السعودية توسع قاعدة الاستثمار... الثقافة تنضم إلى صفوف القطاعات المحورية

نهضة ثقافية بنكهة اقتصادية

واس
واس
جانب من جلسات مؤتمر الاستثمار الثقافي بحضور وزير الإقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم، بجانب وزير الاستتمار خالد الفالح، في الرياض 30 سبتمبر 2025

السعودية توسع قاعدة الاستثمار... الثقافة تنضم إلى صفوف القطاعات المحورية

خلال الأعوام السبعة المنصرمة، شهدت السعودية تحولا لافتا في نهجها، إذ أصبحت لغة الأرقام محورا رئيسا في سياساتها في مختلف القطاعات، من التجارة والسياحة إلى الثقافة والرياضة. ولم يعد في الإمكان التفاوض مع المسؤولين السعوديين من دون الرجوع إلى البيانات والمؤشرات بوصفها قاعدة انطلاق وأداة تقييم لجدوى أي استثمار قبل الشروع في تنفيذه.

يلعب القطاع الثقافي دورا محوريا في تعزيز مسار القطاعات الأخرى، لا سيما الاقتصاد، إذ يصعب جذب المستثمرين الأجانب إلى السعودية من دون اطلاعهم على الطابع الثقافي للبلاد واختلاف مناطقها، بما يتيح لهم فهم الفرص والاحتياجات المحلية. وعملت المملكة خلال الأعوام السبعة المنصرمة على إبراز معالم الثقافة الوطنية خصوصا تلك التي لم تحظ بالاهتمام على النحو الذي يضاهي أهميتها، واستثمارها على النحو الأفضل. على سبيل المثل، تزخر محافظة العلا بمعالم تاريخية وسياحية، وتملك آثارا تعد مرجعا أساسيا للمؤرخين والباحثين العمرانيين في دراسة الحضارات التي استوطنت الجزيرة العربية، وقد كثفت العمل عليها بتطويرها وتهيئتها لاستيعاب مزيد من المشاريع، من خلال برامج وخطط عملت عليها الهيئة الملكية للعلا، الأمر الذي ساهم في توفير نحو 7,700 وظيفة واستقطاب أكثر من 740 ألف زائر منذ عام 2018.

بلغ إجمالي إنفاق الرياض على القطاع الثقافي منذ انطلاق "رؤية 2030"، 81 مليار ريال (نحو 22 مليار دولار)، وقد بدأ هذا الإنفاق يترجم عمليا على الأرض خلال السنوات القليلة المنصرمة. فأنشئت أجهزة وهيئات متخصصة لتكون البوصلة والوجهة للأموال المخصصة لتنمية القطاع، الذي كان يعتمد سابقا على مبادرات العاملين فيه والمهتمين به، التي كانت تحدث انتعاشا بسيطا للقطاع بين حين وآخر، لكن دون تحقيق استدامة له على المدى الطويل. في هذا الإطار، اعتمدت وزارة الثقافة استراتيجيا لضمان استمرار جهود المنظمات غير الربحية، سواء عبر الدعم المباشر أو توفير الاحتياجات والخطط اللازمة، بالإضافة إلى التعاقد مع منظمات وخبراء مختصين.

بلغ إجمالي إنفاق الرياض على القطاع الثقافي منذ انطلاق "رؤية 2030"، 81 مليار ريال (نحو 22 مليار دولار)

دأبت المملكة في الأعوام المنصرمة على إطلاق تسمية تميز كل عام مستوحاة من موروثها الثقافي، مثل العام المنصرم الذي حمل إسم "عام الإبل"، والسنة الجارية المخصصة للحرف اليدوية، وذلك بهدف التعريف بأسس الثقافة الوطنية والتذكير بها. يترافق ذلك مع توجيه الطاقات وتنظيم الفاعليات المرتبطة بهذه التسمية، سواء المؤتمرات أو المسابقات المحلية والعالمية، التي يتمخض عنها إطلاق مشاريع عديدة تشمل البيع والشراء وافتتاح جمعيات ومنظمات متخصصة.

