في خطوة تعكس تسارع سباق التسلح في مجال الطائرات المسيرة وتحولها إلى ركيزة أساسية في الحروب الحديثة، أعلن الجيش الأميركي قبل أيام تأسيس أول قوة مهام مخصصة لسرب طائرات مسيرة هجومية أحادية الاتجاه يتمركز في الشرق الأوسط. تأتي هذه القوة الجديدة، التي تحمل اسم "سكوربيون سترايك" كجزء من توجه أميركي لتوسيع قدرات الجيش في مجال المسيرات المنخفضة التكلفة، بعد أربعة أشهر من أمر مباشر أصدره وزير الحرب بيت هيغسيث أن واشنطن لم تعد تتحدث بلغة تقليدية واحدة في إدارة المواجهات العسكرية، بل باتت تتقن ازدواجية الردع بين السلاح الثقيل العالي التكلفة، والسلاح الخفيف المنخفض التكلفة لتسريع تطوير هذه التكنولوجيا في ساحات القتال ونشرها.
وبحسب القيادة المركزية الأميركية، صممت قوة المهام الجديدة لتوفير حلول سريعة وفعالة لوحدات القتال، عبر طائرات هجومية صغيرة، رخيصة نسبيا، وقادرة على العمل الذاتي. وقد تمكنت "سكوربيون سترايك" بالفعل من تشكيل سرب أولي من مسيرات "لوكاس"، وهو طراز هجومي يتمركز حاليا في الشرق الأوسط، ويعد جزءا من استراتيجيا تعتمد على زيادة عدد المسيرات على حساب تكلفتها، لمواجهة التهديدات المتزايدة في المنطقة.
تتميز تلك المسيرات بمدى طيران واسع وقدرتها على العمل بشكل مستقل اعتمادا على الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار، دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر. ويمكن إطلاقها عبر آليات عدة، من بينها المنجنيق والمقلاع، أو الإقلاع بمساعدة الصواريخ، أو من منصات أرضية ومركبات متنقلة، مما يمنحها مرونة عالية في الانتشار.
يأتي نشر هذا السرب في الشرق الأوسط بعد نحو عامين من الهجوم الذي قتل فيه ثلاثة جنود أميركيين في الأردن نتيجة استهدافهم بمسيرة إيرانية. ويخطط الجيش الأميركي، وفق رؤيته الاستراتيجية، لتزويد جميع وحداته مسيرات هجومية صغيرة أحادية الاتجاه في حلول نهاية السنة المالية 2026، في إطار تحول واسع نحو "عسكرة الذكاء الاصطناعي" والاعتماد على الطائرات غير المأهولة في المعارك المستقبلية.
هندسة عكسية
دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة من حروب الطائرات المسيرة، عبر نشر أسطول من الطائرات الهجومية المنخفضة التكلفة المصممة على غرار المسيرة الإيرانية الشهيرة "شاهد-136". ففي مطلع ديسمبر/كانون الأول، أعلنت القيادة المركزية الأميركية تشكيل إطلاق أنظمة "لوكاس" التي تعد ذخائر جوالة أحادية الاستخدام، موجهة للطيران الذاتي وتنتشر بكثافة وبتكلفة زهيدة.
على عكس الطائرات الأميركية المتقدمة مثل "أم كيو- 9"، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار، يقارب سعر مسيرات "لوكاس" 35 ألف دولار فقط، أي قريبا من تكلفة "شاهد-136".
هذا الفارق الضخم يتيح لواشنطن خوض نمط جديد من الحرب يمكنها فيه تحمل خسائر أكبر والرد بطريقة متوازنة التكلفة على الهجمات الإيرانية، من دون المجازفة بمنصات باهظة الثمن تعد أساسية للمهام الاستخبارية والضربات الدقيقة.
يعكس هذا التحول أيضا خطوة نادرة تتبنى فيها الولايات المتحدة نهجا اعتمدته إيران وروسيا في السنوات الأخيرة الذي يعتمد على الحرب بالمسيرات الرخيصة القابلة للاستهلاك، القادرة على إغراق دفاعات الخصم بعددها الضخم وليس بتفوقها التكنولوجي.


