سيلفي برمان لـ"المجلة": بين موسكو وبكين أكثر من شراكة وأقل من تحالف

العلاقة بين التنين الصيني والدب الروسي بعيون دبلوماسية فرنسية

أ ف ب
أ ف ب
الدبلوماسية الفرنسية السابقة سيلفي برمان خلال جلسة تصوير في باريس، 26 أغسطس 2024

سيلفي برمان لـ"المجلة": بين موسكو وبكين أكثر من شراكة وأقل من تحالف

باريس- تعرّفت الدبلوماسية الفرنسية سيلفي برمان على الصين باكرا عندما كانت بعدُ طالبة خلال نهايات الثورة الثقافية بين عامي 1976-1977، قبل أن تعود إليها لاحقاً بعد عقدين سفيرة لبلدها فرنسا بين عامي 2011–2014، ثم عينت لاحقا سفيرة في موسكو بين 2017 و2019. وبينهما شغلت منصب سفيرة فرنسا في لندن بين عامي 2014-2017. فهي إذن عرفت الصين بين حقبتين مختلفين شهدت متغيرات كبيرة. كما أن تعيينها سفيرة في موسكو بين عامي 2017 و2019 أي في مرحلة صعود التوتر بين روسيا والغرب مقابل تعزيز أواصر الشراكة بين موسكو وبكين، جعلها قريبة جدا من ديناميكيات الصراع الروسي الغربي، كما جعلها من جهة أخرى على مسافة صفر من ديناميكيات الشراكة الروسية-الصينية.

تجربتها الغنية تلك لخصتها في كتابها الأخير بعنوان "الدبّ والتنين: روسيا–الصين.. تاريخ صداقة بلا حدود؟"، والذي تُقدّم فيه رؤية شاملة لمسار العلاقة بين بكين وموسكو، بين فترات التقارب البرغماتي ومحطات المواجهة الاستراتيجية، والنزاعات الحدودية في القرن التاسع عشر، والانقسامات الأيديولوجية في القرن العشرين، وصولا إلى مرحلة الشراكة اليوم، بوجه عدو مشترك: الغرب.

"المجلة" التقت السفيرة سيلفي برمان، التي تشغل حاليا منصب رئيسة مجلس إدارة المعهد العالي للدراسات الدفاعية الوطنية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية، للحديث عن العلاقات الروسية-الصينية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

وها هنا نص الحوار:

* لقد صدر كتابكم الأخير بعنوان: "الدبّ والتنين: روسيا – الصين.. تاريخ صداقة بلا حدود؟"، انطلاقا من تجربتكم الدبلوماسية ومضمون كتابكم، هل تعتبر الصين وروسيا بعضهما البعض حليفتين أم شريكتين؟ وكيف يمكن تناول هذا السؤال من منظور تاريخ العلاقة بينهما؟

- عندما غادرتُ الصين، نهاية عام 2019، التقيتُ بمدير شؤون آسيا في وزارة الخارجية الروسية- وهو اليوم سفير روسيا في بكين- وقد قال لي إنه بفضل دونالد ترمب لم تكن العلاقات بين البلدين جيدة إلى هذا الحد منذ عهد كاترين الثانية، أي منذ القرن الثامن عشر. وهذا يعني أن هذه الصداقة ليست أمرا بديهيا. أما أنا شخصيا فقد كنت شاهدة على علاقة مضطربة إلى حدّ كبير بين البلدين، إذ كنت طالبة في الصين في نهاية الثورة الثقافية عامي 1976-1977، وكان النزاع لا يزال قائما، وكان الصينيون يعتقدون أن الروس- أو بالأحرى السوفيات آنذاك- سيشنّون هجوما نوويا ضد الصين. كانت العلاقات في غاية السوء. أمّا اليوم فهي جيدة لأن الصين وروسيا لديهما عدوّ مشترك. وهذا العدو المشترك هو الولايات المتحدة. هناك مقولة في الدبلوماسية تقول إن عدوّ عدوي هو صديقي. ولهذا السبب حصل خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية تقارب بين البلدين. لكنه ليس تحالفا، لأن الصين لا تريد الدخول في تحالفات. لقد جرّبت التحالف الصيني–السوفياتي الذي انتهى بإراقة الدماء على ضفاف نهر أوسّوري إثر صدامات عنيفة. ولذلك تعتمد الصين اليوم على دوائر من الأصدقاء أكثر منهم حلفاء.

