سابع تعديل حكومي في الجزائر... بين كثرة الإخفاقات وتعثر الإصلاحات

الطريق نحو بناء الجزائر الجديدة

رويترز
رويترز
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اثناء مشاركته في منتدى سانت بيترسبورغ الاقتصادي في روسيا في 16 يونيو 2023

سابع تعديل حكومي في الجزائر... بين كثرة الإخفاقات وتعثر الإصلاحات

أعلن في الجزائر عن التشكيلة الكاملة للحكومة الجديدة التي يقودها الوزير الأول (رئيس الوزراء) سيفي غريب، وهي ثالث حكومة منذ بداية العهدة الرئاسية الثانية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والسابعة منذ اعتلائه رسميا سدة الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2019، وخلال هذه الفترة غيّر الرئيس أربعة رؤساء وزراء حتى الآن وهم: عبد العزيز جراد وأيمن بن عبد الرحمن ونذير لعرباوي وسيفي غريب.

وكما في كل مرة، فإن الأكاديميين والسياسيين يأملون أن تسهم هذه الخطوة في تحقيق هدفين رئيسين وهما: إبعاد المتراخين من الوزراء، ففي اجتماع لمجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 20 أكتوبر/تشرين الأول سجل الرئيس الجزائري "تراخيا في عزيمة العمل لدى بعض الوزراء وأمر باستفاقة الجميع وتحديد المسؤوليات وأن يكون المواطن هو الشغل الشاغل".

أما الهدف الثاني فيتعلق بطموح أن يؤدي استحداث حقائب وزارية وتعيين كفاءات وطنية جديدة إلى تحسين الأداء المؤسساتي الحكومي وهو ما سينعكس إيجابا على جودة الحياة اليومية للمواطن والخدمات المقدمة له.

لكن ثمة تساؤل مهم يطرح في كل مرة يتم فيها الإعلان عن أعضاء حكومة جديدة بموجب تغيير حكومي أجراه الرئيس وهو: هل تعاقب الحكومات وكثرتها يهدد مسار تنفيذ الأجندات الاقتصادية والمخططات التنموية والقيام بالإصلاحات السياسية والاجتماعية العميقة التي تندرج في إطار بناء الجزائر الجديدة؟

خلفيات الإقالة

جاءت إقالة نذير العرباوي (تم تعيينه خلفا لرئيس الوزراء السابق أيمن بن عبد الرحمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2023) في أعقاب حدثين بارزين أثارا موجة غضب عارمة محليا، يتمثل الأول في مصرع 18 شخصا وإصابة 24 آخرين في حادث سقوط حافلة لنقل المسافرين من أعلى جسر إلى مجرى وادي الحراش في الطريق الرابط بين المحمدية والهواء الجميل ببلدية الحراش (تقع في الضاحية الشرقية للجزائر العاصمة) وهي مأساة كشفت وبوضوح عن هشاشة منظومة النقل وضرورة التدخل العاجل لإعادة هيكلتها وفق رؤية شاملة ومستدامة.

أما الحدث الثاني فتمثل في هجرة سبعة أطفال قصر تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما، على متن قارب نزهة انطلق من سواحل العاصمة وبالتحديد من شاطئ "لابيروز" نحو إسبانيا مطلع الشهر الجاري، ولقد هزّ هذا المشهد المؤلم ضمير الرأي العام وأبان عن حالة يأس عامة في البلاد.

عدم استقرار الحكومات يبرز دائما تحت أسباب ودوافع متعددة

وإن كانت إقالة العرباوي جاءت تحت ضغوط اجتماعية فإن عدم استقرار الحكومات تبرز دائما تحت أسباب ودوافع متعددة، وقد بدأت معالم عدم الاستقرار الحكومي تظهر منذ حكومة عبد العزيز جراد الأولى (18 ديسمبر/كانون الأول 2019) والثانية التي استغرقت 7 أشهر و29 يوما (23 يونيو/حزيران 2020) والثالثة التي دامت 4 أشهر و16 يوما ليقدم استقالته بعد الانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت في 12 يونيو 2021 وخلفه أيمن بن عبد الرحمن (شغل سابقا منصب وزير المالية) أدار الحكومة في مرحلة صعبة مرت بها البلاد بسبب جائحة كورونا التي خلفت آثارا اقتصادية من بينها انخفاض عائدات المحروقات، ولم يستمر طويلا حيث أنهيت مهامه في نوفمبر 2023، وعين مدير ديوان الرئاسة نذير العرباوي خلفا له، ما يعكس التعاقب غير المسبوق على مستوى رئاسة الجهاز التنفيذي ناهيك عن عشرات الوزراء الذين أقيلوا خارج التعديلات الحكومية الكبيرة على غرار: وزير النقل السابق عيسى بكاي الذي أقيل في مارس/آذار 2022 لارتكابه "خطأ فادحا خلال ممارسته مهامه"، حسبما ورد في بيان الإقالة. وقبلها بأشهر تمت إقالة الوزيرين: وزير النقل لزهر هاني، ووزير الاتصال السابق عمار بلحيمر.

وعرفت كل وزارة من الوزارات التي يفوق عددها 30 وزارة، على الأقل تغييرين أو ثلاثة تغييرات لكل منها، حيث تداول على بعض الوزارات لا سيما السيادية منها من خمسة إلى ستة وزراء، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: وزارة النقل التي تداول عليها 6 وزراء، ووزارة المالية التي تداول عليها خمسة وزراء، بينما تداول على وزارة الفلاحة والتنمية الريفية خمسة وزراء أيضا ومن ثلاثة إلى أربعة وزراء على الداخلية والخارجية والصحة والصناعة.

