"معرض الرياض الدولي للكتاب" ينطلق بمشاركة 2000 دار نشر

منصة ثقافية تفاعلية تجمع العرب والعالم

AFP
AFP
رجال سعوديون في ثالث معرض دولي للكتاب بالرياض، 12 مارس 2008

"معرض الرياض الدولي للكتاب" ينطلق بمشاركة 2000 دار نشر

على مدى 10 أيام، بين 2 أكتوبر/تشرين الأول و11 منه، تنطلق الخميس (2 أكتوبر/تشرين الأول) في العاصمة السعودية فعاليات "معرض الرياض الدولي للكتاب 2025"، بتنظيم من وزارة الثقافة ممثلة في "هيئة الأدب والنشر والترجمة"، وقد اختير هذا العام حرم جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، لاستضافة المعرض، باعتبارها أكبر جامعة نسائية في العالم، وإحدى أبرز المنصات الثقافية في المنطقة. وتستقطب دورة هذا العام، بحسب الرئيس التنفيذي لـ"هيئة الأدب والنشر والترجمة" الدكتور عبد اللطيف الواصل مشاركة واسعة من الناشرين السعوديين والعرب والدوليين، "مما يعكس مكانة المعرض وأثره في تطوير صناعة النشر وتعزيز الحراك المعرفي محليا ودوليا".

تحت شعار "الرياض تقرأ" المتفرع من الحملة الوطنية الأوسع "السعودية تقرأ"، وللعام الثاني على التوالي، تسعى وزارة الثقافة إلى ترسيخ القراءة كرافد ثقافي ومعرفي أساسي تتحول معه القراءة من ممارسة فردية إلى مشروع جماعي وطقس مدني تشترك فيه الأجيال، ويقوم على ربط المدن بالكتب عبر برامج متواصلة متخصصة بالقراءة.

ويعد معرض الرياض الدولي للكتاب من أبرز أسواق النشر العربية، ومسرحا تتلاقى فيه الاتجاهات ويقدم فيه برنامج ثقافي موزع بين الندوات الثقافية والفكرية والفلسفية، والأمسيات الشعرية، والحوارات، وورش العمل، إضافة إلى العروض المسرحية.

ومن أبرز فعاليات البرنامج الثقافي ندوة "أعوام ملتهبة إضاءات على القضايا السياسية المعاصرة" التي تستضيف صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل. وندوة بعنوان: "هل هي أمم متحدة" وتستضيف السفير عبدالله بن يحيى المعلمي. وندوة "شعراء الشام في أرض الشعر" يتحدث فيها الشعراء: حسين الجنيد، وياسر الأطرش، وحذيفة العرجي، وفي السرد تقام ورشة "كيف نقرأ القصة خلف اللوحات الفنية" يقدمها المترجم المغربي محمد آيت حنا. وفي الصحافة تقام ورشة " الكتابة الصحافية الثقافية" يقدمها ميرزا الخويلدي.

وقد بلغ عدد دور ووكالات النشر المشاركة في دورة هذا العام 2000 دار ووكالة من 25 دولة، مما يؤكد خطوات "هيئة الأدب والنشر والترجمة" الساعية إلى توسيع النطاق الجغرافي المعرفي وتنويع مصادره، وتحويل المعرض من ملتقى عربي للكتاب إلى وجهة جاذبة لدور النشر العالمية، ومحطة استراتيجية للقاء الشرق بالغرب في صناعة المحتوى والمعرفة.

تمثيل ثقافي واسع

من يتابع قائمة دور النشر المشاركة لهذا العام سيجد أن هناك دورا محلية وعربية تشارك للمرة الاولى في تاريخها، وسيرى أن المجال أفسح لعدد كبير من الدور الصغيرة والمستقلة أو المتخصصة، مما يضفي على الحدث طابعا أوسع لناحية التمثيل الثقافي. فمن وكالات إدارة الحقوق، إلى مبادرات النشر التشاركي، ومن المطابع التقليدية إلى تطبيقات النشر الرقمي، يتبين أن الرهان لم يعد مقتصرا على اقتناء الكتب وتداولها، بل تعداه إلى بناء شراكات وإطلاق مشاريع وفتح أسواق جديدة للمؤلفين والمترجمين والناشرين الصاعدين للوصول إلى العالم بالثقافة والمعرفة، وللتوسع في الصفقات والشراكات المحتملة، مما يؤشر إلى أن التداخل بين اللغات والثقافات والصناعات يحول المعرض من مجرد نقطة لبيع الكتب إلى محور فاعل ومؤثر يجتمع فيه عالم ثقافي حقيقي بأكمله.

