مصطلح "تغير المناخ" أداة في الصراع السياسي واللغوي

كيف يتلاعب كل من الحزبين الجمهوري والديموقراطي بالكلمات واللغة وصياغة التعبيرات

Nicola Ferrarese
Nicola Ferrarese

مصطلح "تغير المناخ" أداة في الصراع السياسي واللغوي

مع انعقاد مؤتمر المناخ في دولة الإمارات العربية (كوب28)، تتبادر إلى الذهن تساؤلات كثيرة، من بينها: ما المصطلح الذي يجب أن نستخدمه عندما نتحدث عن الكوارث المناخية التي يواجهها كوكبنا: هل هو "أزمة المناخ"، أم "تغير المناخ"، أم "ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية"؟

لماذا تتقاعس دول صناعية كبرى في فرض إجراءات يمكن أن تحد من بعض هذه الكوارث المناخية؟

ومن يتحمل تبعات الظواهر المناخية العاتية: هل الدول التي ساهمت بأنشطتها الصناعية في تفاقمها، أم الدول الفقيرة التي تكتوي بالفعل بحرائقها، وتغرق في فيضاناتها دون معين؟

وهل يستطيع القادة والسياسيون الذين سيحضرون جلسات المؤتمر الاتفاق على اتخاذ إجراءات سريعة لمواجهة تلك الكوارث، أم ستحول دون ذلك مطامع اقتصادية، وتوجهات سياسية؟

الحرائق كادت تلتهم بيته

يذكّرني انعقاد المؤتمر بما حدث للدكتور فرانك لانتز (Frank Luntz)، المستشار السياسي السابق للحزب الجمهوري الأميركي وخبير استطلاعات الرأي، قبل سنوات حينما كان في بيته في جنوب كاليفورنيا ذات صباح.

رن هاتفه في الساعة الثالثة والربع فجرا، مطلقا تحذيرا له بإخلاء البيت في الحال. ولمح لانتز ألسنة اللهب خارج نافذة غرفة نومه، إذ كانت نيران الحرائق التي اندلعت في لوس أنجلوس في ديسمبر/كانون الأول 2017 قد اقتربت من بيته.

EPA

منذ ذلك اليوم أصبحت أزمة المناخ بالنسبة إلى لانتز مسألة شخصية، وهو من صاغ مصطلح "تغير المناخ" ونصح الجمهوريين في الولايات المتحدة باستخدامه بدلا من "الاحتباس الحراري"، للتشكيك في مدى خطورة الظواهر المناخية.

لم تعد قضية المناخ بعد ذلك اليوم قضية عامة ينصح لانتز قادة الحزب الجمهوري في شأنها، فقد كاد يكتوي بآثارها. ذلك اليوم غيّر وجهة نظر لانتز في القضية. فكيف حدث ذلك؟

لا يوجد في الولايات المتحدة، وهي دولة صناعية كبرى، إجماع بين السياسيين إزاء قضية المناخ، إذ تتباين وجهات نظر الحزبين الكبيرين فيها

لا يوجد في الولايات المتحدة، وهي دولة صناعية كبرى، إجماع بين السياسيين إزاء قضية المناخ، إذ تتباين وجهات نظر الحزبين الكبيرين فيها، وهما الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي حيالها، كما تختلف في شأن قضايا أخرى كثيرة، مثل "الإجهاض"، و"امتلاك السلاح الشخصي"، و"الضرائب".

ليست الولايات المتحدة هي الدولة الصناعية الكبرى الوحيدة التي ظهرت فيها أصوات مشككة في ظواهر المناخ وأسسها العلمية، واتخذت مواقف سلبية من قضية البيئة، إذ علت مثل تلك الأصوات في البرازيل، خلال رئاسة الرئيس بولسونارو، وفي أوستراليا في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون.

 

لكني سأقصر الحديث هنا على الولايات المتحدة لأنها تساهم بقسط كبير في تفاقم أزمة المناخ، بوصفها أكبر دولة صناعية في العالم، ولأن الخلاف بين سياسيي الحزبين الجمهوري والديموقراطي فيها إزاء قضية المناخ أصبح قضية مهمة، خصوصا في فترة تولي الرئيس السابق دونالد ترامب منصب الرئاسة.

هذا الخلاف السياسي بين الحزبين في شأن المناخ، الذي لن نغالي إن قلنا إنه أصبح صراعا سياسيا، ينبع أساسا من اختلاف القيم التي يتبناها كل حزب منهما.

