في 22 سبتمبر/أيلول 2025، أعلن تحالف دول الساحل (SSA) - الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر– في بيان مشترك قراره بالانسحاب من نظام روما الأساسي، الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية (ICC).
وقدّم البيان مبررات واضحة، مفادها أن المحكمة تحوّلت إلى "أداة للضغط الاستعماري الجديد في أيدي الإمبريالية، ونموذج عالمي للعدالة الانتقائية"، وأنها "عجزت عن مقاضاة جرائم حرب مثبتة وجرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة جماعية وعدوان."
ووصفت غالبية وسائل الإعلام هذه الخطوة بأنها فعل جديد من "الأطفال المتمرّدين" في المجتمع الدولي، في سياق مسار معادٍ للغرب تتقاسمه هذه الدول مع روسيا ويستهدف زعزعة استقرار منظومة المؤسسات والتحالفات الدولية.
غير أن أهمية هذا القرار تتجاوز بكثير نطاق منطقة الساحل، فهو يُجسّد شرخا بنيويا عميقا في نظام العدالة الدولية، ويؤشر إلى تآكله وتدهوره. فقد كشف انهيار "النظام التشغيلي" للعدالة العالمية، الناتج عن فقدان احتكار التفسيرات القانونية، عن فشل منهجي واضح. ولم يعد يُنظر إلى معايير القانون الدولي باعتبارها عالمية، فيما أصبحت شرعية المؤسسات القانونية الدولية نفسها موضع نزاع وتآكل متواصل.
الإرث الإشكالي للمحكمة الجنائية الدولية
أُنشئت المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الأفراد المسؤولين عن أفظع الجرائم، وفي مقدمتها الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. أما محكمة العدل الدولية، التي تأسست عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فاقتصر اختصاصها على تسوية النزاعات بين الدول.
وجاءت فكرة إنشاء هيئة دائمة ذات ولاية عالمية استنادا إلى تجربة المحاكم الخاصة التي أنشأها مجلس الأمن، مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة عام 1993، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا عام 1994.
لكن المحكمة الجنائية الدولية ورثت، حتى قبل تأسيسها، المشكلات ذاتها التي عانت منها تلك الهيئات السابقة: العقوبات الانتقائية، التأثر بالضغوط السياسية، البيروقراطية، وضعف التواصل مع المجتمعات المحلية بما في ذلك الضحايا.