عوائد ثقافية مضاعفة

يعد مؤتمر الاستثمار الثقافي، الذي نظمته وزارة الثقافة في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض يومي 29 و30 سبتمبر/أيلول، وانعقد للمرة الاولى على مستوى المملكة، محطة جديدة في مسار القطاع الثقافي، تفتتح مرحلة الاستثمار المحلي والأجنبي. وخلال فاعليات المؤتمر، أعلن وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان إنشاء جامعة الرياض للفنون، مشيرا إلى ارتفاع مساهمة القطاع الثقافي في الناتج المحلي إلى 1,6  في المئة، في حين تسعى الرياض إلى رفع مساهمة القطاع في الموازنة العامة إلى 3 في المئة المئة في حلول عام 2030.

.أ.ف.ب

من جهته، أوضح وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح أن عدد المستثمرين الأجانب في القطاع الثقافي وصل إلى 1,700  مستثمر، أنفقوا نحو 500  مليون دولار في مختلف الأنشطة الثقافية. وأضاف "لدينا 40 فرصة استثمارية مدرجة في القطاع، يصل عائد بعضها إلى نحو 20 في المئة".

وأكد وزير التخطيط والاقتصاد، فيصل الإبراهيم، على جدوى الاستثمار في القطاع الثقافي، مشيرا إلى أن "كل دولار يُستثمر في القطاعات الثقافية يحقق عائدا مضاعفا يصل إلى 2,5 دولار، ويساهم في دعم الاقتصاد من خلال توفير آلاف الوظائف، إذ يعمل حاليا في المجال نحو 235  ألف شخص، إلى جانب عشرات الآلاف من الطلبة الذين يتم تأهيلهم سواء بتقديم الدعم أو التدريب".

إن ما يتم إنفاقه على الصناعات الإبداعية عالميا يقدر بنحو 4,3 تريليونات دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف اقتصاد المملكة، وهذا يوضح كمية الفرص التي لا تزال أمامنا في مسار تنمية القطاع

وزير التخطيط والاقتصاد، فيصل الإبراهيم

وقال الإبراهيم إن "ما يتم إنفاقه على الصناعات الإبداعية عالميا يقدر بنحو 4,3 تريليونات دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف اقتصاد المملكة، وهذا يوضح كمية الفرص التي لا تزال أمامنا في مسار تنمية القطاع".

وأشار إلى أهمية الاستثمار في الحقل الثقافي موضحا انها "لا تقل أبدا عن ضرورة الاستثمار في القطاعات الأخرى مثل الدفاع والتعليم والصحة أو غيرها من القطاعات الخدمية". وتزامن ختام أعمال مؤتمر الاستثمار الثقافي مع انطلاق معرض الرياض للكتاب السنوي، الحدث الثقافي الأكبر في المملكة، الذي يستمر على مدى عشرة أيام بمشاركة نحو 2,000 دار نشر.

واس
توقيع اتفاقية بين وزارة الثقافة مع وزارة السياحة، على هامش مؤتمر الاستمثار الثقافي في مركز الملك فهد الثقافي وسط الرياض، 30 سبتمبر 2025

في هذا السياق، قال فهد العودة، المدير التنفيذي لوكالة "كلمات"، في حديث الى "المجلة": "قدمت هيئة الأدب والنشر العديد من الفرص لدعم الأدب السعودي، ليكون لها انتشارها الفكري بما يضمن عوائد مادية مستدامة، وقد وصل دعمها الى المطابع لإرساء صناعة واعدة تسهل عملية التنظيم المادي والرقابي، بداية من تطوير النشر وصولا إلى محاربة السوق الموازية، وهي نقطة جذب للاستثمار". وأضاف أن "هذه الفرص لم تكن لتُوجد لولا تشريعات مختلف الهيئات وتعاونها. ولأن الثقافة إحدى ركائز تنمية السياحة وبقية القطاعات، فقد شهدت دعما واسعا، ابتداء من برامج الصندوق الثقافي وانتهاء بالتنظيمات الضامنة للحقوق".

