المسيرة الإشكالية والمتعرجة لفكرة الدولة الفلسطينية

الدوران في حقب متعددة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
نازحون فلسطينيون يسلكون طريق صلاح الدين من جنوب القطاع نحو شماله قرب النصيرات

المسيرة الإشكالية والمتعرجة لفكرة الدولة الفلسطينية

مع الزخم الكبير الذي باتت تحظى به فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع، يغيب عن إدراكات كثير من السياسيين والمهتمين، أن هذه الدولة كانت متاحة فعلا قبل حرب يونيو/حزيران 1967، أي طوال عقدين من النكبة، وأن الحركة الوطنية الفلسطينية، التي كانت انطلقت قبل تلك الحرب، لم تطالب بإقامة دولة فيهما، الأمر الذي يبين حجم الأثمان والآلام والمعاناة التي دفعت في هذا الاتجاه، ويبين مدى قصور السياسات العربية التي تحكمت في هذا الموضوع، والذي أفاد إسرائيل.

وفي الواقع فإن فكرة الكيانية الفلسطينية، المتمثلة بدولة في الضفة والقطاع، لم تكن واضحة، أو ناجزة، طوال مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وعمرها ستة عقود، إذ شهدت الكثير من العثرات، والتحولات، وهو ما يمكن ملاحظته وفقا للتحقيب الآتي:

الحقبة الأولى، ويمكن تعيينها في العقد الأول من تاريخ نشوء "منظمة التحرير الفلسطينية" (1964-1974)، والفصائل الفلسطينية، بخاصة حركة "فتح"، ففي تلك المرحلة تم تحديد الهدف بـ"تحرير فلسطين"، ورفض كل مشاريع الكيانية الفلسطينية، أو مشاريع التسوية، التي لا تتطابق مع ذلك الهدف.

وقد يفيد لفت الانتباه هنا إلى أن هذه الحقبة يتوجب تقسيمها إلى مرحلتين متمايزتين، قبل هيمنة الفصائل على المنظمة (1964-1969)، وبعدها (1969-1974)، وأيضا، قبل احتلال إسرائيل للضفة وقطاع غزة (1967)، وبعدها.

هيمنة فكرة التحرير

معلوم أن "منظمة التحرير" تأسست قبل حرب يونيو 1967 على "الميثاق القومي الفلسطيني"، الذي نصّ على هدف "التحرير"، وأن "فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني"... وأنها "بحدودها... في عهد الانتداب وحدة إقليمية لا تتجزأ"... وأن "الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه"... وأن "الشعب العربي الفلسطيني معبّرا عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا، ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها."... وأن "تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه، مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقّه الطبيعي في وطنه".

وفي الحقيقة فإن تلك المبادئ ظلت هي المتحكمة، في الفكر السياسي الفلسطيني، كما تمثلت في مجمل قرارات دورات المجلس الوطني الفلسطيني، في المرحلتين المذكورتين (من الدورة الأولى إلى الدورة 11).

بيد أن ثمة ما يجب ملاحظته، في تلك الحقبة، هو حصول تغير جوهري في التفكير السياسي الفلسطيني، بنتيجة التداعيات الناجمة عن حرب 1967، وبعد هيمنة الفصائل على المنظمة، إذ تم تغيير "الميثاق القومي"، الذي بات اسمه "الميثاق الوطني"، وتاليا تبلور فكرة الكيانية الفلسطينية المستقلة، عبر حذف المادة (24) من "الميثاق القومي"، وعدم تضمينها في "الميثاق الوطني"، وهي كانت تنص على الآتي: "ﻻ ﺗﻤﺎرس المنظمة أﻳﺔ ﺳﻴﺎدة إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ في المملكة اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ. وﻻ قطاع ﻏﺰة (التي كانت تدار من قبل مصر) وﻻ ﻣنطقة الحمّة (التي كانت تحت سيطرة سوريا)، وﺳيكون نشاطها ﻋﻠﻰ المستوى القومي اﻟشعبي في الميادين اﻟﺘﺤﺮﻳﺮﻳﺔ والتنظيمية واﻟﺴﻴﺎﺳية والمالية".

أ.ف.ب
الملك حسين ملك الأردن والرئيس المصري جمال عبد الناصر، وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات خلال اجتماع قادة الدول العربية في القاهرة، في 27 سبتمبر 1970

تلك المبادئ حول فكرة "التحرير" ظلت هي المتحكمة في الحقبة الأولى، في الفكر السياسي الفلسطيني

وفي النتيجة فإن المادة المذكورة كانت تشكل ثغرة كبيرة في التفكير السياسي الفلسطيني، ونقصا فادحا، في "الميثاق القومي"، وهي عبرت عن تخلّي الفلسطينيين عن حقهم ومسؤوليتهم عن أرضهم، بتركها للأنظمة المعنية، أي إن الفكر السياسي الفلسطيني لم يكن يتضمن بعدا كيانيا.