وللبلدين مصلحة مشتركة: عالمٌ لا تهيمن عليه الولايات المتحدة أو الغرب، ولا تُفرض فيه عليهما قواعد من الخارج. ولهذا حصل هذا التقارب. وهو لم يبدأ مع الحرب في أوكرانيا، بل بدأ بالأحرى في عام 2014، خلال أولمبياد سوتشي، عندما كانت روسيا مهددة بالمقاطعة. وقد قرر شي جين بينغ آنذاك أن يعبّر عن دعمه لها من خلال حضوره العلني والواضح في سوتشي.

هناك درجة من التفاهم العميق بين شي جين بينغ وبوتين. أما على مستوى الشعبين، فالوضع مختلف تماما، فالشعب الصيني لا يحب الروس كثيرا، والروس لا يحبون الصينيين كثيرا

* ما الذي يقرّب بين بكين وموسكو اليوم؟ ربما ذكرتم ذلك، لكن ما هي أهدافهما أو مصالحهما المشتركة الأساسية؟

- إن ما يجمع بينهما هو بالفعل هذا العدوّ المشترك، الولايات المتحدة، إضافة إلى الرغبة في عدم الخضوع لقواعد يفرضها الآخرون، أي الغربيين، وعدم السماح بالتدخل في شؤونهم الداخلية. ولهذا يشجع البلدان بروز ما يُسمّى اليوم "الجنوب العالمي". لقد شهدنا أولا إنشاء مجموعة "بريكس"، ثم توسّعها اليوم لتشمل أعضاء آخرين، وهناك منظمة شنغهاي للتعاون التي تعقد اجتماعات منتظمة. واللافت أن الأمين العام للأمم المتحدة يحضر هذه الاجتماعات، لأن المشاركين يمثلون غالبية سكان العالم. كما ترغب الصين وروسيا في عالم تُخفَّض فيه هيمنة الدولار، لأن هذه الهيمنة هي التي تخوّل الولايات المتحدة فرض عقوبات خارج حدودها على عدد من الدول. ولهذا تجري الصين جزءا متزايدا من مبادلاتها التجارية باليوان، ليس فقط مع روسيا، بل أيضا مع دول أخرى في الجنوب العالمي، مثل البرازيل.

* ما نقاط الخلاف المحتملة بينهما؟ ما الذي قد يبعدهما عن بعضهما أو يضعف شراكتهما؟

- إنها شراكة غير متوازنة بطبيعتها، وغير متناظرة لصالح الصين. ومع ذلك، يجد كل طرف فيها مصلحة واضحة. فقد تمكنت الصين من أن تحلّ محلّ الدول الغربية في استيراد النفط الروسي بعد فرض العقوبات على روسيا. وهناك أيضا بعض الإمدادات الصينية لآلات التصنيع المزوّدة برقاقات يمكن استخدامها، بين أمور أخرى، لدعم الجهد العسكري الروسي. ومع ذلك، لم تؤيد الصين مطلقا لا ضمّ شبه جزيرة القرم ولا غزو أوكرانيا. ولا أعتقد أن بينهما الآن خلافات كبرى محتملة، لأن مسألة الحدود قد سُوِّيت نهائيا عام 2004، مع إعادة آخر جزيرة عام 2008.

