زاك كريغير يعود بعمل جديد لا يستهدف حصرا جمهور أفلام الرعب

"ساعة التلاشي" يجمع بين القلق والترقب والغموض البوليسي

New Line Cinema
New Line Cinema
مشهد من الفيلم

زاك كريغير يعود بعمل جديد لا يستهدف حصرا جمهور أفلام الرعب

يعود المخرج الأميركي زاك كريغير، في جديده Weapons، الذي ترجم لدى عرضه في صالات السينما العربية إلى "ساعة التلاشي"، بتجربة رعب مختلفة بعد فيلمه السابق "البربري" Barbarian الذي اعتبر من مفاجآت عام 2022 بميزانية لم تتعد 5 ملايين دولار أميركي.

يتمحور الفيلم الجديد، وهو من بطولة جوليا غارنر وجوش برولين وآلدن إيرنرايك وبينديكت وونغ وأوستن آيبرامز، حول قضية اختفاء 17 طالبا في الصف الثالث وبقاء طالب واحد. خرج هؤلاء الطلاب من بيوتهم في الوقت نفسه، الساعة 2:17 صباحا دون أن يعثر على أثر لهم أو سبب لهذا الخروج الجماعي. تحقق الشرطة في الموضوع ملفهم سبب خروجهم في هذا الوقت، وإن كان بناء على اتفاق مسبق بين الأطفال، إنما دون طائل، ويتعايش الأهل في البلدة الخيالية الصغيرة، مايبروك، مع هذه الحادثة ويوجهون غضبهم تجاه مدرسة الفصل جستين (جوليا غارنر)، لأنها إن لم تكن مسؤولة عن حادثة الاختفاء، فهي مهملة لأنها لم تلاحظ أي تغير في سلوك طلابها.

بعد فيلم "البربري"، تبين أن كريغير قادر على تقديم فيلم رعب مغاير لجميع التوقعات، ولا يسلك الطرق التي تسلكها أفلام الرعب في الوقت الحالي، وهو يمتلك شغفا واضحا تجاه هذا النوع من الأفلام يجعله مدركا أن الرعب لا يكون في مشاهد لحظية (تسمى بالـ Jump-scares) ولكن في خلق جو شبه كابوسي مليء بالقلق والترقب.

يتحول الهدوء المصاحب للبلدة الصغيرة في الضواحي إلى سكون قاتل من شأنه تضخيم الشك والارتياب خصوصا أثناء ظلمة الليل. وما يمكن اعتباره بيئة عائلية مثالية وآمنة، يتحول إلى كابوس مفعم بلحظات القلق والخوف من كل الزوايا المظلمة في منزل مألوف.

قطع الأحجية

في الظاهر، قد تكون الحبكة مباشرة ويمكن حلها بسهولة، لكن كريغير قرر أن يسلك طريقا مشابها لفيلمه السابق، وهو رواية الأحداث من منظور أكثر من شخصية، كطريقة فعالة لجذب انتباه المشاهدين، لا سيما أن الفيلم يركز على حدث محوري، وهو في هذه الحالة اختفاء الأطفال الغامض. ينتقل الفيلم بين شخصياته التي لدى كل منها قطعة من الأحجية الكاملة دون أن تدرك ذلك، والمميز هنا هو أن كل خط سير أحداث لا يبدو بالضرورة متعلقا برحلة البحث عن الأطفال، بعض الشخصيات ليس لديها أدنى اهتمام بحادثة الاختفاء، لكن الظروف قادتهم إلى التعثر بخفايا هذه القضية.

قرر كريغير أن يسلك طريقا مشابها لفيلمه السابق وهو رواية الأحداث من منظور أكثر من شخصية، كطريقة فعالة لجذب انتباه المشاهدين

بالتالي، لا نشعر إطلاقا بلحظة ملل أو بطء. كل الزوايا السردية التي تعرض عن طريق الشخصيات، حتى الجانبية منها، مثيرة للاهتمام، بل حتى حينما ابتعد الفيلم بالكامل عن حادثة الاختفاء واكتفى بتتبع شرطي ومشرد مدمن مخدرات، فقد قدم بعض أمتع لحظات الفيلم بسبب الطابع الكوميدي المفاجئ الذي اكتسبه الفيلم بعد أجواء مشحونة في الساعة الأولى، وكذلك من الممتع اسكتشاف كيفية ارتباط مصير هاتين الشخصيتين العشوائيتين مع الحبكة الرئيسة.