وفي ذلك فإن الحركة الوطنية الفلسطينية، آنذاك، حرمت من ممارسة أي نوع من السيادة في الضفة والقطاع (قبل احتلالهما عام 1967)، على الرغم من قيام "منظمة التحرير" بقرار من القمة العربية (1964)، إذ حصر النظام العربي الرسمي، حينها، مهمة المنظمة بالعمل من أجل تحرير فلسطين، وتعبئة شعبها من أجل ذلك. ومن جانب آخر فإن تلك الحركة، التي نشأت وصعدت في الخارج (خارج أرضها ومجتمعها)، وجدت نفسها مضطرة للخضوع، أو للتكيّف، مع الشرط الرسمي العربي، على اختلاف وتباين هذا الشرط بحسب كل بلد وسياساته وتوظيفاته. ففي تلك الظروف الصعبة والاستثنائية، ما كان بإمكان الفلسطينيين توليد حركة سياسية مستقلة، ولا تخليق وطنيتهم الخاصة، بحكم التجاذبات والتداخلات مع الواقع العربي السائد، بتنافساته ومزايداته. وفي مثل تلك الظروف، أيضا، ما كان بإمكان الحركة الوطنية الفلسطينية أن تعتمد على شعبها، بحكم غياب الحقل الاقتصادي/الإنتاجي المستقل، بقدر اعتمادها على المعونات الخارجية. 

أما "الميثاق الوطني"، فقد تجاوز تلك الثغرة، لكن بعد فوات الأوان، أي بعد احتلال إسرائيل للضفة وغزة ومنطقة الحمة، وبعد تمتع الحركة الوطنية الفلسطينية بهامش أوسع، بعد أن غدا الكفاح المسلح الفلسطيني، بمثابة حاجة لبعض الأنظمة للتغطية على الهزيمة. لذا في هذه المناخات تمت إضافة مادتين جديدتين، في مضامين تعكس صعود المقاومة الفلسطينية، وتعزز الفكرة الكيانية والوطنية عند الفلسطينيين. وقد تمثل ذلك في تأكيد "الميثاق الوطني" على "رفض كل أنواع التدخل والوصاية والتبعية". وأن "الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الأول والأصيل في تحرير واسترداد وطنه، ويحدد موقفه من كافة الدول والقوى على أساس مواقفها من قضيته، ومدى دعمها له في ثورته لتحقيق أهدافه". وكانت تلك البذرة الأولى لفكرة الكيانية الفلسطينية المستقلة.

في السياق ذاته، فقد تم شطب مادة في "الميثاق القومي" تعتبر أن "فلسطين وطن عربي تجمعه روابطه القومية العربية بسائر الأقطار العربية التي تؤلف معها الوطن العربي الكبير"، وذلك تأثرا بمناخات المرحلة القومية الناصرية وقتها، بحيث تم استبدالها في "الميثاق الوطني" بالآتي: "فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني، وهي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية"، بحيث إنها عكست في ذلك تعزّز إدراك الفلسطينيين لهويتهم الوطنية، ولخصوصية دورهم في مواجهة محاولات التغييب الإسرائيلية، دون أن يتناقض ذلك مع كونهم جزءا من الأمة العربية. 

أيضا، يسجل لتلك المرحلة أن الفكر السياسي الفلسطيني شرّع فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية في فلسطين من النهر إلى البحر، بحيث تشمل اليهود الذين كانوا في فلسطين قبل بدء الهجرة الاستعمارية والاستيطانية الصهيونية، وذلك بدءا من الدورة السادسة للمجلس الوطني (القاهرة- 1969)، والذي نص على أن "هدف الكفاح الفلسطيني... إعادة الشعب الفلسطيني إلى وطنه، وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني بعيدة عن كل أنواع التمييز العنصري والتعصب الديني...". وفي الدورة السابعة (القاهرة- 1970) اعتبر المجلس الوطني أن "هدف النضال الفلسطيني هو تحرير فلسطين كاملة ضمن مجتمع يتعايش فيه جميع المواطنين بحقوق وواجبات متساوية ضمن آمال الأمة العربية في الوحدة والتقدم". وتكرّر ذلك في الدورة الثامنة (القاهرة- 1971)، بشكل لافت، وفق الآتي: "إن الكفاح الفلسطيني المسلح ليس كفاحا عرقيا أو مذهبيا ضد اليهود. ولهذا، فإن دولة المستقبل في فلسطين المحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة". 