وجهة نظر الحزب الجمهوري

تعتمد وجهة نظر معظم الجمهوريين على أفكار أساسية عدة، أهمها:

١- التشكيك في إجماع العلماء تجاه قضية المناخ، وفحوى هذا الإجماع هو أن الأنشطة البشرية، من قبيل إحراق الوقود الأحفوري، هي المحرك الأساسي وراء ظواهر المناخ المتباينة. يتبع ذلك، لدى الجمهوريين، التشكيك في خطورة تغير المناخ، وإثارة الريبة في شأن ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة الظواهر المناخية.

٢- الاعتراض على تبني أي تدابير تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من قبيل ثاني أكسيد الكربون والميثان، والأوزون، ولهذا عارض الجمهوريون بعض السياسات، مثل خطة الطاقة النظيفة، ووضع معايير لاستهلاك الوقود في السيارات، التي نفذت خلال فترة رئاسة الرئيس باراك أوباما، للحد من انبعاثات الكربون.

٣- الترويج للوقود الأحفوري، بوصفه ضروريا للنمو الاقتصادي ولأمن الطاقة. بناء على ذلك، يعارض الجمهوريون أي سياسة تقيد استخراج الوقود الأحفوري واستخدامه.

٤- التركيز على أهمية النمو الاقتصادي، وإيجاد فرص عمل حتى وإن كان ذلك على حساب البيئة. ويرى الجمهوريون أن لوائح المناخ الصارمة يمكن أن تضر الشركات والاقتصاد.

٥- الدعوة إلى أن يكون للولايات المتحدة موقف مستقل في شأن الطاقة، دون مبالاة بمواقف الدول الأخرى، وتشجيع التركيز على إنتاج الطاقة المحلية، ومنها الوقود الأحفوري، وسيلة لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية.

أزمة المناخ برمتها ليست سوى أخبار كاذبة، بل هي علم زائف.

دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق

هذا لا يعني وجود تجانس تام بين أعضاء الحزب الجمهوري جميعهم تجاه ظواهر الاحتباس الحراري. إذ قد تختلف الآراء داخل الحزب بناء على اعتبارات إقليمية، ووجهات نظر الناخبين، والمعتقدات الفردية، بين ولاية وأخرى.

خير ممثل لموقف الجمهوريين بلا شك هو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي كان يصف تغير المناخ بأنه "خدعة". وهو الذي قال في تغريدة له في 2012 "مفهوم الاحتباس الحراري صاغه الصينيون لجعل الصناعة الأميركية غير قادرة على المنافسة". وهذا تصريح لا يدعمه أي دليل علمي.
وهو أيضا من قال بأسلوبه المعهود: "أزمة المناخ برمتها ليست سوى أخبار كاذبة، بل هي علم زائف".

وكان ترامب رجلا عمليا، إذ لم يكتف بالتصريحات، بل تجاوز ذلك إلى الفعل، فانسحب من اتفاق باريس في يونيو/حزيران 2017.

EPA
عامل يجرف الزجاجات البلاستيكية في شركة "T3 EPZ" المحدودة، وهي شركة محلية تقوم بإعادة تدوير الزجاجات البلاستيكية من البولي إيثيلين تيريفثاليت إلى رقائق "PET" للتصدير، في يوم البيئة العالمي في مشاكوس، كينيا، 5 يونيو 2023.

وصاغ ترامب سياسته في مجال الطاقة دعما لمبدأ الهيمنة الأميركية وتعزيز هذا المبدأ بجعل الولايات المتحدة مصدرا مستقلا لموارد الطاقة.

لذلك تراجعت إدارة ترامب عن بعض اللوائح البيئية التي كانت تهدف إلى الحد من الغازات الدفيئة. وأخذت تروج للوقود الأحفوري، كالفحم والنفط والغاز الطبيعي. 

ويُظهر هذا جليا موقف الجمهوريين الذي لا يؤمن بوجود أي خطر في ظواهر الاحتباس الحراري، ويرفض أدلة العلماء لأنها - من وجهة نظرهم - تضليل يخدم مصلحة معينة، كما يروجون.

وجهة نظر الحزب الديموقراطي

أما الديموقراطيون فيستند موقفهم على أفكار أخرى عدة، أهمها:

١- دعم اتفاق باريس بصلابة، وضرورة العودة إليه.

