قمة إسرائيلية – يونانية - قبرصية... محور إقليمي في البحر المتوسط

الضغط على تركيا عبر التقارب مع تل أبيب

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس بعد اجتماع ثلاثي في ​​القدس في 22 ديسمبر 2025

قمة إسرائيلية – يونانية - قبرصية... محور إقليمي في البحر المتوسط

استضاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس هذا الأسبوع نظيريه اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والقبرصي نيكوس كريستودوليدس، في الاجتماع العاشر لـ"القمة الثلاثية".

وجاءت أبرز النقاط التي تضمنها البيان المشترك الصادر عقب القمة على النحو الآتي:

  • تعزيز التعاون الثلاثي القائم في مجالات الأمن والدفاع والشؤون العسكرية.
  • تعميق التنسيق في حماية الممرات البحرية والبنى التحتية الحيوية من التهديدات المستجدة.
  • دفع المشاريع المشتركة في مجال الطاقة، وربط شبكات الكهرباء، وتطوير المبادرات الخاصة بالطاقة المتجددة.

ووصف نتنياهو، القمة الثلاثية بأنها الأكثر أهمية بين جميع الاجتماعات التي عقدت حتى الآن. وكانت أول قمة ثلاثية قد انعقدت عام 2016، في الوقت الذي اكتُشفت فيه احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، وكانت علاقات تركيا مع إسرائيل وعدد من الدول العربية، خصوصا مصر وبعض دول الخليج الكبرى، تشهد توترا شديدا. ويقوم جوهر الآلية الثلاثية التي أرساها هذا التحالف على "تشكيل جبهة موحدة في مواجهة تركيا، والتعاون من أجل استثمار أمثل لموارد الغاز الطبيعي".

وخلال المؤتمر الصحافي، سأل صحافي إسرائيلي عن الرسالة الموجهة إلى تركيا، فرد نتنياهو دون أن يسميها: "نحن لا نسعى إلى مواجهة مع أحد. هذا تحالف للدفاع عن القواعد والمعايير الدولية والاستقرار، ونحن نأمل أن لا يوضع [هذا التحالف] على المحك".

ثم أضاف مجددا، ومن دون أن يذكر تركيا بالاسم: "إلى أولئك الذين يتوهمون أنهم قادرون على إعادة بناء إمبراطورياتهم على أراضينا، أقول إن هذا لن يحدث. لدينا الوسائل للدفاع عن أنفسنا".

إن نتنياهو يعيد بذلك انتهاج سياسة تقوم على استدعاء المظالم التاريخية والمخاوف، وتشكيل تحالفات في مواجهة ما يراه "تهديدات مشتركة". وعلى الرغم من أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل كانت تتعرض أحيانا لاهتزازات بسبب السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، فإنها بلغت في تسعينات القرن الفائت مستوى جيدا جدا وذروة لم تصلها من قبل. فقد أجرت الطائرات الإسرائيلية تدريبات فوق سهول الأناضول الشاسعة، وقضى مئات الآلاف من السياح الإسرائيليين عطلاتهم في بيئة تركيا الآمنة والمرحبة.

لكن منذ وصول "حزب العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب أردوغان إلى السلطة عام 2002، وفي ظل رئاسة نتنياهو للحكومة، أخذت العلاقات تتدهور تدريجيا.

وتعرضت العلاقات التركية-الإسرائيلية لضربة قاسية عام 2010 عندما هاجمت قوات الأمن الإسرائيلية سفينة "مافي مرمرة"، التي كانت ضمن أسطول دولي يبحر في المياه الدولية بالمتوسط لإيصال مساعدات إلى غزة، ثم وصلت إلى الحضيض بعد الهجوم الإسرائيلي على القطاع.

واليوم، تدور حرب باردة بين البلدين، مع خطر مواجهة مباشرة في الأراضي السورية وفي البحر المتوسط. وترى إسرائيل أن الدور التركي في الشرق الأوسط، ولا سيما نفوذه وحضوره في سوريا، يشكل تهديدا، لأنه قد ينعكس سلبا على تفوقها العملياتي في المنطقة، خصوصا في سوريا ولبنان.