صناديق دعم بالجملة لتنمية القطاع 

 وشهد المؤتمر  توقيع نحو 89 اتفاقية بلغت قيمتها نحو خمسة مليارات ريال، أبرزها إعلان منتج هو الأول من نوعه للتمويل المشترك( Co- ledi) بالتعاون مع مؤسسات مالية بميزانية بلغ حجمها مليار ريال. وكشف الصندوق الثقافي عن تمويل صفقة يتم بموجبها إنشاء مجموعة الأصول الثقافية وتخصيص صندوق خاص بها بحجم 850 مليون ريال.

وخلال فعاليات المؤتمر، أعلن تأسيس صندوق ثان لدعم قطاع السينما السعودية بميزانية تبلغ 375 مليون ريال (100 مليون دولار)، بإدارة شركة "إس. إف. كابيتال"، وبتمويل من الصندوق الثقافي كمستثمر رئيس، إلى جانب التعاون مع إحدى أبرز شركات صناعة الأفلام عالميا. ويضاف هذا الصندوق إلى صندوق "ريفيرا كونتنت"  (الصندوق السعودي للأفلام سابقا) الذي أُطلق العام المنصرم بالحجم نفسه، لتصل القيمة الإجمالية للصندوقين معا إلى 750 مليون ريال (200 مليون دولار).  كذلك، أطلق صندوق آخر بقيمة 150 مليون ريال (40 مليون دولار) للاستثمار في مختلف المشاريع الخاصة بالقطاع الثقافي.

لا تزال القطاعات المرتبطة بالثقافة تحمل في طياتها المزيد من الفرص الاستثمارية، منها الاستثمار في البنية التحتية المتطورة والتجهيزات التقنية، والخدمات المرافقة والمتنقلة للزوار، والتراث الثقافي المحلي والسياحة الثقافية

حسان طاهر، مدير متحف "ذات نخل" وعضو إدارة الـ"إيكوم" السعودي

وأوضح حسان طاهر، مدير متحف "ذات نخل" وعضو إدارة الـ"إيكوم" السعودي، في حديث الى "المجلة"، أن "المتاحف تعد أحد أبرز عناصر القطاع الثقافي التي تسعى "رؤية المملكة 2030" إلى تنمية مساهمتها في الناتج المحلي، وبالتالي توفير فرص عمل، وتنويع مصادر الدخل، وجذب مزيد من الفرص الاستثمارية عبر السياحة الثقافية".

وأضاف طاهر أن "وزارة الثقافة أعلنت خططا لإقامة مشاريع عدة، منها ما تم الانتهاء من تدشينه ومنها ما يتم العمل على تنفيذه. على سبيل المثل، المتحف الوطني ومتحف قصر المصمك، والبدء بإنشاء متاحف عدة، منها متحف الذهب الأسود في الرياض، المتعلق بتاريخ النفط، ومتحف الفن السعودي للفن المعاصر في حي جاكس".

رويترز
قصر المصمك التاريخي وسط العاصمة السعودية الرياض، 31 مايو 2023

ولفت طاهر إلى "أهم القطاعات ذات العلاقة بالثقافة التي لا تزال تحمل في طياتها المزيد من الفرص الاستثمارية، منها الاستثمار في البنية التحتية المتطورة والتجهيزات التقنية، والخدمات المرافقة والمتنقلة للزوار، والتراث الثقافي المحلي والمناطقية، والسياحة الثقافية".

يساهم القطاع الثقافي السعودي، الذي يتنامى دوره يوما بعد يوم، في مسيرة النهضة التنموية والاجتماعية، إذ لا يمكن المضي قدما نحو التغيير والتطوير دون تعزيز مسار الثقافة في البلاد الذي يضم اقتصادا خاصا به، يشمل مجموعة من المجالات مثل السينما والتراث والموسيقى وغيرها، وهي مجالات يمكن تأخذ مكانها ضمن القطاعات الرئيسة غير النفطية لتشكل رافدا رئيسا للناتج المحلي الإجمالي.

font change