الرهان لم يعد مقتصرا على اقتناء الكتب وتداولها، بل تعداه إلى بناء شراكات وإطلاق مشاريع وفتح أسواق جديدة للمؤلفين والمترجمين والناشرين الصاعدين

فمن بين التحولات الأهم في هيكلة معرض الرياض الدولي للكتاب خلال السنوات الأخيرة، تبرز "منطقة الأعمال" بوصفها نقطة الانعطاف التي ساهمت في نقل المعرض من كونه مساحة لعرض الكتب إلى فضاء احترافي لتطوير صناعة النشر بكامل مفرداتها، وتخصصاتها، ومتطلباتها. تعود "منطقة الأعمال" هذا العام بحضور فاعل لتمنح الناشرين والموزعين والمؤلفين والفاعلين في مجال النشر بيئة عملية لتبادل الحقوق، وتوقيع العقود، وبناء الشراكات المساهمة في تطوير النشر المحلي.

جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن

في هذا الفضاء أيضا تتقاطع مصالح الوكالات الأدبية مع رؤى المطابع ومبادرات النشر الرقمي وشركات الطباعة حسب الطلب، إلى جانب حضور مهم وفاعل لجهات تمويلية وريادية تقدم خدمات الدعم والاستشارات، والخدمات اللوجستية بهدف تسهيل التوزيع وخفض التكلفة، من أجل صوغ نموذج عمل مستدام في مجال طالما اعتمد على المبادرات الفردية.

ولعل أكثر ما يميز هذه المنطقة أنها تجعل صناعة الكتاب موضوعا لحوار جاد في عملية الاستثمار الثقافي، وتتيح للشركات السعودية الناشئة في هذا المجال استغلال الفرص السانحة لصناعة منتج سعودي قابل للتداول في الأسواق العالمية.

الطفل يقرأ

وسط التنوع الثقافي الذي يحتضنه معرض الرياض الدولي للكتاب، تبرز منطقة الطفل كمساحة جوهرية مستقلة لها الأهمية نفسها التي تحظى بها الطفولة التي ربطت من خلال جناح تعليمي وتوعوي بعالم القراءة، لما تمثله من قيمة استثمارية في الأطفال باعتبارهم قراء الغد، ورافد المجتمع الثقافي المستقبلي.

وقد دأبت هذه المنطقة طوال الأعوام الماضية على تبني المبادرات والبرامج التدريبية وورش العمل الخاصة بالطفل، وفي هذا العام تعتزم مواصلة تنويع برامجها التخصصية بهذه الفئة العمرية لتقدم لهم تجربة تفاعلية كاملة، يتحول فيها الطفل من متلق إلى مشارك، ومن قارئ إلى منتج محتمل للخيال والمعرفة.

وتشتمل "المنطقة" على ورش تفاعلية، ومسرح للعروض، ومختبرات قرائية وقصصية، وجلسات لرواية الحكايات، وأخرى للمسابقات، ومبادرات الكتابة الإبداعية، وجميعها أجنحة صممت بذكاء لربط الطفل بالكتاب بشغف الاكتشاف دون أن يشعر بأنه يقاد نحو التعلم.      

وبما أن طفل اليوم لا يعيش معزولا عن العالم التقني، فقد سعى منظمو المعرض إلى توظيف أدوات رقمية ذكية تساهم في تقريب الطفل من عالم القراءة والمعرفة، كتجربة الوسائط المتعددة، والتطبيقات القصصية، وتقنيات الواقع المعزز، ومنصات للقراءة الجماعية عبر الشاشات، وكلها وسائل لا تستبدل الكتاب، بل تعيد تقديمه بلغة يفهمها الجيل الجديد الذي ولد في عصر التقنية التي شكلته وأثرت في وعيه وإدراكه.
 

