أصدرت محكمة العدل الدولية، الهيئة القضائية الرئيسة للأمم المتحدة، رأيا استشاريا تاريخيا بتاريخ 23 يوليو/تموز 2025 حمل القضية رقم 187 بعنوان "مسؤولية الدول في مواجهة التغير المناخي"، انتهت فيه إلى جواز مساءلة الدول قانونيا بسبب التغير البيئي والاحتباس الحراري الناتج عن انبعاثات الغازات الدفيئة أو أي ملوثات بيئية أخرى نتيجة أنشطة هذه الدول الصناعية، بحسبان أن ذلك يعد إخلالا بالمعاهدات البيئة وحق الإنسان في الحياة الصحية وبيئة نظيفة ومستدامة على الصعيدين الوطني والدولي، بالإضافة لتأكيد المحكمة على ضرورة تعاون الدول مع بعضها البعض وبذل العناية الواجبة للحد من الضرر البيئي.
ويمثل هذا الرأي نقطة تحول كبرى في القانون الدولي البيئي، بوصفه سابقة قضائية وتاريخية، بما له من انعكاسات بالغة على تشكيل العلاقة بين السيادة الوطنية ومسؤولية الدول عالميا في مواجهة أزمة المناخ وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها فتح الباب أمام الدول إلى إمكانية رفع دعوى قضائية ضد بعضها البعض أمام محكمة العدل الدولية استنادا إلى الأضرار البيئية والتغير المناخي.
وهو ما يطرح عدة تساؤلات جوهرية حول ذلك الموضوع، أهمها: ما هي اختصاصات محكمة العدل الدولية، وما الفرق بين ما تصدره من أحكام وقرارات وآراء استشارية؟ وما مدى إلزامية الآراء الاستشارية، وهل يمكن أن تُحدث أثرا قانونيا فعليا على الدول؟ وماذا يقصد بحقوق الإنسان البيئية؟ وهل تمثّل المسؤولية المناخية للدول تطورا في نظرية المسؤولية الدولية التقليدية أم قطيعة معها؟ وهل تُعد انبعاثات الغازات الدفيئة شكلا من أشكال الإضرار غير المشروع في القانون الدولي؟ وهل يؤدي الرأي الاستشاري إلى تحول في ميزان القوة بين الدول الصناعية والنامية؟ وما مدى إمكانية إقامة دعوى أمام المحكمة استنادا إلى هذا الرأي في حال ثبوت الضرر المناخي؟ وهل تُصبح الدول عرضة لما يمكن تسميته "المساءلة البيئية العابرة للحدود" على غرار المسؤولية عن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية؟
وكانت الحملة للحصول على هذا الرأي الاستشاري قد بدأت خلال عام 2019، بمبادرة بدأتها منظمة طلابية تسمى "طلاب جزر المحيط الهادئ لمكافحة تغير المناخ" تتكون من 27 طالبا من طلاب كلية القانون بجامعة جنوب المحيط الهادئ بدولة فيجي، وما لبثت أن تبنت الحملة عام 2021 حكومة دولة فانواتو باقتراح مشروع قرار لتقديم طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية لإبداء رأي استشاري. ومن الملاحظ أن دولتي فيجي وفانواتو دولتان أرخبيليتان من دول إقليم أوشيانيا (Oceania)، التي تتكون من مجموعة جزر متفرقة صغيرة في المحيط الهادئ، مهددة بالغرق نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، وسرعان ما لاقت الحملة تأييدا واسعا من باقي دول إقليم أوشيانيا والتي بدأت حملة موسعة في الأمم المتحدة لدعم اقتراح طلب إبداء الرأي الاستشاري، وقد نجحت جهود هذه الدول في جمع تأييد ما يزيد على 132 دولة، وقد تكللت هذه الجهود بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا لهذا الطلب وأصدرت قرارا رسميا برقم (A/77/L.58) في مارس 2023 "بطلب فتوى (رأي استشاري) من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول فيما يتعلق بتغير المناخ"، وقد تداولت المحكمة في ذلك الطلب حتى أصدرت فتواها غير الملزمة في يوليو 2025.