يفتتح الروائي الكويتي طالب الرفاعي روايته الجديدة "دوخي.. تقاسيم الصبا" (دار ذات السلاسل)، بعاصفة ليلية هوجاء تنبئ بكارثة محققة. كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف ليلا من يوم الإثنين الموافق 17 ديسمبر/ كانون الأول 1979، الليلة التي ستشهد انطفاء حياة أيقونة الغناء الكويتي عوض دوخي (1932- 1979)، بعد معاناة طويلة مع المرض العضال. هكذا يستدرج صاحب "في الهنا" تاريخا كاملا للبلاد في تحولاتها الحضرية من أبنية الطين المتهالكة إلى فضاء العمارة الحديثة، بالتوازي مع علامات احتضار الرجل في ليلته الأخيرة. ففي الساعة الثانية بعد منتصف الليل سيغلق القوس على حياة صاحب "صوت السهارى"، وفي المقابل ستتناوب أصوات الرواة على تفكيك لحظة الانطفاء بكل عذاباتها، من جهة، والمحطات الفنية التي صنعت هذه القامة الغنائية المتفردة، من جهة ثانية.
"بينما أرقد محتضرة"
هناك تقاطعات خاطفة ربما، مع رواية وليم فوكنر "بينما أرقد محتضرة" لجهة تعدد الأصوات، واستعادة الزمن الآفل من طريق التداعي الحر، إلا أن طالب الرفاعي يعمل على ملء الفراغات السردية بصوت عوض دوخي نفسه، بشريط طويل من الذكريات والأوجاع ونشوة تحقق الأحلام، مستدرجا صخب البحارة وزمن الغوص، وملح البحر، وصوت الأب الذي عمل "نهاما" على إحدى السفن لتأجيج حماسة البحارة بصوته العذب، وهو ما سيرثه الصبي باكرا، مما جعله يلتحق بإحدى سفن الصيادين كمستخدم، قبل أن يقنع "النوخذة" بجمال صوته، كأنه يكمل سيرة الأب الذي غاب باكرا، في صناعة البهجة للبحارة.
رحلة شاقة ووعرة سيعيشها عوض دوخي بمكابدات لا تحصى، لكنه سيتخفف من آلامه بالإنصات إلى أصوات الآخرين كعلامات سترشده إلى كيفية فتح الأبواب المغلقة في الغناء.