٢- الترويج لسياسات ترمي إلى تحويل الولايات المتحدة إلى اقتصاد طاقة نظيفة. وهذا يعني عمليا في كثير من الأحيان زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية.

للمزيد إقرأ: أنظمة الطاقة المستقبلية معقدة... وتحتاج إلى تعاون إقليمي

٣- التحكم في انبعاثات الغازات الدفيئة باتخاذ تدابير تنظيمية للحد من انبعاثات تلك الغازات في مختلف القطاعات، ومن بينها النقل والصناعة. ويفضي ذلك إلى وضع معايير خاصة بالانبعاثات للسيارات، وتشجيع التكنولوجيات النظيفة، والتحكم في انبعاثات محطات الطاقة.

٤- تأكيد أهمية الاستعداد لآثار تغير المناخ والتكيف معها، ومن ذلك حماية المجتمعات الضعيفة من ارتفاع مستوى سطح البحر، والظواهر الجوية المتطرفة.

حددت إدارة بايدن عام 2035 هدفا لها لبلوغ قطاع طاقة خالية من الكربون، وخفض الانبعاثات إلى صفر في 2050

٥- ربط قضية المناخ بالعدالة البيئية، بحيث تتحمل كل المجتمعات وطأة التأثيرات المناخية، وألا يقتصر ذلك على المجتمعات المهمشة.

٦- دعم الاستثمارات في البحث والتطوير العلمي لتعزيز تكنولوجيات الطاقة النظيفة، وتسريع وتيرة التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.

في ضوء هذه الأيديولوجيا رسم الرئيس جو بايدن سياساته بعد توليه الرئاسة. وكانت أولاها عودة الانضمام مرة أخرى إلى اتفاق باريس في عام 2021.

AFP

وأصدر عددا من الأوامر التنفيذية لتوجيه الهيئات الاتحادية إلى مراجعة لوائحها لتكون متماشية مع سياسات خفض الانبعاثات السامة، وتوجيه الاستثمارات إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتصنيع السيارات الكهربائية. 

وأكد بايدن اتباع الإجماع العلمي في شأن قضية المناخ، وسعت إدارته إلى الاستعانة بأصحاب الخبرات العلمية في وضع السياسات في هذا الصدد.

وحددت إدارة بايدن عام 2035 هدفا لها لبلوغ قطاع طاقة خالية من الكربون، وخفض الانبعاثات السامة إلى صفر في المئة في 2050.

خلاصة موقف الحزب الديموقراطي هي الشعور بالخطر الجاثم الذي يهدد البشرية بسبب ظواهر الاحتباس الحراري، والإيمان بالعمل الجماعي بين دول العالم لمواجهة هذا الخطر.

العناية السياسية بالتعبيرات المناخية

السؤال المهم هنا هو: كيف يعرض الجمهوريون والديموقراطيون سياساتهم وأيديولوجيتهم على الجمهور الأميركي لكسب أصواته في الحملات الانتخابية؟

هنا يأتي دور علماء اللغة وخبراء الاستطلاعات، الذين يصوغون المفاهيم بتعبيرات هادفة تخدم أيديولوجيا كل حزب. وسأقتصر هنا على الحزب الجمهوري.

ذكرت في بداية المقالة واحدا منهم، هو فرانك لانتز، الذي كان يكرس جهوده لخدمة الحزب الجمهوري وسياسييه. لانتز من مواليد عام ١٩٦٢، وقد درس التاريخ والعلوم السياسية في مرحلة البكالوريوس في جامعة بنسلفانيا، ثم حصل على الدكتوراه في السياسة في جامعة أكسفورد البريطانية، وكان معاصرا لبوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا السابق. وتناولت أطروحته للدكتوراه الحملات الانتخابية، وكانت أساس كتاب له نشر في عام ١٩٨٨ تحت عنوان "المرشحون والمستشارون والحملات: أسلوب وجوهر الانتخابات الأميركية". وهو يدعو السياسيين إلى الاهتمام بعناية بما يستخدمونه من تعبيرات خلال حملاتهم حتى يكونوا أكثر تأثيرا في الجماهير. 

