في قلب مدينة برشلونة، حيث تتعانق الأزقة القديمة مع البحر، وتتصاعد من الحانات والمكتبات أصداء الشعر والموسيقى، يبرز صوت شعري فريد، يشبه نغمة لا تشبه سواها. إنه صوت جوزيب بيدرالس، واحد من أبرز شعراء إسبانيا وكتالونيا المعاصرين، شاعر لا يكتفي بأن يكتب القصيدة، بل يعيشها، ويؤديها، ويتنفسها على خشبة المسرح وأمام جمهور يشهد ولادتها الحية كل مرة.
ولد بيدرالس عام 1979، ونشأ في بيئة ثقافية غنية، جعلته يتقاطع منذ شبابه مع عوالم الشعر والمسرح والموسيقى، ليؤسس مسيرته الشعرية على تفاعل حي بين الكلمة والصوت والجسد. فهو لا يكتب فقط، بل يلقي شعره بأسلوب مسرحي، يرتجل، ويحول اللغة إلى تجربة حسية كاملة. في قصائده تمتزج اللغة الفصيحة بالألعاب اللفظية، ويتداخل الإيقاع مع المعنى، ليخلق عالما شعريا يتجاوز الشكل التقليدي للقصيدة.
بين الفكاهة والفلسفة، التقاليد والتجريب، والنص والصوت، يقف بيدرالس ليذكرنا بأن الشعر ليس فقط ما يكتب، بل ما يقال ويسمع ويحس. هنا حوار "المجلة" معه.
كيف اكتشفت شغفك بالشعر؟
في صغري، كنت أرى والدي، وهو قارئ نهم للفلسفة، يقرأ بتأن ثم يتوقف طويلا للتفكر في ما كان يقرأ. وبحكم التقليد، بدأت أفعل الشيء نفسه، أتوقف لأتأمل في ما أقرأ. لكن قراءاتي حينها لم تكن تسمح بالكثير من التأمل، لذا كانت تأملاتي تنتهي عند حدود الشكل والأسلوب، أدور حول اللغة والصياغة. من هنا، ومن خلال التفكير في الشكل، والتأمل في التقنية والأساليب المستخدمة، وملاحظة الإيقاع والتوقفات، وقوة الصور الشعرية في منح الفن حضورا حقيقيا، وتحليل القدرة التعبيرية التي تجعل الواقع عميقا ودقيقا، نشأ لدي الشغف بالشعر.
تأثيرات
من هم أول المؤثرين في مسيرتك الأدبية أو الفنية؟
نشأت في منزل كان بمثابة مكتبة ضخمة، تصطف على جدرانه رفوف ممتلئة بالكتب. اقتنى والدي مجموعة هائلة ومتنوعة، أما أنا فكنت مثل سمكة تسبح في الماء، أستكشف أسرار الرفوف الخفية وأعثر على جواهر غير متوقعة. كنت محظوظا بالذهاب إلى مدرسة تقدر الأدب والفن. حفظت القصائد منذ نعومة أظفاري عن ظهر قلب في المدرسة وفي المنزل، وبعدها درست خباياها.