الجزائر تتجاوز رسوم ترمب... النفط مفتاح الاقتصاد

أميركا تهدف الى رفع سقف التفاوض في مقابل فرص الاستثمار في الطاقة والمناجم

Shutterstock
Shutterstock

الجزائر تتجاوز رسوم ترمب... النفط مفتاح الاقتصاد

يتجه الوضع الاقتصادي في الجزائر نحو استيعاب صدمة التعريفات الجمركية المرتفعة التي فُرضت على السلع الجزائرية وبلغت نسبتها 30 المئة، وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع دول عربية أخرى مثل الخليج ومصر والمغرب ولبنان والسودان. إذ بلغت قيمة التعريفات الجمركية المفروضة على هذه الدول 10 في المئة، وهي النسبة الأدنى، في حين قاربت الرسوم المفروضة على الجزائر تلك المفروضة على الصين وسويسرا.

ومن يدقق في هذه النسبة يدرك أن الرسوم الجمركية مبالغ فيها، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الجزائر من الدول الناشئة وليست من الدول المنافسة اقتصاديا لواشنطن مثل الصين صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم. وهنا تطرح أسئلة ملحة: ما الدوافع والخلفيات الكامنة وراء القرار؟ وما أسباب التمييز؟ وعلى أي أساس حددت هذه الرسوم؟ وما التأثير الاقتصادي المحتمل لها؟

يجيب عن السؤال الأول الدكتور حمزة العرابي أستاذ المحاسبة والاقتصاد في جامعة البليدة 2 في الجزائر، ان "ترمب يفكر حاليا بعقلية رئيس جمعية رجال الأعمال الأميركيين أكثر منه بعقلية رئيس أميركا وهو رجل أعمال قبل أن يكون سياسيا".

 ثمة ما يُقرأ بين السطور بأن هدف التعريفات الأميركية المرتفعة على الجزائر هو رفع سقف التفاوض بخصوص فرص الشراكة والاستثمار في مجالات الطاقة والمحروقات والمناجم

وهو يسعى عبر هذه الرسوم إلى إعادة تموضع ذكية للولايات المتحدة في النظام التجاري العالمي، من خلال تعزيز نفوذ الشركات الأميركية في الخارج، ولو على حساب المستهلك الأميركي الذي سيدفع الثمن على المدى القصير الأجل. وبحسب التصريحات المتواترة من الخبراء والأكاديميين، تسعى الولايات المتحدة لتثبيت موطئ قدم في الجزائر التي تمثل اليوم سوقا واعدة في مجال الطاقة، وهو ما ورد على لسان جون أرديل، نائب رئيس "إكسون موبيل"، خلال كلمة ألقاها لمناسبة انعقاد فاعليات "المنتدى الأميركي الجزائري" في مدينة هيوستن الأميركية في سبتمبر/أيلول الماضي، إذ أبدى نية الشركة الاستثمار الطويل الأجل في الجزائر.

.أ.ف.ب
صورة جوية تظهر مدينة الجزائر القديمة القريبة من الميناء، 25 أغسطس 2022

بناء على ما سبق، ثمة ما يُقرأ بين السطور بأن الإجراء ما هو إلا لرفع سقف التفاوض في شأن فرص الشراكة والاستثمار في مجالات الطاقة والمحروقات والمناجم. وشهدت الجزائر في الفترة الأخيرة توافد كبار مسؤولي شركات الطاقة الأميركية إليها وتحديدا "شيفرون" و"إكسون موبيل" لبحث فرص الشراكة والاستثمار في هذه المجالات، وقد حظوا جميعهم باستقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون واتفق مبدئيا على بدء التفاوض ومباشرة العمل.

رسالة ترمب الى الرئيس الجزائري

أبلغ الرئيس ترمب نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في التاسع من يوليو/تموز الماضي، في رسالة رسمية، أنه "قرر فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 30 في المئة على الصادرات الجزائرية غير النفطية إلى الولايات المتحدة"، بعدما كانت خاضعة لمعدل 18,9 في المئة سابقا، مؤكدا أنه سيبدأ بتنفيذ القرار في أغسطس/آب الجاري، مما يضع الجزائر أمام موقف دقيق، إذ إن أي إجراء مماثل من جانبها قد يقابل تلقائيا بمزيد من التصعيد في الرسوم الأميركية.

