تحديث الإدارة في الكويت... إصلاحات هادئة

الطريق ليست خالية من التحديات وستعتمد استدامتها على قدرة الدولة على ترسيخها مؤسسيا

Shutterstock
Shutterstock
أبراج ومباني مدينة الكويت، 25 فبراير 2025

تحديث الإدارة في الكويت... إصلاحات هادئة

تشهد الكويت بهدوء تحديثا دقيقا لكن بالغ الأهمية للإدارة العامة، في عملية بدأت تثمر نتائج ملموسة. في حين تتركز أنظار المنطقة في الغالب على برامج ضخمة للتحول الاقتصادي، اختارت الكويت مسارا أكثر تواضعا، يستند إلى إصلاحات موجهة تعيد تشكيل بيئة الأعمال وتضع الأساس لنمو اقتصادي أكثر شمولا.

في منطقة تُعرَّف بمشاريعها العملاقة ورؤاها الاقتصادية التي تقررها أعلى مستويات القيادة، تقدّم الكويت نموذجا مختلفا عبر الدفع بإصلاحات إدارية تقنية الطابع، تعطي الأولوية إلى الوظيفة الإدارية على حساب الشكليات. ويمكن نهجها أن يكون نموذجا عمليا للدول الغنية بالموارد التي تسعى إلى تنويع اقتصاداتها بدءا بقاعدة الهرم وصولا إلى قمته، خصوصا في ظل تصاعد الضغوط المحيطة بالمالية العامة وتغيّر الحقائق الديموغرافية.

مؤشرات إيجابية

في الفصل الأول من عام 2025 وحده، أصدرت وزارة التجارة والصناعة نحو 10 آلاف ترخيص لشركات جديدة، بزيادة سنوية نسبتها 9.4 في المئة. هذه الزيادة ليست مجرد زيادة رقمية؛ بل إشارة إلى أن جهود الكويت لتبسيط تسجيل الشركات وتقليل العراقيل البيروقراطية بدأت تؤتي ثمارها. ذلك أن الأرقام تعكس الزخم، لكن التحول الحقيقي يكمن في الآليات التي تقف خلف الأرقام.

كان الأثر لافتا في قطاع العمل الحر والمشاريع الصغيرة جدا. وقد شهدت الكويت العام الماضي قفزة بنسبة 227 في المئة في عدد تراخيص الأعمال الحرة والمشاريع الصغيرة، مما يعكس تحولا في السياسات نحو تمكين رواد الأعمال

في قلب هذا التغيير نجد النافذة الإدارية الواحدة (مركز الكويت للأعمال)، وهي منصة تهدف إلى توحيد معايير تسجيل الشركات وتبسيطه. من خلال تقليل عدد الخطوات والجهات المعنية في كل ترخيص، يقلل هذا النظام في شكل كبير الحواجز أمام رواد الأعمال. وتكمل هذا الجهد منصة "سهّل"، وهي المنصة الرئيسة للحكومة الرقمية في الكويت، وقد أصبحت حجر الزاوية في عملية تحديث الإدارة. هاتان الأداتان لا تحسِّنان الكفاءة فحسب، بل تعززان أيضا الشفافية والمساءلة، وهما مطلبان لطالما انتظر تحقيقهما المواطنون والمستثمرون على حد سواء.

تمكين المهنيين المستقلين ورواد الأعمال

كان الأثر لافتا في شكل خاص في قطاع العمل الحر والمشاريع الصغيرة جدا. فقد شهدت الكويت العام الماضي قفزة بنسبة 227 في المئة في عدد تراخيص الأعمال الحرة والمشاريع الصغيرة، مما يعكس تحولا في السياسات نحو تمكين المهنيين المستقلين ورواد الأعمال الصغار. وهذا تطور ملحوظ في منطقة يعتمد تنويعها الاقتصادي في شكل متزايد على تمكين الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وهكذا تحجز الكويت لنفسها موقعا يدعم سهولة الدخول إلى السوق ويعزز قطاعا خاصا أكثر تنوعا ومتانة.

أ.ف.ب.
مصفاة الزور النفطية، جنوب العاصمة الكويت 29 مايو 2025

لكن نمو المشاريع الصغيرة جدا قد لا يكون نتيجة طموح ريادي بقدر ما هو انعكاس لندرة فرص العمل الرسمية. وهو إذا لم يُقرَن بتحولات هيكلية في الاقتصاد، فقد يخفي بطالة مقنَّعة ويعزز الاقتصاد غير الرسمي.

ويظهر هذا التحول أيضا في التغير الذي طرأ على أنواع تراخيص الأعمال. بينما ارتفع عدد تسجيلات الشركات عموما بنسبة 21 في المئة، تراجع في شكل ملحوظ عدد تراخيص "الشركات ذات الأغراض الخاصة" – وهي فئة كثيرا ما ترتبط بأدوات الاستثمار السلبي (أسلوب استثماري يستند إلى شراء الأصول والاحتفاظ بها طويلا من دون تداول نشط، بهدف تحقيق عوائد مستقرة تتبع أداء السوق بدلا من محاولة التفوق عليها) أو استغلال الفجوات في الإجراءات التنظيمية.