سعى منظمو المعرض إلى توظيف أدوات رقمية ذكية تساهم في تقريب الطفل من عالم القراءة والمعرفة، كتجربة الوسائط المتعددة، والتطبيقات القصصية، وتقنيات الواقع المعزز

ما يهم في مثل هذه المنطقة الحيوية، هو زيادة البرامج التشاركية التي تصغي لما يقوله الطفل، وتحتفي بمخيلته، وتمنحه أدوات التعبير الذاتي التي تساهم في نقله سريعا من منطقة اللعب إلى خطواته القادمة بجناح ومنطقة أدب الأطفال واليافعين المليئة بالكثير من دور النشر المتخصصة في التعلم باللعب، والبرامج المتطورة، والكتب التخصصية، المحلية منها والعربية، ليحقق المعرض أحد مستهدفاته من وراء تأسيس هذه المنطقة المهمة، وينجز أبرز أهدافه في محور قراءة الطفل، المتمثلة في أن الثقافة تبدأ مبكرا، وأن الطفل الذي يقرأ اليوم، قد يكون الكاتب أو المفكر أو الفنان الذي يوقع في جناح توقيع الكتب غدا.

AFP
زوار سعوديون في معرض الرياض الدولي للكتاب، 5 مارس 2013

ركن المؤلف السعودي

في قلب معرض الكتاب، يحتفظ ركن المؤلف السعودي بمكانته كإحدى أكثر المساحات حيوية، لرمزيته الثقافية التي تمنح الكتاب المحليين فرصتهم للظهور المباشر أمام الجمهور، بعيدا من اشتراطات دور النشر التجارية أو قوائم "الأكثر مبيعا"، خاصة المؤلفين الذين خذلتهم دور النشر، مخلفة كتبهم في المستودعات، إضافة إلى أصحاب النشر الذاتي، ليغدو هذا الركن بمثابة فضاء يكسر الصورة النمطية في صناعة النشر، ويربط المؤلفين المشاركين فيه بقرائهم بعد غياب أو انعزال.

ما يميز هذا الركن، أنه يروج للمواهب الجديدة، ويؤسس لما يشبه المسار الموازي داخل صناعة النشر، حيث يمكن المؤلف أن يعرض عمله، ويلتقي قراءه بل ويتلقى منهم الملاحظات مباشرة، وربما يلفت انتباه ناشر أو ناقد أو مترجم، وهذا ما يجعل من هذا الركن دار نشر محلية مجانية، بكل تنوعها وتفاوتها، وبما فيها من تجارب أولى، ونصوص خام، ومحاولات جادة لا تزال تبحث عن قارئها النوعي.

 وحول أهمية ركن المؤلف يقول الشاعر السعودي علي طاهري المشارك فيه هذا العام لـ"المجلة": "لم أكن أعلم بوجود ركن المؤلف السعودي، لهذا ظل ديواني المطبوع لسنوات طويلة في دائرة الغياب، يئن في مرمى النسيان بعيدا من أعين القراء. وحين تبينت هذه الخدمة المميزة، رأيت فيها نافذة أمل حقيقية، حتى إنني أسميته ركن تفاؤل المؤلفين السعوديين، لما يمنحه من حياة جديدة للكتب التي غيبها الإهمال، وفرصة لإعادتها إلى مقدمة المشهد الأدبي والثقافي".

ينقل ركن التوقيعات للزوار مشهدا مصغرا لما يجب أن يكون عليه المعرض طوال أيامه، يتلخص في خلق مساحة حية للقاء والتفاعل والتقدير المتبادل

وفي وقت تتسارع فيه وتيرة الاستهلاك الثقافي، وتختزل فيه العلاقة مع الكتاب إلى "ضغطة تحميل" أو "تصفح سريع"، أطلقت وزارة الثقافة رابطا يمنح المؤلفين الحق في اختيار جلسات توقيع الكتب لتتجاوز بذلك دورها من لقاء عابر بين مؤلف وقارئ إلى طقس ثقافي يعيد الى القراءة حميميتها التي أزالها التشكل الرقمي المستمر، فيتحول ركن التوقيعات إلى وسيلة تواصل شخصي بين طرفين مهمين في الحركة الثقافية، الكاتب وقرائه، وينقل ركن التوقيعات للزوار مشهدا مصغرا لما يجب أن يكون عليه المعرض طوال أيامه، يتلخص في خلق مساحة حية للقاء والتفاعل والتقدير المتبادل بين من يكتبون ومن يقرؤون، خارج ضجيج السوق وبعيدا من شروط التسويق السريع.

