ماذا يُتوقع من شركة "الكوت للاستثمار" الكويتية؟

المعضلة ليست إنشاء شركات وصناديق جديدة في الكويت، بل تغييب دور القطاع الخاص

Shutterstock
Shutterstock
تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في الكويت ضرورة للاستثمارت المجدية

ماذا يُتوقع من شركة "الكوت للاستثمار" الكويتية؟

دأبت الكويت على تكوين المؤسسات والصناديق واللجان المتخصصة في الأعمال الاقتصادية على مدى تاريخها المعاصر. نجح عدد منها في أعماله وحقق إنجازات طيبة عادت بالفائدة على البلاد. غير أن بعضها أُنشئ من دون التحقق من جدواه أو ضرورته، مما أسفر عن خسائر وأعباء مالية على الدولة، بعدما عجز المسؤولون عن إصلاح أوضاعها أو تخفيف وطأة تداعياتها القاسية.

طرحت وزارة المالية أخيرا مشروعا لتأسيس كيان استثماري جديد برأس مال معلن قدره 50 مليار دينار أو ما يوازي 164 مليار دولار تحت مسمى "شركة الكوت للاستثمار". بموجب الإعلان الرسمي، سيناط بهذه الشركة تمويل مشاريع الطاقة والنقل والبنية التحتية وإقامة المدن الذكية والمناطق الصناعية. ومن بين الأهداف المعلنة للكيان الجديد، تخفيف الأعباء عن الخزينة العامة وخفض ما يعادل 30 في المئة من مخصصات الموازنة العامة للدولة، عبر الاعتماد في تمويله على استقطاب استثمارات خاصة، محلية وأجنبية، قد تصل إلى 10 مليارات دينار أو 33 مليار دولار. ويأمل المسؤولون في وزارة المالية الكويتية أن تحقق "شركة الكوت للاستثمار"، إيرادات قد تصل إلى مليار دينار كويتي، أو 3,3 مليارات دولار، في حلول العام 2030.

تساؤلات مشروعة

في الكويت، لا يزال هناك كيانات اقتصادية عاجزة عن تحقيق أهدافها المعلنة أو إنجاز المهام الموكلة إليها. ومن أبرز الأمثلة صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذي تأسس بموجب القانون رقم 98 لسنة 2013 الصادر عن مجلس الأمة في 2 أبريل/نيسان 2013، بهدف تمويل المبادرين وصغار رجال الأعمال الساعين إلى إنشاء مؤسسات صغيرة أو متوسطة في مختلف القطاعات الاقتصادية. وقد حدد الصندوق رأس ماله المعلن بـ2 مليار دينار أو 6,6 مليارات دولار. استهدف الصندوق منذ إنشائه تشجيع المبادرين الشباب على إنشاء مؤسساتهم الخاصة، وحثّ المواطنين على العمل في القطاع الخاص بعيدا من التوظيف في المؤسسات الحكومية. غير أن الصندوق، الذي مضى على تأسيسه أكثر من 12 عاما، لم يحقق التطلعات المعلقة عليه، إذ عجز عن توفير فرص عمل حقيقية للمواطنين ضمن هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما لم يشهد الاقتصاد الوطني بروز مؤسسات نوعية ذات قيمة مضافة، بل تكررت أنماط المشاريع في قطاعات خدمية تقليدية، مما حدّ من أثرها التنموي.

لا يزال هناك كيانات اقتصادية عاجزة عن تحقيق أهدافها، ومن أبرز الأمثلة صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يثير التساؤل: هل ستكون تجربة "شركة الكوت للاستثمار" مختلفة؟

الأهم من ذلك أن إدارة الصندوق لم تستقر وتغيرت الإدارة التنفيذية مرات عدة وكذلك الحال مع مجلس إدارة الصندوق. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على تأسيسه، لم يتمكن الصندوق من ضخ أكثر من 250 مليون دينار (نحو 820 مليون دولار) حتى اليوم، لا سيما بعد توقف عمليات التمويل عقب جائحة "كوفيد-19"، في ظل محاولات لتقييم أداء المشروعات المموّلة وظهور مشكلات في سداد التزامات المبادرين. ويظل هذا الصندوق نموذجا لطبيعة أعمال التمويل في الكويت، مما يثير التساؤل: هل ستكون تجربة "شركة الكوت للاستثمار" مختلفة؟ وهل ستكون ذراع الكويت المرتقبة لتنويع اقتصادها؟

رأس المال يصطدم بعجز القدرات التنفيذية

تخصص وزارة المالية من 2 إلى 2,5 مليار دينار أو 6,5 إلى 7,5 مليارات دولار للإنفاق الرأسمالي في موازناتها السنوية. لكن ما يتم إنفاقه يظل أقل من المستهدف وربما لا يزيد على مليار أو 3,3 مليارات دولار سنويا. تواجه تنفيذ المشاريع الرأسمالية العديد من المشكلات، خصوصا تلك المرتبطة بالبنية التحتية والمرافق الحيوية، مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومحطات تحلية المياه، بالإضافة إلى المشاريع التربوية والصحية.

كونا
وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري ورئيس شركة "قطر للطاقة" سعد الكعبي (الى اليسار) يصافح الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية الشيخ نواف الصباح، خلال مراسم توقيع اتفاق نفطي بين البلدين، في العاصمة الكويت 26 أغسطس 2024

تعتمد الإدارة الحكومية، عبر مختلف الوزارات، على التعاقد مع جهات تنفيذية لإنجاز المشاريع، إلا أن عمليات التنفيذ تعاني من بيروقراطية معقدة تبدأ باتخاذ القرار، مرورا بمرحلة التصميم، وطرح دفاتر الشروط، ثم استقبال العطاءات، واختيار الجهة المنفذة عبر لجنة المناقصات المركزية التي تركز على قيمة العطاء، قبل الانتقال إلى مرحلة التنفيذ. هذه الإجراءات البيروقراطية الطويلة أدت إلى تعطيل العديد من المشاريع، مما ساهم في إطالة فترات الإنجاز على نحو غير مقبول.