ولعل من بين النقاط السلبية التي يثيرها هذا التنقل بين الشخصيات، هو عدم التعمق فيها أكثر، فهي ليست شخصيات سطحية إلى درجة عدم الاهتمام بقصتها، لكن التفاوت في درجات التعمق فيها يعطي الانطباع بأن بعض هذه الشخصيات لم تطور بالشكل الكافي. فعلى سبيل المثل، إحدى أكثر الشخصيات تعقيدا التي استطاع الفيلم تقديمها، هي شخصية الشرطي بول (آلدن إيرنرايك)، فهذا الرجل الذي يبدو متزنا ومنضبطا وسويا في البداية، يضع عائلته ووظيفته قبل أي اعتبار آخر، يبدأ بخسارة نفسه ورباطة جأشه بشكل متسارع في كل مرة يواجه عقبة جديدة تهدد رتابة حياته والإطار المثالي الذي وضعه لنفسه. في الناحية الأخرى لدينا شخصية أهم تتمثل في آرتشر (جوش برولين) والد أحد الأطفال المفقودين، لكن الفيلم يكتفي بتقديم دراسة سطحية لشخصية أب يعاني من صدمة فقد ولده الوحيد ويستنزف كامل طاقته في محاولة إيجاده أو معاقبة المتسببين باختفائه.

Warner Bros
مشهد من الفيلم

توازن

يوازن الفيلم بين عناصر الغموض والرعب بامتياز، وهنا تبرز مهارة كريغير في إغراق السرد بأجواء كثيفة من الرعب ومن ثم قضاء وقت في تحويل الفيلم إلى فيلم غموض بوليسي منفصل يجعل حتى الشخصيات تنسى لوهلة غرابة ما تواجهه من أحداث وتحاول تفسير الأمور وإيجاد حلول طبيعية لمشاكل ليست من هذا العالم. وكان في مقدور الفيلم منح مساحة أكبر لعنصر التحقيقات والغموض، لأنه بمجرد انكشاف الغطاء عن أكبر ألغاز القصة، يفقد الفيلم عنصر المجهول الذي اعتمد عليه في تأسيس هويته كفيلم رعب.

مع ذلك، ينجح الفيلم في الثلث الأخير في ربط الأحداث واعتناق ثيمة الرعب الكلاسيكية الدموية بالكامل ومنح العديد من المشاهد جرعات كوميدية مفاجئة تسلط الضوء على سخافة بعض المواقف وهزليتها. هذا النجاح يرتبط بعناصر عدة منها التصميم الصوتي والساوندتراك اللذان أصبحا جزءا لا يتجزأ من هوية كريغير كصانع أفلام رعب، بالإضافة إلى عمل قسم المكياج والأزياء في تحويل الممثلين إلى نسخ مخيفة وغير سوية ودموية قادرة على جعل الجمهور في وضع غير مريح حتى لو كانت المشاهد في وضح النهار.

إحساس مستمر بالتهديد ينبع من الخوف الذي يكمن في مخيلة كل شخص دون الحاجة إلى توفير إجابات جاهزة

يأتي أفضل أداءات الفيلم من آلدن إيرنرايك وإيمي ماديغان، التي تظهر في النصف الثاني من الفيلم وتسرق الأجواء بالكامل، وقد استطاعت التحكم بنبرة كل مشهد تظهر فيه ما بين لطافة ولباقة مشؤومة لا يمكن الثقة بها، وبين شر خالص لا يبرر أفعاله ولا يشرح دوافعه. جزئيا، استطاعت ماديغان إنقاذ الجزء الأخير من الفيلم بعد انكشاف الحبكة، لأن ما ذكرناه حول التصميم الصوتي والساوندتراك والمكياج، ليس كافيا لحمل ثيمة الفيلم حتى النهاية، فبرزت الحاجة إلى مصدر كامن للرعب يمكن إسناد كل هذه العناصر إليه.

Warner Bros
مشهد من الفيلم

في غضون ثلاث سنوات استطاع زاك كريغير تحويل مسيرته وإعادة تعريفها إلى صانع أفلام ذكي استطاع إيجاد توافق رهيب بين بناء أجواء مثالية لأفلامه، ومخالفة توقعات المشاهدين في كل مرة، وإضافة جرعة رائعة من الغموض كفيلة بجذب المشاهدين الذين لا يفضلون أفلام الرعب، هذا فضلا عن الاهتمام بعنصري الصوت والساوندتراك تأكيدا لأهمية شمل حاسة السمع في تجربة سينما الرعب.

بالنسبة إلى هذا النوع السينمائي الذي يعاني كثيرا من التجارب المتبذلة التي تركز على الصدمات اللحظية وصراخ الممثلين، فإن كريغير يبدو في توجهه الجديد ساعيا إلى إنقاذ هذا النوع، والتشديد على كونه قابلا للاستهلاك من الجمهور العام، وليس حصرا من محبي أفلام الرعب، خصوصا حينما ينجح في دمج عناصر الغموض والميثولوجيا والكوميديا في قالب واحد ممتع وبعيد عن الملل.

ينجز كريغير ذلك كله، وهو يدرك تماما أن الرعب الحقيقي يكمن في المجهول والظلمة القاتمة ولحظات الترقب المليئة بالصمت الساحق. إحساس مستمر بالتهديد ينبع من الخوف الذي يكمن في مخيلة كل شخص دون الحاجة إلى توفير إجابات جاهزة تخبر المشاهدين بما عليهم أن يخافوا منه.

font change

مقالات ذات صلة