في مقالتي لشهر يوليو/تموز (التي نشرت في 22 منه باللغة الإنكليزية، وفي 28 منه بالنسخة العربية)، تناولت ما كنت أرجو أن يتمخض عنه مؤتمر تسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ "حل الدولتين" الذي انعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك برعاية فرنسية-سعودية مشتركة. وكنت أعلم علم اليقين أنني أرفع سقف التوقعات عاليا.
ومع ذلك، لا بد من الإقرار بأن المؤتمر قد يعد خطوة مهمة أخرى قد تفتح الباب أمام احتمال إقامة الدولة الفلسطينية، وذلك للأسباب التالية:
أولا: أعاد المؤتمر "حل الدولتين" إلى دائرة الاهتمام فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعدما شهد هذا المفهوم تراجعا على الصعيد الدولي، وحتى بين الفلسطينيين أنفسهم. فقد انحسر الإيمان بهذا الحل بين الفلسطينيين بسبب عجزهم عن مواجهة سياسة الضم التدريجي التي تنتهجها إسرائيل، ما جعل إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة شبه معدومة. إلا أن هذا الواقع بدأ يتغير منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تبعه من أحداث. أما على المستوى الدولي، فتراجع الزخم لهذا الحل يعود إلى عجز المجتمع الدولي عن الرد على تحدي إسرائيل المستمر والمتعنت لكل مبدأ من مبادئ القانون الدولي.
ثانيا: دفع المؤتمر عددا من الدول المحورية إلى إدراك حتمية دعم إقامة دولة فلسطينية. فقد اضطرت معظم الدول التي كانت مترددة حيال هذه المسألة إلى اتخاذ خطوات إضافية لتوضيح مواقفها. وتأتي في مقدمة هذه الدول فرنسا، الراعي المشارك للمؤتمر، والمملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن الدولتين خيبتا الآمال بعدم استغلال المؤتمر لإعلان اعترافهما بالدولة الفلسطينية، إلا أن خطوتهما الإضافية في هذا الاتجاه لا يمكن الاستهانة بها. فقد أعلن الرئيس ماكرون أن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل، وهو ما يمثل محطة جديدة على الطريق الطويل والوعر نحو إقامة الدولة. كما أنه أتاح لإسرائيل فرصة أخيرة واعدة، لمراجعة موقفها لا بالأقوال فقط بل بالأفعال كذلك، وشجع عددا من الدول الأوروبية المترددة على التصريح بأنها تدرس الاعتراف بدولة فلسطينية.