أ.ف.ب
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسفيرة سيلفي برمان، ويظهر خلفهما وزير الخارجية سيرجي لافروف، خلال حفل استلام أوراق الاعتماد الدبلوماسية من السفراء الأجانب في الكرملين بموسكو، في 3 أكتوبر 2017

وبما أن روسيا تشعر بأنها مطوّقة من قبل "الناتو" في الغرب- وهذا أحد أسباب الحرب في أوكرانيا- بينما تشعر الصين بدورها بأنها مطوّقة في الشرق بفعل القواعد الأميركية والتحالفات المبرمة مع اليابان والهند وأستراليا، وتحالفَي "كواد" و"أوكوس"، فإن البلدين لديهما مصلحة في التقارب، على الأقل على أعلى مستوى.

فبين شي جين بينغ وبوتين، هناك بالفعل درجة من التفاهم العميق. أما على مستوى الشعبين، فالوضع مختلف تماما، فالشعب الصيني لا يحب الروس كثيرا، والروس لا يحبون الصينيين كثيرا. الروس يعتبرون أنفسهم أوروبيين بعمق- خلافا لما يقوله فلاديمير بوتين اليوم- ويبدون حذرا تجاه الصينيين والشعوب الآسيوية، مع ما يرافق ذلك من أحكام مسبقة. كما يخشون نوعا من الاستغلال لأن الصين أقوى بكثير من روسيا. ومع ذلك، لا أؤمن مطلقا بوجود خطر غزو صيني لسيبيريا، لأن الصينيين لا يرغبون بتاتا في الاستقرار هناك.

ولكن تبقى هذه الريبة المتبادلة؛ فمن جهة الروس، حين يكون الطرف أضعف يشعر بالانزعاج تجاه الطرف الأقوى؛ ومن جهة الصينيين، الشعب الصيني، هناك نوع من الاحتقار لأن روسيا لم تنجح كما نجحت الصين، رغم أن روسيا كانت تمتلك عناصر قوة تفوق ما لدى الصين، من مصانع، وصناعة، وصناعة فضائية، ومهندسين، وعلماء رياضيات من الطراز الأول. لكن روسيا لم تنجح في عملية الانتقال بعد الخروج من الحقبة السوفياتية، في حين أن الصين، التي انطلقت من لا شيء تقريبا- وقد أغلقت جامعاتها عشرة أعوام- أصبحت في نهاية المطاف ثاني أقوى اقتصاد في العالم، أو الأول وفقا لقياسات القوة الشرائية، كما أصبحت الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي.

باختصار، هناك هذه الريبة الشعبية، لكنّ القيادتين لديهما مصلحة مشتركة في التقارب، وهما لن تفتحا جبهة صراع بينهما طالما أنهما تواجهان منافسة- بل وحتى حربا، في حالة روسيا- في جبهات أخرى.

بوتين لا يهتم بالمسائل الاقتصادية، بل بقضايا الأمن. وهو يعتبر أن انضمام أوكرانيا إلى "الناتو" سيكون تهديدا مباشرا، وأن "الناتو" ذاته يشكّل تهديدا لروسيا

* إلى أي حدّ أصبحت روسيا تعتمد اقتصاديا على الصين؟

- نعم، هناك اعتماد قائم حاليا، لأن روسيا خاضعة للعقوبات، ولأن اقتصادها اقتصاد ريعي يعتمد في معظم صادراته على الغاز والنفط والموارد الطبيعية، بينما الصين لا تملك موارد طبيعية تذكر باستثناء المعادن النادرة. ولهذا نشهد شكلا من أشكال التبعية الاقتصادية، ولكن من دون أن يصل ذلك إلى درجة التبعية السياسية، كما أنه لا يمسّ خيارات روسيا الاستراتيجية.

فقد قيل كثيرا إن كل ما يلزم هو أن يطلب شي جين بينغ من بوتين وقف الحرب، ليحصل ذلك، لكن هذا غير صحيح إطلاقا. لبوتين مصالحه الخاصة. صحيح أنه قد يستمع إلى الصين بدرجة معينة، لكن الصين لا تستطيع أن تملي عليه مواقفه.