تعثر الإصلاحات وكثرة الإخفاقات

في كل ظهور إعلامي له، لا يخفي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وجود مشكلات وإخفاقات في تطبيق تعهداته التي أعلنها في حملته الانتخابية الأولى والمتضمنة 54 بندا أو التي أعلنها في حملته الثانية، ويعترف بأن سياساته تواجه بمقاومة شرسة من طرف مجموعات يعتبر أنها محسوبة على ما يعرف في البلاد باسم "العصابة" (مصطلح يطلق على المرتبطين بمنظومة الحكم السابق).

أ.ب
البرلمان الجزائري

يقر محمد زناسني متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأمنية في حديثه لـ"المجلة" أن "التغييرات التي تجرى بين الفينة والأخرى تعكس أهمية السعي لتصحيح المسارات العامة وإعادة تعديل الرؤى إن ثبت خطؤها والتي يجب أن تستند لفلسفة حكم ورؤية فكرية شاملة للعمل السياسي والسوسيواقتصادي بهدف تشخيص جذور المشاكل للوصول للحلول المستدامة"، غير أنه يستطرد قائلا إن "الانعكاس التقني لتعاقب الحكومات يكون عميقا على البنية المؤسساتية للدولة واستقرارها على نهج التنمية الاقتصادية وبالتالي ترسيخ الأمن الاقتصادي".

وما تحتاجه الجزائر لتحقيق الأمن الشامل وفق المتحدث هو "تعزيز الاستقرار المؤسساتي للوزارات وهو الأمر الذي لم نلمسه على أرض الواقع مؤخرا"، فعلى سبيل المثال لا الحصر يشير إلى "فصل وزارة الطاقة والمناجم إلى: وزارة الطاقة والطاقات المتجددة، ووزارة المناجم والمحروقات. مع استحداث كتابة دولة مكلفة بهذه الأخيرة، عن الصناعة الصيدلانية مجددا"، وهذا يطرح حسب الباحث "إشكالات حول الأداء المؤسساتي الوزاري وكذا استقرار أنماط عمل المديريات المركزية والمديريات الفرعية وانعكاس ذلك على الأداء الحكومي وتجسيد مخطط العمل في الميدان ولذلك يجب على مؤسسة الرئاسة أن تنظر مليا في هذه النقطة مستقبلا".

وشمل التعديل الحكومي الأخير معظم الحقائب الاقتصادية، إذ أفرز تثبيت سيفي غريب في منصب الوزير الأول بعدما كان يشغل منصب وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني في حكومة العرباوي السابقة، وهو مؤشر كافٍ على رغبة الرئيس في الاعتماد على الكفاءات التكنوقراطية لتسريع وتيرة إنجاز المشاريع الاستثمارية الكبرى بهدف تنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدة النمو الاقتصادي.

شمل التعديل الحكومي الأخير معظم الحقائب الاقتصادية

وجاء التعديل بوجوه جديدة في الوزارات الاقتصادية إذ أسندت حقيبة وزارة التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية إلى آمال عبد اللطيف، والتي شغلت سابقا منصب المديرة العامة للضرائب، وعين يحيى بشير وزيرا للصناعة، بينما أسندت حقيبة الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية إلى عبد القادر جلاوي، وتولى ياسين المهدي وليد وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، فيما انتقل عبد الحق سايحي من وزارة الصحة إلى وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، أما وزير النقل سعيد سعيود فأسندت له حقيبة جديدة هي وزارة الداخلية مع احتفاظه بحقيبة النقل.

وبالنسبة للدكتور تلي عبد الله الأستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة أبو بكر بلقايد- تلمسان- فالحكومات التي تعاقبت لم تكن قادرة على إنجاز مشاريعها لأنها لم تعمر طويلا والوقت الممنوح لها غير كافٍ.

ويحصي المتحدث وجود 3 مظاهر سلبية لتعاقب الحكومات: المظهر الأول يبرز على المستوى الاقتصادي فتغير المسؤولين والوزراء قد يؤدي إلى توقف بعض المشاريع الكبرى لا سيما إذا تبنت الحكومة الجديدة نهجا مغايرا لسابقتها. والمظهر الثاني يمس المستوى الإداري فالتغيير المستمر للمسؤولين يؤثر على فعالية الإدارة وقدرتها على تحديد الأهداف بوضوح والعمل على تحقيقها ضمن نطاق زمني وموارد محددة. ويشمل المظهر الثالث المستوى الشعبي فكثرة التغييرات تولد عند المواطن خيبة أمل، مما يهز الثقة بالنخبة السياسية الحاكمة والشعور بعدم الاستقرار السياسي.

ويؤمن الدكتور سليمان ناصر الباحث الجزائري في مجال البنوك العامة وفي الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية خاصة بأن "تحقيق الإقلاع الاقتصادي المستديم مرتبط بأربعة جوانب، الأول: الاستقرار الأمني، وهو متوفر. الثاني: الاستقرار السياسي والمقصود به خلو البلاد من التشنجات السياسية والتي قد توصله إلى الانسداد السياسي. أما الثالث فيتمثل في الاستقرار التشريعي والقانوني، وهو ما يعني الابتعاد عن العبث بالقوانين والنصوص القانونية وتغييرها كل فترة قصيرة. ويتمثل الجانب الرابع والأخير في الاستقرار البشري، والمقصود به التخلي عن فكرة تغيير الوزراء كل بضعة أشهر".

ودون توفر هذه الجوانب الأربعة، يرى سليمان ناصر أنه "من غير الممكن إطلاقا الحديث عن التنمية الاقتصادية أو التفاؤل بالوصول إلى الإقلاع الاقتصادي"، وختم حديثه بالقول إن "الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد لا يحتمل المزيد من تجريب السياسات والأشخاص".

font change