من أبرز مساهماته في مجال التعبيرات التي صاغها للحزب الجمهوري تعبير "ضريبة الموت" بدلا من "الضريبة العقارية"، و"تغير المناخ" بدلا من "الاحتباس الحراري"، و"تخفيف (ألم) الضرائب - Tax Relief"، بدلا من "خفض الضرائب - Tax Cut".

يصف لانتز مجال عمله بأنه "إيجاد الكلمات التي تساعد عملاءه في تحويل اتجاهات الرأي العام في شأن قضية معينة أو مرشح ما، أو بيع منتجاتهم". ويصوغ لانتز تعبيراته مسترشدا بقيم الحزب الجمهوري، فالحزب يؤمن ببعض القيم التي يبني على أساسها سياسته. من هذه القيم "الحرية الفردية والشخصية"، "التدخل المحدود للحكومة"، "تشجيع النمو الاقتصادي"، و"تشجيع الشركات الخاصة وتقليص الضرائب" عن كاهلها. 

"تغير المناخ" بدلا من "الاحتباس الحراري"، و"تخفيف (ألم) الضرائب، بدلا من "خفض الضرائب"

في ضوء تلك القيم يرفض الحزب الإقرار بالفكرة القائلة بأن السبب وراء أزمة الاحتباس الحراري هو الأنشطة البشرية، ويرفض أيضا ما يقوله العلم، من أن ما يواجهه كوكبنا من كوارث حاليا، من قبيل العواصف والأعاصير، والفيضانات والحرائق، إنما هو نتيجة تغير المناخ، كما يقول معظم العلماء.
هذا الموقف المشكك في أزمة المناخ يدفع سياسيي الحزب الجمهوري إلى التهوين من إلحاح القضية، ومن خطورتها. ويدفعهم أيضا إلى رفض فرض سياسات معينة، مثل تحديد معايير معينة لاستهلاك الوقود في السيارات، لأن في ذلك - من وجهة نظرهم - تدخلا في الحريات الشخصية. 

بناء على تلك القيم أيضا يشجع الحزب الاستثمار في مجالات الوقود الأحفوري، لأن ذلك يزيد فرص العمل والنمو الاقتصادي، ويفتح المجال أمام الشركات الخاصة. 

AFP
مياه الفيضانات تغمر السيارات المتوقفة في مدينة هيو في وسط فيتنام في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

مذكرة سرية "مناخية-لغوية"

في عام 2001 كتب لانتز مذكرة سرية للحزب الجمهوري، كُشف عنها في ما بعد، أقر فيها بأن الحزب "خسر معركة الاتصالات في شأن البيئة"، وأن الرئيس الجمهوري الجديد، جورج بوش، عرضة للخطر، وحث سياسيي الحزب على نشر فكرة أنه لا يوجد إجماع علمي في شأن أخطار الغازات الدفيئة، بحسب ما ذكره أوليفر بيركمان في صحيفة "غارديان" (4 مارس/آذار 2003).

ودعا لانتز الجمهوريين في المذكرة إلى جعل فكرة الافتقار إلى اليقين العلمي في شأن المناخ فكرة أساسية في مناظراتهم حتى ترسخ في أذهان الجمهور، إذ لا تزال توجد فرصة لتحدي العلم بالنسبة إلى الجمهوريين.

وحثهم على تأكيد أهمية "التصرف فقط إذا توفرت الحقائق كافة"، وذلك تماشيا مع موقف البيت الأبيض المتمثل في رفض فرض أي قيود إلزامية على الانبعاثات، كما يقضي بروتوكول كيوتو، حتى يجري العلماء مزيدا من الأبحاث. 

للمزيد إقرأ: اعصار ليبيا... كوارث سياسية في كارثة طبيعية

لماذا آثر لانتز تعبير "تغير المناخ" على "الاحتباس الحراري"؟

نصح لانتز الحزب وسياسييه في المذكرة بعد ذلك بالتخلي عن تعبير "الاحتباس الحراري - global warming"، وأن يستبدلوا به تعبير "تغير المناخ - climate change".

ولكن، ما الفرق الجوهري بين المصطلحين الذي دفع لانتز إلى هذه النصيحة؟

يفيد تعبير "global warming" في الإنكليزية، أو "الاحتباس الحراري" في العربية، بوجود ظاهرة مناخية تتمثل في ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض فعليا. وهذه الظاهرة المناخية ليست محلية، بل ظاهرة عالمية تتأثر بتبعاتها بلدان كثيرة مختلفة في أنحاء العالم.