اليونان وتركيا عضوان في حلف شمال الأطلسي، لكن علاقاتهما ما تزال متوترة بفعل نزاعات مزمنة في بحر إيجه

والمعروف أن اليونان وتركيا عضوتان في حلف شمال الأطلسي، لكن علاقاتهما ما تزال متوترة بفعل نزاعات مزمنة في بحر إيجه، تشمل مسائل المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري والمياه الإقليمية والوضع القانوني وما يرتبط به من حقوق بحرية لبعض الجزر المتنازع عليها. صحيح أن أثينا وأنقرة حافظتا على شبكة من الآليات السياسية والتقنية، وأن العامين الأخيرين شهدا انخراطا رفيع المستوى جديدا، بما في ذلك زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أثينا في ديسمبر/كانون الأول 2023 وزيارة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى أنقرة في مايو/أيار 2024، ولكن الخلافات الجوهرية ما زالت بلا حل.

وتبقى قبرص بدورها خط الصدع المركزي في بنية الأمن في شرق المتوسط. فمنذ عام 1974، تعيش الجزيرة مقسمة فعليا بين القبارصة اليونانيين في الجنوب (جمهورية قبرص المعترف بها دوليا) والقبارصة الأتراك في الشمال، الذين لا تعترف بهم سوى تركيا. وقد دأبت نيقوسيا على استثمار المحافل الدولية والشراكات لدفع مواقفها في قضية قبرص وتقييد النفوذ التركي. وفي هذا السياق، تقدمت القضايا الأمنية إلى صدارة إطار التعاون الثلاثي بين إسرائيل واليونان وقبرص، إلى جانب أجندة الطاقة المستمرة.

أ.ف.ب
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في مؤتمر صحافي مشترك عقب اجتماع ثلاثي في ​​القدس في 22 ديسمبر 2025

بالنسبة لليونان وقبرص، يكمن الحافز الأبرز في تعميق التعاون مع إسرائيل في قدراتها التكنولوجية والدفاعية المتقدمة، بما في ذلك الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي ونقل التكنولوجيا وروابط الاستثمار في القطاعات عالية التقنية. ولم يعد البعد الدفاعي ثانويا: فقد مضت اليونان قدما في صفقات كبيرة مع إسرائيل، منها أنظمة مدفعية صاروخية، كما أجرت محادثات بشأن مشاريع أوسع في الدفاع الجوي والصاروخي وسط توترات مستمرة مع تركيا. أما قبرص، فقد أُفيد بأنها تسلمت أجزاء من منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "باراك-MX"، وهي صفقة أثارت بالفعل اعتراضا تركياً حادا.

وقبيل القمة، تواترت معلومات حول عزم الشركاء الثلاثة إنشاء "قوة استجابة سريعة" مشتركة، لكن لم يُعلن عن أي مبادرة من هذا النوع. وبحسب ما نُقل، فقد نوقشت المسألة كمفهوم لكنها أُرجئت في نهاية المطاف، جزئيا لتفادي تعقيدات مع التزامات "الناتو"، وتجنب تصعيد غير ضروري مع تركيا، ومنع إشارات إقليمية غير مقصودة.

بالنسبة لليونان وقبرص، يكمن الحافز الأبرز في تعميق التعاون مع إسرائيل في قدراتها التكنولوجية والدفاعية المتقدمة

ومع ذلك، فقد وقّع ضباط عسكريون من الدول الثلاث في اليوم التالي للقمة خطة عمل مشتركة في نيقوسيا، إلى جانب برنامج تعاون عسكري ثنائي بين اليونان وإسرائيل. وتشمل العناصر المعلنة تدريبات مشتركة لوحدات العمليات الخاصة وتبادل الخبرات بشأن التهديدات المستجدة، بما في ذلك الأنظمة غير المأهولة، ولا سيما الطائرات المسيرة، والحرب الإلكترونية، فضلا عن جدول موسع لمناورات مشتركة برية وبحرية وجوية.

أ.ف.ب
قاطرة تركية بسحب السفينة التركية "مافي مرمرة" أثناء مغادرتها ميناء حيفا في طريق عودتها إلى تركيا، في الخامس من أغسطس 2010

كما أبرز القادة أهمية الأمن البحري، وأقروا إنشاء مركز تميز للأمن السيبراني البحري في قبرص، وربطوه مباشرة بحماية الممرات البحرية والبنى التحتية الحيوية، وهي هواجس تتقاطع مع ركائز الطاقة وأمن الطاقة اللذان طالما شكلا أساس المسار الثلاثي.