التحول نحو البرنامج المرحلي

بعد ذلك، أتت الحقبة الثانية في تطور التفكير السياسي الكياني الفلسطيني، وذلك بدأ من الدورة (12) للمجلس الوطني (القاهرة- 1974)، أي بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وبتأثير العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، وهو ما تمثل بقبول التعاطي مع الجهود السياسية المتعلقة بالتسوية، بالتحول عن هدف التحرير إلى هدف إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة (1967)، وفق ما بات يعرف بـ"برنامج النقاط العشر"، ثم "البرنامج المرحلي"، أو برنامج "الحرية والاستقلال". وكلها تعبر عن ذات المضمون.

اللافت أن ما سمي برنامج "النقاط العشر"، وقتها، اشتمل على تناقضات عديدة في مقدمته ونصوصه، إذ جاء فيه: "انطلاقا من الميثاق الوطني، ومن الإيمان باستحالة إقامة سلام دائم وعادل في المنطقة دون استعادة شعبنا لكامل حقوقه، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير مصيره على كامل ترابه الوطني"، يقرر:  

– تناضل "منظمة التحرير" بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها. 

 – تناضل "منظمة التحرير" ضد أي مشروع لكيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وحقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني. 

– إن أية خطوة تحريرية تتم، هي لمتابعة تحقيق استراتيجية "منظمة التحرير" في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية، المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة. 

عموما فقد اتّضح فيما بعد أن هذه الصياغة الملتبسة، كانت للتورية، ولإسكات المعارضة، أو تهدئة مخاوفها، أو للالتفاف عليها، إذ إن مقررات دورات المجلس، من 13-21، باتت تنصّ صراحة على أن كفاح الفلسطينيين بات يهدف لاستعادة الحقوق الوطنية التي أضحت تتمثل في "العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني" (الدورة 13- القاهرة، 1977)، علما بأن "ترابه الوطني" باتت تعني الضفة والقطاع المحتلين (1967). 

من المهم ملاحظة أن التفكير السياسي الفلسطيني في الحقبة الثانية كان يربط بشكل وثيق بين الحق بإقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع، مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني

وفي الدورة 19 للمجلس الوطني (الجزائر- 1988) والذي أطلق ما سمي بـ"هجوم السلام الفلسطيني"، و"إعلان الاستقلال"، فقد أكد المجلس "عزم منظمة التحرير... على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، في إطار ميثاق الأمم المتحدة، بما يضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الوطنية المستقلة على ترابه الوطني، ويضع ترتيبات الأمن والسلام لكل دول المنطقة"، "على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242، و338، وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها منذ عام 1967 بما فيها القدس العربية، وإلغاء جميع إجراءات الإلحاق والضم، وإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والعربية منذ عام 1967، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذا الشأن.

وحينها أعلن المجلس عن "تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين"... وتفويض "المجلس المركزي واللجنة التنفيذية" بتشكيلها، وفي المحصلة فقد كلف المجلس "اللجنة التنفيذية.. بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة، لحين إعلان تشكيل الحكومة، كما تم انتخاب ياسر عرفات رئيسا لدولة فلسطين".

ومن المهم ملاحظة أن التفكير السياسي الفلسطيني في تلك الحقبة كان يربط بشكل وثيق بين الحق بإقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع، مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي تم القطع معه لاحقا، بإعطاء أولوية لإقامة الدولة الفلسطينية، ولكيان السلطة، على حساب كيان المنظمة.

حقبة السلطة الفلسطينية

أما الحقبة الثالثة، والتي تمثلت بتحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة، بعد عقد اتفاق أوسلو (1993)، فقد شهدت تحول القيادة الفلسطينية نحو إعطاء أولوية لإقامة كيان سياسي فلسطيني، وعقد تسوية مع إسرائيل، من دون ضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ومن دون حل القضايا الأساسية للفلسطينيين التي تتضمن قضايا: اللاجئين، ومصير المستوطنات، والحدود، والقدس، والترتيبات الأمنية، ومن دون تحديد ماهية الحل النهائي، ومع تعزيز مكانة السلطة على حساب مكانة "المنظمة" التي تمثل كل الشعب الفلسطيني، وتعبر عن كل قضيته. 

