوير هذه التقنية بشكل أكبر، فقد تستخدم في مهام حساسة مثل دراسة النظم البيئية الهشة في أعماق المحيطات، ومراقبة الكائنات البحرية النادرة، وحتى تنفيذ عمليات بحث وإنقاذ أو إصلاح للبنية التحتية البحرية.

font change

مقالات ذات صلة