وقال ترمب في رسالته إنه "يرجى تفهم أن نسبة 30 في المئة أقل بكثير مما هو مطلوب لتصحيح الفجوة في العجز التجاري بين بلدينا. وكما تعلمون، لن يتم فرض أي رسوم جمركية إذا قررت الجزائر، أو الشركات داخل بلدكم، بناء أو تصنيع منتجات داخل الولايات المتحدة، بل سنبذل كل جهد ممكن للحصول على الموافقات بسرعة واحترافية وبشكل روتيني، وفي عبارة أخرى، في غضون أسابيع قليلة".

وشدّد ترمب على أنه "إذا قررتم، لأي سبب كان، رفع رسومكم الجمركية، فستضاف النسبة التي تختارونها لرفع هذه الرسوم إلى الـ30 في المئة التي نفرضها. ويُرجى تفهم أن هذه الرسوم ضرورية لتصحيح سنوات كثيرة من السياسات الجمركية وغير الجمركية، والحواجز التجارية الجزائرية التي تسببت في عجز تجاري غير مستدام ضد الولايات المتحدة".

الرسوم مسألة سيادية تخص أميركا، والمعني بها المستهلك هناك، وصادراتنا إلى أميركا نسبتها ضعيفة وتمثل 0,5 في المئة من الصادرات الإجمالية للجزائر، وهي مسألة لا تستحق أن ندخل بشأنها في معركة

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

وأوضح ترمب أن العجز الذي يتحدث عنه "يشكل تهديدا خطيرا لاقتصادنا، بل وأمننا القومي!".

ما سر السكون الجزائري؟

الجزء اللافت في موضوع التعريفات الجمركية الأميركية التي فُرضت على المنتجات الجزائرية المصدرة إلى الأسواق الأميركية، والتي استرعت اهتمام الصحافة والرأي العام الجزائري فور إعلانها، هو الارتدادات المحتملة لها. فعلى نقيض التحركات القائمة في معظم الدول المعنية بهذه الرسوم من أجل خفضها أو إلغائها، يخيم السكون على المشهد الاقتصادي لسبب واحد وهو أن تبعات هذه التعريفات الجمركية ستكون ضعيفة على الاقتصاد الجزائري لأن الصادرات الجزائرية نحو واشنطن ليست مرتفعة. ووصف الرئيس تبون في حوار بثه التلفزيون الجزائري منتصف يوليو/تموز الماضي القرار الأميركي بأنه "مسألة سيادية تخص أميركا، والمعني بها المستهلك هناك، وصادراتنا إلى أميركا نسبتها ضعيفة وتمثل 0,5 في المئة من الصادرات الإجمالية للجزائر، وهي مسألة لا تستحق أن ندخل بشأنها في معركة".

Shutterstock
البنك المركزي الجزائري في مدينة سطيف، 19 أكتوبر 2023

تكشف آخر الأرقام الصادرة عن الجمارك الجزائرية في يوليو/ تموز 2025 أن واشنطن جاءت في المرتبة الخامسة في ترتيب الشركاء الاقتصاديين للجزائر خلال النصف الأول من 2022، إذ إن 5,75 في المئة من قيمة الصادرات التي بلغت نحو 26 مليار دولار، وُجهت إلى أميركا.

ارتدادات الركود على أسعار النفط

تشمل الصادرات الجزائرية إلى الولايات المتحدة بشكل أساس منتجات الطاقة وفي مقدمها الغاز الطبيعي المُسال، ثم يأتي النفط الخام، إذ أظهرت آخر إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية ارتفاع الصادرات الجزائرية من النفط الخام ومشتقاته إلى نحو 5,7 ملايين برميل في الربع الأول من 2025. بالإضافة إلى تصدير الحديد والصلب، الذي يُعتبر أحد المصادر الرئيسة لواردات الحديد الأميركية، وكميات أخرى من المنتجات الزراعية مثل التمور والأسمدة من اليوريا والفوسفات المعالج والأمونيا. ومن بين ما تصدره الجزائر إلى أميركا أيضا مادتا الكلينكر والإسمنت بنوعيه الأبيض والرمادي، وصُدّرت أكبر حمولة انطلاقا من ميناء عنابة نحو أميركا في مايو/أيار 2024، حيث قُدرت بـ 46 ألف طن من الإسمنت.