ماذا ينتظر من "الكوت للاستثمار"؟

هل هناك فعلا حاجة لمثل هذه الشركة؟ المعضلة الأساس في الكويت تكمن في استمرار الحكومة برؤية أن إدارة المشاريع يجب أن تكون عبر كيانات وأجهزة حكومية، في حين أن دول الخليج المجاورة انتقلت بنجاح إلى تفعيل دور القطاع الخاص والاعتماد على تمويلاته لتنمية مشاريعها.

لا تزال الكويت حتى الآن بعيدة عن جذب رؤوس الأموال الأجنبية على الرغم من وجود "هيئة تشجيع الاستثمار المباشر"

لا تزال الكويت حتى الآن بعيدة عن جذب رؤوس الأموال الأجنبية على الرغم من وجود "هيئة تشجيع الاستثمار المباشر". ولا يمكن مقارنة قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الكويت مع تلك المتدفقة إلى دول الخليج الأخرى، الإمارات والسعودية وغيرها. استقطبت الكويت 614 مليون دولار في عام 2024، وفقا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد".

.أ.ف.ب
وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو يوقع اتفاقية مع وزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحي، على هامش زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح إلى باريس في 14 يوليو 2025

في المقابل، يذكر التقرير أن الكويت صدرت رساميل بقيمة 10,3 مليارات دولار في العام نفسه. يعني ذلك أن الكويت لا تزال تعاني من نقص في توفير فرص استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب، أو أنها تفتقر إلى بيئة اقتصادية ملائمة من حيث القوانين والحوافز التي تشجع على تدفق الأموال وحماية رؤوس الأموال المحلية. لذلك، من الضروري التمعن في هذه الأوضاع وتهيئة الظروف الملائمة قبل الشروع في إنشاء شركات أو كيانات استثمارية قد تعجز عن تحديد الفرص الحقيقية واستثمارها.

القطاع الخاص شريك النهوض

خلال السنوات الأولى من عصر النفط، تبنت الكويت سياسات فاعلة لتطوير قطاعات الأعمال المختلفة، حيث شجعت الاستثمار المشترك بين القطاعين العام والخاص. تأسست شركات ذات ملكية مزدوجة في القطاع النفطي، مثل شركة البترول الوطنية التي تولت عمليات تكرير النفط، وشركة ناقلات النفط، وشركة الصناعات البتروكيماوية. كما شهدت البلاد تأسيس شركات حيوية أخرى مثل شركة الصناعات الوطنية، المسؤولة عن الصناعات المتعلقة بالمواد الإنشائية، وشركة الخطوط الجوية الكويتية، وغيرها من المؤسسات التي لعبت دورا مهما في التنمية الاقتصادية.

استمرت الملكية المشتركة حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي عندما قامت الحكومة بتأميم حصص القطاع الخاص إثر الصدمة النفطية الأولى.

يجب التأكد من أن أي أموال تُوظَّف في مشاريع يتم سحبها من الصندوق السيادي، صندوق الأجيال القادمة، تحقق عوائد أفضل من استثمارها في أصول خارج البلاد

المطلوب الآن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتوفير تمويلات حكومية عند الضرورة، مع إتاحة المجال للقطاع الخاص لتحديد مجالات الاستثمار المجدية، وتولي الإدارة والتنفيذ، بالإضافة إلى التدقيق في جدوى كل مشروع استثماري في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية. كما يجب التأكد من أن أي أموال تُوظَّف في مشاريع يتم سحبها من الصندوق السيادي، صندوق الأجيال القادمة، تحقق عوائد أفضل من استثمارها في أصول خارج البلاد.

Shutterstock
مبنى البورصة الكويتية

وتسعى الشركة الجديدة لتحقيق إيرادات سنوية قد تصل إلى مليار دينار، أو 3,3 مليارات دولار في حلول العام 2030، وهذه إيرادات لا تزيد على نسبة 2 في المئة من قيمة رأس المال. في حين لم ترد معلومات عن الأرباح الصافية المتوقعة من استثمار 50 مليار دينار (أو 164 مليار دولار).

تحديد الأهداف وآليات الاستثمار

أبدى عدد من المراقبين الاقتصاديين في الكويت ملاحظات وجيهة على مشروع "شركة الكوت للاستثمار"، ربما سبق الإشارة إليها في مناسبات سابقة تتعلق بمشاريع أخرى، ولا بد من قيام وزارة المالية بدرس الملاحظات والانتقادات وتطوير استراتيجيا أكثر نجاعة في توظيف الأموال محليا وأساليب ملائمة لجذب الاستثمارات الخاصة، المحلية والأجنبية. تتجلى أهمية تعزيز دور القطاع الخاص وملكيته في قطاع المرافق الحيوية مثل الكهرباء، وتحلية المياه، والاتصالات، بالإضافة إلى مرافق البنية التحتية الأخرى، مع توسيع فرص استثمار الأموال الخاصة في مجالات دأبت الحكومة على الاضطلاع بها. كذلك، لا بد من تطوير بيئة الأعمال والسعي لتحفيز المنافسة الاقتصادية اللازمة لجذب الاستثمارات وزيادة حصة الكويت من تدفقات الاستثمار المباشر. لا يمكن التعويل على الطروحات التقليدية وإعلان أهداف قد لا يمكن انجازها بموجب المفاهيم والقيم التي سادت في البلاد طويلا.

font change

مقالات ذات صلة