لكن هذا ما يسعى الحزب الجمهوري في سياساته إلى بث الشك في شأنه في أذهان الجمهور الأميركي، حفاظا على مصالح الشركات الكبرى التي تعمل في مجال النفط والغاز الطبيعي، والمحافظة على النمو الاقتصادي الذي قد يتضرر بتقليص استخدام الوقود الأحفوري.

وهنا تفتق ذهن لانتز عن تعبير جديد يتسم بأنه لا يثير في أذهان الجمهور صورة الحرارة المرتفعة، ولا الحرائق التي قد تنتج منها، بل يجرد قضية المناخ أصلا من جوهرها.

سياسات "محافظة على البيئة - conservationist"، بدلا من "بيئية – environmentalist"، لأن "معظم الناس" يعتقدون أن دعاة حماية البيئة أشخاص "متطرفون"

فرانك لانتز، المستشار السياسي السابق للحزب الجمهوري

فإذا استمع الجمهور الأميركي إلى تعبير "تغير المناخ – climate change"، لن يرسم ذهنه صورة محسوسة لأي ظاهرة مناخية، لأن كلمة "مناخ7" المستخدمة في التعبير كلمة عامة مجردة. كما أن كلمة "تغير" غير محددة الهوية، فهي لا تقول شيئا عن نوع هذا التغير. وباستخدام الجمهوريين لهذا التعبير سيضمنون رد فعل باردا حيّدته تلك الصياغة الذكية.  

وحض الحزب أيضا على وصف سياساته بأنها "محافظة على البيئة  - conservationist"، بدلا من "بيئية – environmentalist"، لأن "معظم الناس" - كما يقول - يعتقدون أن دعاة حماية البيئة أشخاص "متطرفون"، يتسمون بسلوكيات غريبة، تُنفر كثيرا من الناخبين. ونصحهم بتجنب الحديث عن قطاع الأعمال كلما أمكن ذلك حتى لا يرتاب الجمهور في نياتهم.

للمزيد إقرأ:  تغير المناخ أحد أكبر التهديدات الصحية في العالم

وكان لانتز قد نبههم إلى أن الصورة الشائعة عن الجمهوريين بين الأميركيين هي أنهم "يخضعون لنفوذ الشركات الكبرى التي لا يهتم أصحابها إلا بالربح".

ويشير لانتز في المذكرة إلى أن أي "قضية يمكن أن تكون مقنعة، حتى وإن افتقرت إلى الاعتماد على الحقائق، لكنها ستكون أكثر إقناعا إذا اعتمدت على العواطف، بدلا من سردها الحقائق بطريقة جافة". 
وتلقى استراتيجيو الحزب الجمهوري كلام لانتز بالترحيب - كما قالت مقالة "غارديان".

ظل تعبير "الاحتباس الحراري العالمي" يتردد في خطابات بوش فترة في عام 2001، ثم تضاءل حتى تلاشى تقريبا في عام 2002، عقب صدور مذكرة لانتز.

ندم لانتر... والإقرار بالعلم كفضيلة

وظل فرانك لانتز متمسكا بموقفه من قضية المناخ حتى واجه ألسنة النيران بنفسه وهي تقترب من بيته. وشعر لانتز وقتها بأن ظواهر المناخ المدمرة أصبحت حقيقة دامغة لا يمكن تجاهلها.

وروى ما حدث في شهادة له أمام مجلس الشيوخ في 2019، فقال: "أنقذ أفراد الإطفاء الشجعان في لوس أنجلوس منزلي، لكن الآخرين لم يحالفهم الحظ. ارتفاع مستوى سطح البحر، وذوبان القمم الجليدية، والأعاصير، أصبحت أكثر شراسة من ذي قبل".

للمزيد إقرأ: بريطانيا لا تتعامل مع قضية تغير المناخ كأولوية وطنية

وقال لانتز أمام لجنة المناخ في المجلس: "كنت مخطئا في عام 2001. وأرجو فقط أن تتوقفوا عن استخدام شيء كتبته قبل 18عاما، لأنه لم يعد دقيقا".

ويقر لانتز بالندم على صياغة مصطلح "تغير المناخ"، ويقول في مقابلة صحافية مع صحيفة "تايمز" البريطانية في مايو/أيار 2021: "لم أخطئ في الأمر فحسب، بل أريد إصلاحه".

font change

مقالات ذات صلة