* هل تؤثر هذه التبعية، برأيكم، في دينامية العلاقة الثنائية؟

- لا، ليس في الجانب الاقتصادي. فعندما تكون هناك مفاوضات أو عقود، لا تقدّم الصين أي تنازلات: الأسعار تُحدَّد وفق مصالحها لأنها في موقع قوة. أما سياسيا، فكل طرف يتصرف بحرية تامة في محيطه الإقليمي. وأعتقد- مع أنني لا أعلم إن كانت الصين ستتدخل يوما في تايوان أم لا- أنه في حال أقدمت على ذلك، فإنها ستعتمد على دعم روسيا، كنوع من "رد الجميل" على موقف بكين من أزمة أوكرانيا.

أ.ف.ب
عضو البرلمان الفرنسي وزعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري، جان لوك ميلينشون، وسفيرة فرنسا لدى روسيا سيلفي برمان يشاركان في مراسم وضع إكليل من الزهور على نصب تذكاري في موسكو، 8 مايو 2018.

* سنتحدث قليلا عن أوكرانيا. من الواضح أن الرئيس ترمب يسعى إلى التقرب من روسيا في الملف الأوكراني وتعزيز الشراكات الاقتصادية معها، خصوصا في مجال المعادن النادرة، ولتجنّب توجهها الكامل نحو بكين. هل تبدو لك مثل هذه الاستراتيجية واقعية؟

- لا أعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على فصل روسيا عن الصين، لأنه حتى لو كان ترمب منحازا إلى بوتين، فإن ذلك لن  يغيّر حقيقة أن الرئيس الروسي يفكر على المدى الطويل، وهو يعلم تماما أن الولايات المتحدة، سواء كانت بقيادة الديمقراطيين أو الجمهوريين، ستستمر في اعتبار روسيا دولة معادية. لذلك فإمكانية فصل روسيا عن الصين تبدو ضعيفة جدا. وما يثير انتباهي أيضا هو أن ترمب، الذي يقول كل ما يخطر بباله، لم يصرّح يوما بأنه يريد فصل روسيا عن الصين. صحيح أنه قدّم بالفعل مقترحات للشراكة مع روسيا، بما في ذلك في مجال المعادن النادرة وفي القطب الشمالي، حيث كانت الصين حاضرة بقوة أيضا. وقد تُسهم تلك المقترحات في عرقلة بعض المشاريع الصينية في المنطقة القطبية. لكنّي أعتقد- وقد كنت في موسكو خلال الولاية الأولى لترمب- أن ترمب كان مأخوذا بشخصية بوتين.

فقد أعلن ترمب منذ البداية أنه لن يدخل أبدا في حرب، وأنه يريد إنهاء الحروب القائمة، وظنّ أن الأمر بسيط. ومستندا إلى فنّ عقد الصفقات، رأى أنه يمكنه الضغط على الطرف الأضعف، وهو الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، ثم تقديم عرضٍ سخي لبوتين: شراكة اقتصادية، رفع العقوبات- لأن الاقتصاد الروسي يواجه صعوبات- إضافة إلى إعادة تأهيل دوليّة. وكان ترمب يعتقد أن بوتين سيوافق فورا. لكن المفاجأة كانت أن بوتين لم يقبل.

فبوتين لا يهتم أولا بالمسائل الاقتصادية، بل بقضايا الأمن. وهو يعتبر أن انضمام أوكرانيا إلى "الناتو" سيكون تهديدا مباشرا، وأن "الناتو" ذاته يشكّل تهديدا لروسيا. ولهذا لم تنجح مساعي ترمب. لكني أعتقد أن فكرة الشراكة الكبرى مع روسيا لا تزال تراوده. وكما تعلمون، يجري النقاش حول ذلك اليوم. ومع ذلك، لا أعتقد أنها ستنجح، على الأقل ليس في الوقت الراهن.