تأتي ديناميكية الإصلاح في الكويت بدافع الضرورة، في ظل اقتصاد اعتمد طويلا على عوائد النفط والتوظيف في القطاع العام، وتواجه البلاد ضغوطا متزايدة لتنويع اقتصادها

هذا التحول يوحي بإعادة ضبط الأولويات بعيدا من نماذج الأعمال المستندة إلى المضاربة أو المشوبة بغموض، في اتجاه أشكال أكثر استدامة وإنتاجية من النشاط الاقتصادي. هذا مؤشر هادئ لكنه معبّر عن حوكمة إصلاحية.

المسار المتدرج للإصلاح

تأتي ديناميكية الإصلاح في الكويت بدافع الضرورة، في ظل اقتصاد اعتمد طويلا على عوائد النفط والتوظيف في القطاع العام، وتواجه البلاد ضغوطا متزايدة لتنويع اقتصادها. القيود المحيطة بالمالية العامة، والتحولات الديموغرافية، وتزايد عدد الشباب، كلها تطورات جعلت من الإصلاح الاقتصادي أمرا حتميا لا خيارا. وفي استجابة لهذه التحديات، اختارت الكويت مسارا متدرجاً تقني الطابع، متجنبة الرؤى الوطنية الشاملة لصالح تحسينات تدريجية في آليات عمل الإدارة الحكومية، بهدف تمكين القطاع الخاص من أداء دور أكثر ديناميكية.

.أ.ف.ب
بورصة الكويت، 7 أبريل 2025

لهذا النهج ميزات واضحة. بالتركيز على الكفاءة الإدارية والوضوح التنظيمي، تلبي الكويت الاحتياجات العملية الخاصة بالشركات الصغيرة والمستثمرين الصغار. وفي منطقة يمكن أن تشكل فيها التعقيدات البيروقراطية عائقا كبيرا، تقدّم إصلاحات الكويت نموذجا واقعيا وسهل المنال للمشاركة الاقتصادية.

تحديات استدامة الإصلاح

ومع ذلك، ليست الطريق أمام هذه الإصلاحات خالية من التحديات. ستعتمد استدامتها على قدرة الدولة على ترسيخها مؤسسيا لكي يستمر تطبيقها إلى ما وراء الدورة التشريعية الحالية. عبر التاريخ، جعلت ديناميكيات البرلمان الكويتي تنفيذ السياسات البعيدة الأجل أمرا صعبا، ويواجه زخم الإصلاح خطر التوقف من دون التزام مستمر بالتنفيذ. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن منصات مثل "سهّل" حسَّنت تقديم الخدمات، لا يزال تطبيق الحوكمة الرقمية بعمق في مجالات مثل المشتريات العامة، والضرائب، وتنظيم سوق العمل، جهدا جاريا.

قد لا تتصدر إنجازات الكويت العناوين دائما، لكن تصميمها الهادئ على تحديث بنيتها الإدارية بدأ يحقق نتائج حقيقية، وهذا، بحد ذاته، أمر يستحق المتابعة.

كذلك ثمة شكوك لا تزال تراود بعض أوساط مجتمع الأعمال في شأن اتساق التنفيذ وعمق الالتزام السياسي. من دون ضمانات مؤسسية وإبعاد البيروقراطية عن التجاذبات السياسية، يبقى خطر التراجع عن الإصلاحات أو تطبيقها في شكل انتقائي قائما.

.أ.ف.ب
صورة جوية تظهر قوارب صيد تقليدية أمام سوق شرق الشعبي، في الكويت 6 أبريل 2025

وتتمثل عقبة أخرى في توسع نطاق ريادة الأعمال. بينما تبدو الزيادة في نشاط المشاريع الصغيرة جدا مشجعة، لا بد من أن يترافق مع جهود تستهدف دعم نمو الأعمال وقدرتها على التوسع، بما في ذلك توفير الوصول إلى التمويل، وتنمية المهارات، والاندماج في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية. من دون هذه الممكّنات، يبرز خطر يتمثل في بقاء الطبقة الريادية الناشئة في الكويت حبيسة قطاعات منخفضة الإنتاجية.

نموذج هادئ جدير بالمتابعة

ومع ذلك، من المؤكد أن اتجاه المسار واضح. تثبت الكويت أن الإصلاح لا يحتاج إلى أن يكون صاخبا ليكون فاعلا. ومن خلال التركيز على أساسيات الإدارة، مثل التراخيص والتنظيم وإتاحة الخدمات الرقمية، تضع البلاد الأساس لاقتصاد أكثر ديناميكية وشمولية. ويتلخص التحدي الآن في الحفاظ على هذا الزخم، وتعميق أجندة الإصلاح، وضمان توزُّع المزايا على نطاق واسع.

قد لا تتصدر إنجازات الكويت العناوين دائما، لكن تصميمها الهادئ على تحديث بنيتها الإدارية بدأ يحقق نتائج حقيقية، وهذا، بحد ذاته، أمر يستحق المتابعة.

font change

مقالات ذات صلة