تقف مدينة البصرة العراقية اليوم على حافة الانفجار بسبب أزمة المياه الخانقة التي حرمت آلاف الأسر من مياه الشرب، ودفعت سكان القرى إلى النزوح نحو مركز المدينة، واقع يضع المحافظة في قلب عاصفة اجتماعية وسياسية متصاعدة، حيث تتحول معاناة الناس إلى وقود لصراعات الأحزاب الساعية إلى تثبيت نفوذها بأي ثمن.
تُعد محافظة البصرة نقطة التقاء نهري دجلة والفرات مع نهر الكارون القادم من إيران، حيث تتجمع هذه الموارد المائية لتكوّن شط العرب الذي يشكّل الشريان الحيوي للمحافظة، ويُعد شط العرب المصدر الرئيس للمياه العذبة التي يعتمد عليها السكان في الاستهلاك المنزلي، كما يُمثل الركيزة الأساسية للأنشطة الزراعية التي طالما كانت جزءا من هوية البصرة واقتصادها.
تعود أزمة المياه في البصرة إلى جملة من العوامل المتشابكة، منها قيام تركيا بتقليص حصص العراق من المياه من 400 متر مكعب في الثانية إلى 200 متر مكعب، بسبب بناء السدود. وقيام إيران بتحويل مجرى نهري الكارون والكرخة وروافد الزاب الأعلى والأسفل، إلى داخل إيران، وعدم وصوله للعراق، وكذلك إيقاف نهر الفرات من الصب في شط العرب، من خلال بناء سدود صغيرة جدا في جنوب العراق، بالإضافة إلى تأثيرات التغير المناخي التي قللت من معدلات الأمطار وزادت من حدة موجات الجفاف، وسوء إدارة ملف المياه وتهالك شبكات الري والسدود، والتجاوز على حصص المياه من قبل المحافظات، وفاقم الأزمة استخدام شركات النفط الأجنبية كميات ضخمة من المياه العذبة تصل إلى 5 مليارات متر مكعب سنوياً لحقنها في آبار الاستخراج، رغم أن مياه الخليج العربي لا تبعد عن الحقول سوى 100 كيلومتر.