لقد أدى اكتشاف الغاز البحري– أولا قبالة إسرائيل ولاحقا قبالة قبرص– إلى تكثيف المنافسة والمساومات حول خريطة الطاقة في شرق المتوسط، على مدى ربع القرن الماضي. وفي المقابل، تطرح تركيا نفسها مركزا إقليميا رئيسا، بفضل موقعها الجغرافي وقربها وبنيتها التحتية القائمة، ما يجعلها ممرا مفضلا لنقل الغاز والنفط من روسيا وأذربيجان وآسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية.

أدى اكتشاف الغاز البحري– أولا قبالة إسرائيل ولاحقا قبالة قبرص– إلى تكثيف المنافسة والمساومات حول خريطة الطاقة في شرق المتوسط، على مدى ربع القرن الماضي

وقد شرعت إسرائيل وقبرص واليونان في البحث عن بديل لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط أنابيب يبدأ من إسرائيل، ويمر بقبرص وكريت، ثم يتصل باليونان، متجاوزا تركيا. وقد استُبعدت أنقرة أيضا من منتدى غاز شرق المتوسط التي تأسست عام 2020 بمشاركة قبرص واليونان وإسرائيل ومصر وعدد من الدول الأخرى.

ولكن المشروع المعروف باسم "خط أنابيب إيست ميد"، بطول 1900 كيلومتر بحري وبري، اعتُبر مكلفا وغير قابل للتنفيذ، ومع إعلان الولايات المتحدة أنها لن تدعمه، جرى تجميده عام 2022. لكن اليوم، ومع المناخ الذي أفرزته حرب أوكرانيا، تسعى الدول الثلاث إلى إحيائه.

أ.ف.ب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك في 19 سبتمبر 2023

كما شدد القادة المجتمعون في القدس على التزامهم بدفع مشروع الممر الاقتصادي (IMEC) المزمع أن يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي يبدأ من الهند، ويمر ببعض الدول العربية في الشرق الأوسط وإسرائيل، ليصل إلى قبرص ومنها إلى أوروبا عبر اليونان. وقد اتهمت الهند تركيا بالانحياز إلى باكستان وتزويدها بطائرات مسيّرة خلال النزاع العسكري في 2025، ما أدى إلى تدهور كبير في العلاقات بين البلدين.

وأعلن الثلاثي (إسرائيل-اليونان-قبرص) في بيانهم المشترك أهمية اجتماعاتهم بصيغة "3+1" بإضافة الولايات المتحدة. وفي حين تربط الرئيسين دونالد ترمب ورجب طيب أردوغان علاقة دافئة، وخاصة بعد أن أسندت إدارة ترمب لتركيا دورا خاصا في سوريا وغزة، فإن إسرائيل ترفض أي حضور تركي في سوريا، وتعارض بشدة أن يكون لأنقرة دور في الآليات المقترحة لغزة. ومن المرجح أن يثير نتنياهو هذه الاعتراضات خلال لقائه المرتقب مع ترمب في واشنطن نهاية ديسمبر/كانون الأول، كما يتوقع أن يقترح على الرئيس الأميركي أن تكون اليونان وقبرص بديلتين لتركيا في تنفيذ خطته ذات النقاط العشرين للسلام في غزة.

وفي المقابل، شدد مسؤول تركي، فضّل عدم ذكر اسمه، على أن محاولات اليونان وقبرص الضغط على تركيا عبر التقارب مع إسرائيل لن تؤدي إلا إلى الإضرار بالجهود الرامية لتحسين العلاقات الثنائية وإيجاد حل لقضية قبرص. ورغم أن إسرائيل وبعض الدول العربية في المنطقة قد تبدي تحفظات أو مخاوف من مشاركة تركيا، فإن الواضح أن اليونان وقبرص، بخلاف أنقرة، تفتقران إلى القدرات والاتصالات اللازمة للإسهام في جهود السلام. بل إن اصطفافهما إلى جانب إسرائيل يبدو بالنسبة لهما عبئا أكثر منه مكسبا.

font change