موازنة الكويت تحت المجهر... قراءة في أرقام الحساب الختامي

البيانات تؤكد استمرار هيمنة الدولة على الاقتصاد

Shutterstock
Shutterstock
البنك المركزي الكويتي

موازنة الكويت تحت المجهر... قراءة في أرقام الحساب الختامي

نشرت وزارة المالية في الكويت بيانات الحساب الختامي لموازنة السنة المالية 2024/ 2025 حيث تبين تراجع مستوى العجز في الموازنة. أوضحت البيانات المنشورة بأن موازنة السنة المنتهية في 31 مارس/ آذار 2025 قد سجلت عجزا مقداره 1.056 مليار دينار كويتي (3.46 مليارات دولار) بما يمثل انخفاضا عن التقديرات التي وردت في الموازنة التقديرية للعام المالي المذكور حيث توقعت الوزارة تحقيق عجز مقداره 5.6 مليارات دينار (18.3 مليار دولار).

جاءت هذه النتيجة المرضية للسلطات المالية في البلاد بفعل ارتفاع الإيرادات إلى 22.1 مليار دينار، أو 72.3 مليار دولار، منها 19.4 مليار دينار إيرادات نفطية أو 63.5 مليار دولار، في مقابل تقديرات 18.9 مليار دينار أو 61.8 مليار دولار للإيرادات النفطية. كذلك انخفضت النفقات إلى 23.1 مليار دينار أو 75.6 مليار دولار بعد أن كانت التوقعات بأنها ستكون 24.5 مليار دينار أو 80.2 مليار دولار. هناك تحسن في الإيرادات غير النفطية التي بلغت 2.7 مليار دينار أو 8.8 مليارات دولار، مقارنة بـ 2.1 مليار دينار في الموازنة السابقة أي بتحسن نسبته 27.5 في المئة.

تفاصيل الانفاق العام بحسب أبوابه

يتبين من الحساب الختامي لموازنة 2024 /2025 أن تفاصيل الانفاق كانت كالآتي:

- المصروفات الإجمالية : 23.113 مليار دينار مقارنة بـ 24.5 مليار دينار كما جاء في مشروع الموازنة.

ارتفعت قيمة الضرائب والرسوم بنسبة 10 في المئة عن مستواها في الموازنة السابقة في حين ارتفعت حصيلة السلع والخدمات بنسبة 36.53 في المئة 

- تعويضات العاملين، الرواتب والاجور:  9.6 مليارات دينار

- مصاريف السلع والخدمات:  3.38 مليارات دينار

- الإعانات:  1.12 مليار دينار

- منافع اجتماعية: 794.1  مليون دينار

- مصروفات وتحويلات: 1.4 مليار دينار

- الانفاق الرأسمالي:    1.13 مليار دينار

تراجعت المصروفات بشكل جيد حيث انخفضت مصاريف السلع والخدمات بـ 1.28  مليار دينار ومصاريف المنح بـ 584.4 مليون دينار والانفاق الرأسمالي بـ 172.26 مليون دينار والمصروفات والتحويلات بـ 81.5 مليون دينار والإعانات بـ 144.38 مليون دينار.

توزيع الإيرادات 

جاءت الإيرادات كالتالي:

- الإيرادات النفطية: 19.35 مليار دينار

.أ.ف.ب

- الإيرادات غير النفطية:

   الضرائب والرسوم: 606.48 مليون دينار

   إيرادات السلع والخدمات:  1.97 مليار دينار

   المساهمات الاجتماعية: 111.95 مليون دينار

   بيع إصول:  5.8 ملايين دينار

وقد ارتفعت قيمة الضرائب والرسوم بنسبة 10 في المئة عن مستواها في الموازنة السابقة في حين ارتفعت حصيلة السلع والخدمات بنسبة 36.53 في المئة وارتفعت حصيلة المساهمات الاجتماعية بنسبة 0.33 في المئة.

يتحكم بند الانفاق على الرواتب والاجور، الباب الأول من الموازنة، بنسبة كبيرة من بنود الانفاق، وهي تمثل بموجب الحساب الختامي نسبة 42 في المئة

لا شك أن هذه النتائج تمثل تطورا في إدارة الإنفاق الحكومي في الكويت وتعزز امكانات تحصيل إيرادات ملائمة وتؤكد في الوقت نفسه الحرص على ترشيد إنفاق البنود الأساس في الموازنة العامة للدولة. وقد أدت عمليات الترشيد في الإنفاق وتحسين حصيلة الإيرادات غير النفطية إلى خفض العجز إلى 1.056 مليار دينار وبنسبة 32.4 في المئة.

