موت الاتفاق النووي مع ايران

موت الاتفاق النووي مع ايران

استمع إلى المقال دقيقة

تقف إيران على أعتاب مرحلة دبلوماسية واقتصادية جديدة مستعصية، بعد رفض مجلس الأمن قرار منع عودة العقوبات بأغلبية تسعة أصوات، وأربعة ضده وامتناع عضوين عن التصويت.

سيمهد هذا القرار الطريق إلى تطبيق "آلية الزناد" التي ستجدد عقوبات الأمم المتحدة المفروضة سابقا على إيران، وبدء العمل فورا بهذا الإجراء، الذي شكل أحد بنود الاتفاق النووي بين طهران والدول الست في عام 2015 في جنيف.

كانت الترويكا الأوروبية في وقت سابق، قد بدأت خطة مدتها 30 يوما لإعادة فرض العقوبات على إيران، بعد أن فشلت اتصالاتها الدبلوماسية في حل مسألة "عدم الامتثال الكبير" من جانب إيران، واتهمت الأخيرة بعدم الوفاء بالتزاماتها، وأنها تحاول الحصول على أسلحة نووية.

من المعروف أن اتفاق جنيف لم يفرض قيودا فنية على البرنامج النووي الإيراني فحسب، بل ربط رفع العقوبات في المجالات التي حددها مجلس الأمن في القرار 2231 بـ"آلية الزناد"، فأصبحت هذه الآلية هي الإطار القانوني والسياسي للاتفاق، والوثيقة القانونية التي تملك مفتاح حل الأزمة بين إيران والمجتمع الدولي ضمن بنود خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تضمنت أيضا السماح للأطراف الموقعة على الاتفاق بإعادة فرض العقوبات، إذا تبين لها أن إيران انتهكت بندا من بنوده.

وتتمثل عملية تفعيل هذه الآلية في أنه إذا ادعت إحدى الدول الموقعة على الاتفاق النووي أن إيران تحاول التملص من التزاماتها، يمكنها إحالة ادعائها إلى مجلس الأمن الدولي. وأهم ما يميز هذه الآلية، ويجعلها أداة فعالة، هو طبيعتها "التلقائية" و"غير القابلة للنقض"، وقد أدت هذه الميزة إلى تحويلها من آلية قانونية إلى أداة سياسية.

وبما أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن يتمتعون بحق النقض، فإن أي دولة تجد ضرورة في إعادة فرض العقوبات، يمكنها استخدام حق النقض ضد أي قرار يصدر لمنع إعادة فرضها، ونتيجة لذلك، فإن الإحالة التي قدمتها الترويكا الأوروبية، ستؤدي تلقائيا إلى إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة، بغض النظر عن الأصوات المعترضة، مثل روسيا والصين والجزائر وباكستان.

فور تفعيل "آلية الزناد" سيتم العمل بجميع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران قبل اتفاق جنيف، وستشمل العقوبات قطاعات حيوية ومجالات اقتصادية واسعة.

وستواجه إيران مجددا حظرا دوليا على شراء الأسلحة وبيعها، وقيودا صارمة على برنامجها النووي والصاروخي، وعمليات تخصيب اليورانيوم في منشآتها المعروفة، وسيتم تجميد أصول الكثير من المسؤولين والمؤسسات التابعة للنظام و"الحرس الثوري"، وتوسيع قائمة حظر السفر لشخصيات دبلوماسية وأمنية في النظام، كما ستخضع شركات الطيران والشحن بكل أنواعه للتفتيش، وستشهد حركة الصادرات والواردات، والقطاعات الصناعية والتجارية كافة قيودا صارمة.

المسؤولون الإيرانيون حتى الساعة ما زالوا يقللون من أهمية هذه الخطوة، ويدعون أن عودة العقوبات سيكون لها أثر نفسي أكثر من أثره الاقتصادي

علاوة على ذلك، تفعيل آلية الزناد بالنسبة إلى الشعب الإيراني، يعني عودة الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التي سادت قبل توقيع الاتفاق، ومما سيضاعف الضغط الاقتصادي ويزيد من حدة المعاناة هذه المرة، كما يتوقع الإيرانيون، موافقة مجلس الأمن على العقوبات. ذلك أن خطوة مجلس الأمن تضفي شرعية دولية على الضغوط، وربما ستفرض قيودا على دول حليفة لإيران مثل الصين وروسيا، التي تشكل العلاقات معهما متنفسا للشعب الإيراني.
المسؤولون الإيرانيون حتى الساعة ما زالوا يقللون من أهمية هذه الخطوة، ويدعون أن عودة العقوبات سيكون لها أثر نفسي أكثر من أثره الاقتصادي، بينما يرى اقتصاديون أن العقوبات ستؤثر على أداء السوق حتما، ويتوقعون أن تبدأ الشركات الأجنبية التي كانت حذرة في التعاون من قبل، بالانسحاب التدريجي، إضافة إلى توقعاتهم بانخفاض صادرات النفط، الذي سينعكس على سوق العملات الأجنبية، ويهدد بزيادة التضخم. 
وفي تقرير أعدته، توقعت غرفة التجارة الإيرانية، فور تفعيل "آلية الزناد"، إمكانية ارتفاع سعر الدولار الأميركي، ونسبة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وتنامي الإشارات السلبية في المجالات الاقتصادية كافة، بينما تحدثت الصحافة الإيرانية أنه على أثر قرار مجلس الأمن، شهدت السوق الإيرانية ارتفاعا ملحوظا في سعر صرف الدولار الأميركي، وانخفاضا في قيمة العملة الوطنية، كما ارتفعت أسعار بعض السلع خصوصا المستوردة، ومنها أنواع من الأدوية والمعدات الطبية.
هذا على المستوى الاقتصادي، أما على المستوى السياسي، فإن تفعيل "آلية الزناد" هو إعلان موت الاتفاق النووي رسميا، وإغلاق كل الأبواب الدبلوماسية بين إيران والغرب. ونتيجة ذلك من المحتمل أن تقرر إيران الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي، وبالتالي، أن تتصاعد التوترات في المنطقة.

font change