الجزائر لن تتأثر بالتعريفات الجُمركية المفروضة عليها، بل بالرسوم المفروضة على كل دول العالم والتي ستؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي يهوي بأسعار النفط، وهو ما سيؤثر على مداخيلها من صادرات المحروقات التي تقدر بنسبة 92 في المئة من الصادرات

جلال بوسمينة، محلل مالي واقتصادي

خلاصة القول، بحسب المحلل المالي والاقتصادي جلال بوسمينة، إن "الجزائر لن تتأثر بالتعريفات الجمركية المفروضة عليها، بل بالرسوم المفروضة بشكل عام على كل دول العالم والتي ستؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي عالمي يهوي بأسعار النفط وهو ما سيؤثر على مداخيلها من صادرات المحروقات التي تقدر بنسبة 92 في المئة من الصادرات"،

وهناك اليوم إجماع دولي قوي على أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ستضغط على موازنات الأسواق الناشئة المصدرة للنفط، ويمكن الإشارة إلى دول الخليج ونيجيريا وأنغولا والمكسيك، وكولومبيا والبرازيل وفنزويلا.

Shutterstock
مقر شركة "سوناطراك" للطاقة، في مدينة وهران، 21 سبتمبر 2017

وانحاز أستاذ الاقتصاد في جامعة ورقلة الحكومية (جنوب)، سليمان ناصر، إلى الطرح نفسه، فما يجب التركيز عليه اليوم وفق المتحدث هو "كيف ستؤثر الرسوم الجمركية الأميركية على أسواق النفط، وليس الـ30 في المئة المفروضة على الصادرات الجزائرية إلى واشنطن لأن نسبة التصدير ضعيفة جدا خارج قطاع المحروقات، والأخيرة غير معنية بتلك الرسوم".

برميل النفط الجزائري الى 61 دولارا

واستعرض بوسمينة بعض الأرقام الحديثة الخاصة بأسواق النفط حيث وصلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من 3 سنوات مباشرة بعد اعلان الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين في أبريل/ نيسان الماضي، إذ انخفض سعر برميل النفط الجزائري إلى حدود 61 دولارا، وسعر السوق الذي بُنيت عليه موازنة 2025 هو 70 دولارا، وهو ما يعني أن الحكومة الجزائرية كانت تتوقع فائضا وعادة يتجه هذا الفائض إلى صندوق ضبط الإيرادات ليساهم في تغطية العجز.

تنويع الشراكات خيار استراتيجي

في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية العالمية والحروب التجارية التي تقودها إدارة ترمب اليوم، يواجه الاقتصادي الجزائري سؤالا ملحا: ما هي الأخطار التي تنطوي عليها الرسوم الجمركية؟

يجُمع خبراء اقتصاديون جزائريون أن ثمة حاجة واضحة وملحة إلى حلول ملموسة ومستعجلة أولها: توفير قائمة بديلة من المستثمرين غير الأميركيين في المنتجات المعنية بسيف الحمائية الذي أشهره ترمب حتى يُفرغ التهديد من محتواه، مع التركيز على "تنويع الشراكات الاستراتيجية" مع القارة السمراء وأميركا اللاتينية وآسيا، وهذا التوجه أصبح جزءا من رؤية الجزائر الاقتصادية (2020-2030)، وقد نجحت فعلا في الانسلاخ عن فرنسا. فمن يتابع العلاقات الاقتصادية بين البلدين يرى بوضوح تراجعا في حصتها أمام الصين وإيطاليا وألمانيا وبدرجة أقل إسبانيا. وتملك الجزائر أوراقا رابحة لإنجاح مسار تنويع أسواقها، وستكون وجهتها المقبلة دول "آسيان" مثل أندونيسيا وماليزيا وفيتنام وتايلاند، وذلك بعد انضمامها إلى معاهدة الصداقة والتعاون لدول جنوب شرق آسيا، نظرا لكون "آسيان" تُعتبر اليوم خامس أكبر اقتصاد عالمي بناتج محلي يبلغ 3,8 تريليونات دولار، وسيفتح ذلك آفاقا واسعة لبناء علاقات اقتصادية ندية ومتوازنة.

font change