إذن هدف ترمب هو إقامة شراكة ضخمة مع روسيا، باعتبارها غنية جدا بالموارد الطبيعية. وقبل الحرب، كان الأميركيون بالفعل موجودين بقوة في روسيا، فقد كانوا حاضرين في سخالين، حيث كانت شركة "إكسون موبيل" نشطة جدّا، وكذلك في سيبيريا، في وادي التيتانيوم حيث كانت لهم شراكات مع "بوينغ". وبالتالي كان الأميركيون حاضرين في روسيا قبل الحرب، ولديهم نية واضحة للعودة للاستثمار في روسيا.

هناك حضور سياسي وتأثير قوي لروسيا في آسيا الوسطى، كونها كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي سابقا. ربما لن يستمر هذا طويلا، لكن الصين لديها موارد مالية أكبر، لذلك هي أكثر حضورا اقتصاديا

* هل يمكن لأوروبا أن تسلك مسارا معاكسا بالاقتراب من الصين لممارسة ضغط معيّن على موسكو؟

- هذا أمر صعب جدا على الأوروبيين حاليا، لأننا نشهد نوعا من عودة الإمبراطوريات، وقانون الأقوى، وهيمنة "الذكور الأقوياء". أوروبا، بالمقابل، قائمة على المعاهدات، والقانون الدولي، والتسويات، والتفاوض. المشكلة هي أنه إذا كان دونالد ترمب، الذي يعتبر الصين العدو الرئيس يسعى للمواجهة معها وطلب دعم الأوروبيين، فسيكون ذلك صعبا للغاية عليهم. فهم سيجدون أنفسهم في موقف حرج، إذ يجب أن يوازنوا بين عدم الدخول في حرب مع الصين ودعم الولايات المتحدة، وهو موقف دقيق جدا. من جانب آخر، قد يكون في مصلحة الأوروبيين، خصوصا إذا كانت هناك عقوبات أميركية خارج الحدود وتعريفات جمركية تعسفية مفروضة عليهم، أن يسعوا لتطوير شراكات مع الصين في بعض المجالات لتحقيق التوازن.

* هل استفادت الصين من الحرب في أوكرانيا برأيكم؟

- ربما اشترت الصين النفط والغاز بأسعار أرخص بعد الحرب، وفي الوقت نفسه هذه الحرب ساهمت في تعزيز الجنوب العالمي. ومع ذلك، الصين نفسها متأثرة بالعقوبات الأميركية، لأن بعض الشركات يُشتبه في تعاملها مع الروس في مجالات تدعم القدرات العسكرية الروسية. لكن بشكل عام، ما يهم الصين هو التنمية الاقتصادية. فهي دولة غنية جدا، لكن لا يزال هناك فقر في بعض المناطق. لذا لا أعتقد أن الصين استفادت فعليا من هذه الحرب.

أ.ف.ب
وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون يتحدث مع السفيرة الفرنسية لدى بريطانيا، سيلفي برمان، أثناء حضوره حفل استقبال في مقر إقامة السفير الفرنسي غرب لندن، في 14 يوليو 2016

* حتى على المستوى السياسي، لتعزيز التحالف…؟

- التحالف؟ لا، فهو كان صلبا بالفعل من قبل. صحيح أنه تعزز أكثر بعد الحرب، لكنه تحالف طويل الأمد. وغالبا تُتهم الصين بأنها في معسكر روسيا نفسه، ويُسمّى أحيانا "محور الشر" عند التفكير بالخير والشر، وأعتقد أن هذا مصدر أزعاج للصين.

* العلاقة الصينية–الروسية في آسيا الوسطى، هل هي حقا تكاملية؟ موسكو تتولى الأمن وبكين الاقتصاد، هل هذه المعادلة صحيحة؟

- نعم، هذه هي المعادلة، لأن هناك حضورا سياسيا وتأثيرا قويا لروسيا في آسيا الوسطى، كونها كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي سابقا. ربما لن يستمر هذا طويلا، لكن الصين لديها موارد مالية أكبر، لذلك هي أكثر حضورا اقتصاديا. هناك توازن بين السياسة والاقتصاد. صحيح أنه في بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022، عندما بدا أن روسيا ضعيفة، استغلت دول آسيا الوسطى الفرصة لتقوية علاقاتها مع الصين. على سبيل المثال، قالت الصين يوما ما إنها تدعم كازاخستان، بمعنى أنها توفر نوعا من ضمان الاستقلال لها... عن روسيا.