الرواتب والأجور وبرامج الدعم

يتحكم بند الانفاق على تعويضات العاملين، الرواتب والاجور، أو الباب الأول من الموازنة، بنسبة كبيرة من بنود الانفاق، وهي تمثل، بموجب الحساب الختامي، نسبة 42 في المئة تقريبا من قيمة الموازنة، أو النفقات الإجمالية. هذا البند لم ينخفض إلا بـ 90 مليون دينار عن مستواه في العام السابق بما يؤكد المصاعب التي تواجه الإدارة المالية عند التعامل مع هذا البند. هناك آلاف من الكويتيين الذين يتم توظيفهم في المؤسسات والدوائر الحكومية سنويا حيث لا توجد فرص عمل ملائمة لهم في القطاع الخاص إلا في المصارف والشركات الاستثمارية وعدد من الشركات الكبرى، ولكن بأعداد قليلة.

Shutterstock
مقر بورصة الكويت

كما أن برامج صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لم يفلح في توفير فرص عمل في الشركات التي مولها الصندوق والتي تأسست من عدد من المبادرين الكويتيين. وتمثل الدعومات نسبة مهمة، أيضا، كبند في الانفاق الجاري، حيث بلغت 3.38 مليار دينار أي بنسبة 14.6 في المئة، وقد انخفضت في السنة المالية 2024 / 2025 بما يقدر بـ 1.28 مليار دينار. يعني ذلك أن هناك عزما من الحكومة على التعرف الى أهمية الدعومات وكيفية توفيرها للمواطنين دون اسراف.

وتتوزع هذه الدعومات على المواد الغذائية، التموين الذي يتوفر بأسعار متهاودة، ودعم اسعار البنزين ومواد الوقود الأخرى، وهناك بند كبير يتعلق بدعم استهلاك الكهرباء والماء، ناهيك عن دعم المواد الإنشائية التي يتطلبها بناء مساكن المواطنين.

الإنفاق الرأسمالي لا يتعدى 4.8%

لا يزال الانفاق الرأسمالي متواضعا، حيث لم يشكل سوى 1.13 مليار دينار تمثل 4.8 في المئة من إجمالي الانفاق. لا يمكن للكويت إنفاق أموال أكبر على الانفاق الرأسمالي لأسباب عديدة أهمها عدم قدرة وكفاءة الأجهزة الحكومية على تنفيذ مشاريع كبيرة نظرا للبيروقراطية البطيئة والتردد في اتخاذ القرارات وتعطيل عمليات الصرف لحساب المقاولين والمنفذين للمشاريع بما يزيد حال اتأخير التسليم. هناك مشاريع كبرى مثل المطار الدولي وميناء مبارك لا تزال غير منجزة للأسباب الوارد ذكرها على الرغم من محاولات الحكومة للتعجيل والتعاقد مع شركات صينية وتركية وغيرها.

لا شك أن الانفاق الرأسمالي، وإن كان لصالح مشاريع البنية التحتية أو المشاريع الحكومية التقليدية مثل الرعاية الصحية والطرق والخدمات التعليمية، يمثل تحفيزا لنشاط القطاع الخاص وتحريكا لعمليات السوق التجارية وللأعمال الخدمية.

الانفاق الرأسمالي بهدف اقامة مشاريع ذات جدوى اقتصادية يتطلب شراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لزيادة حصيلة الرسوم والضرائب

لكن الانفاق الرأسمالي بهدف اقامة مشاريع ذات جدوى اقتصادية قادرة على توليد الدخل ومن ثم المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، يتطلب الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وربما تحفيزات لأعمال القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. مثل هذه النشاطات قد تمكن من زيادة حصيلة الرسوم والضرائب ومن ثم الايرادات غير النفطية.

دور الموازنة كمحفز للأعمال

الموازنة العامة للدولة في الكويت تعتبر أهم المحفزات للنشاط الاقتصادي، ويعتمد الكثير من رجال الأعمال على بياناتها لتحديد مدى امكانات تحقيق نتائج من أعمالهم الخاصة.

كما أن الانفاق الاستهلاكي الخاص بالمواطنين والمقيمين يعتمد بدرجة كبيرة على الانفاق الحكومي، خصوصا الرواتب والاجور والدعومات السلعية والخدمية.

وتؤكد الموازنة الدور المهيمن للدولة على الاقتصاد الوطني. بيد أن هذه الحقائق تزيد الهموم، إذ كيف يمكن الاستمرار في الانفاق بمستويات ملائمة للحفاظ على مستويات المعيشة والرفاهية عندما تتراجع الايرادات النفطية التي كانت 19.4 مليار دينار أو 63.5 مليار دولار وتمثل 87.7 في المئة من الايرادات الاجمالية و83.9 في المئة من قيمة الانفاق الاجمالي حسب الحساب الختامي لموازنة السنة المالية 2024 / 2025؟

هذا هو التحدي الأساس أمام صانعي السياسات المالية في الكويت على الرغم من جهودهم الواضحة خلال السنة المنصرمة وتحررهم من الضغوط السياسية الشعبوية التي كان يمارسها أعضاء كثر في مجالس الأمة السابقة!

font change