تمر فرنسا حاليا بأخطر أزمة سياسية منذ تأسيس الجمهورية الخامسة، وفقا للمعلق السياسي الفرنسي ألان دوهاميل. فقد شهد عام 2024 وحده، تعاقب أربعة رؤساء وزراء على رئاسة الحكومة، تخلل ذلك حل الجمعية الوطنية، ثم اخيرا، تصويت بحجب الثقة أعقبه تكليف رئيس جديد للوزراء. كل ذلك يحدث في ظل برلمان منقسم بلا غالبية واضحة، وصعود غير مسبوق لليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية.
على النقيض، يرى البروفسور جوليان شوفالييه من جامعة باريس الثامنة (Paris VIII) أن جوهر الأزمة في فرنسا مالي واقتصادي في الدرجة الأولى، سببه الإفراط في الإنفاق لا في الاستدانة. ويحمّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسؤولية الأساس، إذ ارتفع الدين العام خلال عهده بأكثر من الثلث، بهدف تأمين إعادة انتخابه وامتصاص غضب الشارع. وقد أدى هذا التوسع في الدين إلى تركز الثروة وتفاقم الفوارق الاجتماعية، فيما وُجهت الإيرادات نحو إنفاق غير منتج للثروة. ومع تراجع معدلات النمو بشكل حاد، مقارنة بأسعار الفائدة، برزت الحاجة إلى تحقيق فوائض مالية أولية كبيرة لسد الفجوة بين الإنفاق والإيرادات (باستثناء مدفوعات الفائدة) وتثبيت مسار الدين العام.
من جانبه، يؤكد رئيس الوزراء المستقيل فرنسوا بايرو أن "سبب الأزمة هو الدين العام المرتفع، فهو حاليا العدو الأكبر للبلاد، وعدّاده يرتفع بأكثر من 5 آلاف يورو كل ثانية". ويذكّر بأن نسبته لم تكن تتجاوز 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عهد الرئيس الراحل شارل ديغول، بينما بلغت اليوم 114 في المئة. ومنذ عام 1973، حين توقفت فرنسا عن الاقتراض من مصرفها الوطني بعد تعديل قانونه، أصبح أكثر من نصف دينها في أيدي مستثمرين أجانب. أما الحكومات المتعاقبة، فقد واصلت زيادة الدين بذريعة الحفاظ على دولة الرفاه، معوّلة على مظلة اليورو والمصرف المركزي الأوروبي.
الدين العام الفرنسي 3,35 تريليونات يورو
ويقدَّر الدين العام الفرنسي بنحو 3,35 تريليونات يورو، بحسب المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية (INSEE)، الذي أظهر في بياناته الصادرة أواخر يوليو/تموز الماضي أن الدين ارتفع خلال عام واحد بمقدار 185 مليار يورو، أي بنسبة 6 في المئة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبته إلى 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في حلول عام 2030. كذلك يرتقب أن تقفز تكلفة الفوائد السنوية على الدين من نحو 60 مليار يورو حاليا إلى 110 مليارات يورو في نهاية العقد. أما العجز العام، فقد سجّل في عام 2024 نسبة 5,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي نحو ضعفي الحد الرسمي المسموح به في الاتحاد الأوروبي والمحدد بـ3 في المئة.