* كوريا الشمالية دائما تُعتبر مختبرا للتوازنات الدقيقة بين الصين وروسيا. هل تعتقدون أن التقارب بين موسكو وبيونغ يانغ قد يخلق توترات متزايدة لبكين؟

- نعم، فعليا كانت بكين هي الراعي الوحيد لكوريا الشمالية، لأنه أثناء الحرب الكورية، لم يتدخل السوفيات للدفاع عن الشماليين. ستالين قال لكيم إيل سونغ: إذا واجهت مشاكل، اذهب لرؤية ماو، ولا تتحدث إليّ. والسوفيات لم يرغبوا في خوض حرب مع قوة نووية أخرى. لذلك، الصين هي التي حمت كوريا الشمالية وضمنت استمرار النظام لعقود، وكانت الراعي الوحيد له.

استولت روسيا من الصين على مليون كيلومتر مربع في منطقة المحيط الهادئ، خاصة مدينة فلاديفوستوك. ولا توجد مطالبات صينية حقيقية بهذه الأراضي

وقد ذهب بوتين ربما في 2020 إلى كوريا الشمالية، ولم يزرها من قبل. ذهب بسبب الحرب في أوكرانيا، لأنه كان بحاجة إلى الصواريخ والرجال. ومن ثم حصل التقارب، لكن الأهم أن روسيا عقدت تحالفا حقيقيا مع كوريا الشمالية من خلال اتفاق دفاع مشترك، وأعتقد أن الصين قد لا تكون سعيدة جدا بذلك، لكنها لم تعلّق على الأمر. وقد شهدنا في 3 سبتمبر/أيلول الماضي، ذكرى النصر على اليابان، وجود كيم إيل سونغ مع بوتين وشي جين بينغ في الصين. أما ما هو لافت، ففي زيارة بوتين للصين في 2023 أو 2024، أراد التوقف في كوريا الشمالية قبل العودة إلى موسكو، لكن الصين طلبت أن لا يذهب مباشرة من بكين إلى بيونغ يانغ، لتجنب الإيحاء بوجود تحالف ثلاثي.

* السؤال الأخير، عن قضية الحدود بين الصين وروسيا، كنتم قد ذكرتم ذلك، لكن هل فعلا هي قضية حساسة في العلاقة بين البلدين؟

- لقد استغلت روسيا ضعف الإمبراطورية المانشوية الصينية (من القرن السابع عشر حتى أوائل القرن العشرين) للاستيلاء على مليون كيلومتر مربع في منطقة المحيط الهادئ، خاصة مدينة فلاديفوستوك. لكن اليوم، يقيم بوتين كل عام منتدى اقتصاديا في فلاديفوستوك لجذب الاستثمارات الصينية والكورية الجنوبية واليابانية. لا توجد مطالبات صينية حقيقية بهذه الأراضي. أحيانا تظهر خرائط أو تعليقات، لكن لا توجد رغبة صينية حقيقية باستردادها، ومن الصعب التصور أن الصين ستستولي على فلاديفوستوك، التي هي مدينة روسية جدا.

زرت الشرق الأقصى الروسي كثيرا: فلاديفوستوك، خابروفسك، بيروبيدجان، سخالين، كامشاتكا، وسألت دائما عن القلق بشأن الوجود الصيني، وقال لي الجميع إنه لا يوجد قلق، بل إن عدد الصينيين يقلّ تدريجيا. الأسواق الصينية أغلقت في السابق بسبب الفوارق في القوة الشرائية، عندما كان الصينيون يجدون فائدة من المجيء للمنطقة بسبب أجورهم الأعلى، لكن هذا لم يعد الحال اليوم. وكما ذكرت كانت هناك مفاوضات على الحدود بين البلدين بين 1994 و2004، والآن الأمور صافية تماما.

font change