عموما، فقد عبرت توجهات المجلس الوطني في هذه الدورة (الـ21- غزة- 1996)، وهي أول دورة له تعقد في الداخل، بعد إقامة السلطة، عن هذه الحال، إذ نصت في أحد قراراتها على أن "بناء وترسيخ السلطة الوطنية الفلسطينية... هو المهمة الأولى والرئيسة لشعبنا الفلسطيني، ولمجموع القوى والفصائل والأحزاب المنضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية. إن نجاح الشعب الفلسطيني وقواه في بناء وترسيخ السلطة الوطنية هو الشرط الموضوعي والمسبق، لاستكمال مهمة إجلاء القوات الإسرائيلية واستكمال العمل لتعزيز الكيان الوطني الفلسطيني الوليد وتطويره، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.. إن المجلس وفي ظل سلطتنا يؤكد على تركيز جهود الشعب الفلسطيني، وتجنيد إمكانياته وقدراته كلها في سبيل إزالة الاحتلال والاستيطان، وبناء السلطة وترسيخها على أساس احترام القانون والنظام، من أجل التعددية السياسية والطريق الديمقراطي".

لكن التحول الأهم الذي أحدثته هذه الدورة كان في قراره المتعلق "بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بما يتناسب مع المرحلة والظروف السياسية التي يمر بها الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية والعالم"، استنادا إلى "إعلان الاستقلال"، واتفاق أوسلو، الذي نشأت بموجبه السلطة، والذي نص على "إنهاء عقود من المواجهة والنزاع.. والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي وبكرامة وأمن متبادلين". وقد صوت المجلس على تعديل الميثاق بموافقة 504 أصوات ومعارضة 54 صوتا وامتناع 14 عضوا عن التصويت.

أ ف ب
الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين أثناء توقيع "اتفاق أوسلو" في سبتمبر 1993 في البيت الابيض

 

حصاد أوسلو كان سيئا جدا، إذ إن إسرائيل عملت، طوال تلك الفترة، على تقويض هذا الاتفاق، وتحجيم مكانة السلطة

بيد أن حصاد أوسلو، كان سيئا جدا، إذ إن إسرائيل عملت، طوال تلك الفترة، على تقويض هذا الاتفاق، وتحجيم مكانة السلطة، وفي تلك المرحلة، أي منذ 1994، عبر مضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية، وبناء جدار فاصل، وطرق التفافية، وأنفاق، ما أدى إلى تقطيع أوصال الضفة، وتغيير معالمها، الجغرافية والديموغرافية، وجعل الفلسطينيين في معازل، إضافة إلى ربط الضفة بشبكة من علاقات الاعتمادية على إسرائيل، في الماء والكهرباء والطاقة والتجارة والمصارف والمعابر وفي مختلف شؤون الإدارة، مع هيمنة أمنية، وإنشاء ميليشيات مسلحة للمستوطنين، في تكريس لواقع الاحتلال والضم والسيطرة المشددة.

أ.ف.ب
رجل أمام مبنى متضرر بعد غارة إسرائيلية على مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة في 6 سبتمبر/أيلول 2024

أما قطاع غزة فهو يشهد منذ عامين حرب إبادة جماعية وحشية، جعلته بمثابة منطقة خراب، غير صالحة للعيش، في محاولة من إسرائيل لفصله عن الضفة، والتخفّف من أكبر عدد من الفلسطينيين فيه.

وفي كل الأحوال، فإن هذه المرحلة، التي تشهد صعودا في شرعية الدولة الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي، فإنها تشهد على الأرض مسارا معاكسا، في توجه إسرائيل نحو معاودة احتلال الضفة والقطاع، وفرض السيادة عليهما، أو على 82 في المئة من الضفة، مع شطب القطاع نهائيا من المعادلة، وحصر السلطة الفلسطينية، في 18 في المئة من أراضي الضفة، كسلطة حكم ذاتي، ولو باسم دولة، على الفلسطينيين في المدن الفلسطينية.

الآن، أو بعد اليوم التالي لحرب الإبادة في غزة، يقف الفلسطينيون إزاء حقبة جديدة، في تاريخهم الوجودي في الأرض الفلسطينية، من النهر إلى البحر، وفي تاريخ حركتهم الوطنية، وفي صورتهم كشعب في العالم، وأيضا في شكل علاقتهم الصراعية مع إسرائيل، ولعله من المبكر التكهن بطبيعة هذه المرحلة، لأن الأمر لا يتوقف، فقط، على ما يفعله الفلسطينيون، لتدارك المخاطر المحيقة بهم، كشعب، وكحركة وطنية، وإنما يتوقف ذلك، أيضا، على كيفية تموضع العالم العربي، وعلى ردة فعل العالم على حرب الإبادة الإسرائيلية، وبالطبع على التحولات القادمة في إسرائيل ذاتها.   

font change

مقالات ذات صلة