AFP
زوار في جناح بمعرض الرياض الدولي للكتاب، العاصمة السعودية، 9 أكتوبر 2021

نظرة تاريخية

يجد المطلع على مسيرة معرض الكتاب منذ نشأته، أن التغيرات لم تمس الشكل وحده، بل تعدته إلى المضمون أيضا، مما حول المعرض إلى مرآة عكست التنوع الثقافي السعودي، وفتحت نقاشات حول قضايا فكرية معاصرة مستجيبة للتغيرات التي مر بها المجتمع السعودي طوال عقود.

وكانت البداية في 14 يناير/كانون الثاني 1978 مع أول معرض للكتاب في المملكة، نظمته حينذاك جامعة الملك سعود تحت مسمى "معرض الكتاب السعودي" في محاولة منها لخلق فضاء ثقافي يعكس الحراك الفكري المحلي آنذاك، حين نشأت الفكرة في بداياتها حول إقامة معرض أكاديمي يستهدف جمهورا محدودا من الباحثين والمهتمين، ليشكل ذلك المعرض بذرة لمشروع ثقافي أوسع، ونقطة التقاء أولى بين المؤسسات التعليمية وقطاعات النشر، ووكالات التوزيع، في وقت كانت فيه صناعة الكتاب في السعودية لا تزال في طور التشكل، لتبدأ بعد ذلك رحلة طويلة نحو معارض الكتاب، أبرزها ما حدث في عام 2006 حين تولت وزارة التعليم العالي مسؤولية تنظيمه، لينتقل بعدها إلى وزارة الثقافة والإعلام -قبل فصلهما لاحقا- فتبدأ قصة جديدة بمعايير دولية، لتكون لاحقا نواة لمعرض الرياض الدولي للكتاب الذي انطلق في عام 2008 بأول ضيف شرف ثقافي، وكانت يومها دولة اليابان.

وتوالت من بعدها النسخ ليشهد المعرض تحولات جذرية مع انطلاق نسخته الدولية الأولى فالثانية في رعاية من وزارة الثقافة والإعلام، ليأخذ بذلك طابعا جديدا أكثر انفتاحا واحترافية، بمشاركة دور نشر عربية وعالمية، ويتوالى بعدها التطوير باستضافة مفكرين وكتاب وشخصيات ثقافية بارزة من مختلف أنحاء العالم.  

التغيرات لم تمس الشكل وحده، بل تعدته إلى المضمون، مما حول المعرض إلى مرآة عكست التنوع الثقافي السعودي، وفتحت نقاشات حول قضايا فكرية معاصرة

واستمر المعرض في نسخة 2009 دون تغير يذكر ليطرأ بعدها تغيير جذري على نسخة 2010 من المعرض، التي شهدت ظهور أول برنامج ثقافي متنوع، وحلت عليه يومها جمهورية السنغال ضيف شرف ثقافيا، فيما حلت دولة الهند ضيف شرف على نسخة 2011.

وفي نسخة 2012 التي انطلقت تحت أول شعار لمعارض الكتاب، "الحياة قراءة"، حلت مملكة السويد ضيف شرف، بجناح خاص حوى الكثير من الثقافة السويدية، والعديد من مؤلفات الطفل.
ثم توالى بعدها ضيوف الشرف من الدول بثقافاتهم وإنتاجهم الفكري والمعرفي، فجاء المغرب ضيف الشرف في دورة المعرض 2013، الذي انطلق تحت شعار "الحوار ثقافة وسلوك". وفي دورة 2014 حمل المعرض شعار "الكتاب قنطرة حضارة"، وخصص في دورته تلك وللمرة الاولى ركنا خاصا للمؤلفين السعوديين الأفراد، لعرض مؤلفاتهم وتسويقها أمام دور النشر.

AFP
كتب عربية معروضة في جناح بمعرض الرياض الدولي للكتاب، 9 أكتوبر 2021

أما نسخة 2015 فدشنت تحت شعار "الكتاب تعايش"، وحلت فيه دولة جنوب أفريقيا ضيف الشرف، فيما انطلقت نسخة 2016 تحت شعار "الكتاب ذاكرة لا تشيخ". وحملت نسخة 2017 شعار "الكتاب رؤية وتحول"، المرتبط برؤية السعودية 2030، من خلال هويته البصرية، التي انتشرت في أرجاء الممرات والأجنحة وبوابات الدخول، حتى باتت الشعار الرئيس داخل أروقة المعرض، ومثلت دولة ماليزيا يومها ضيف الشرف الثقافي. كما حلت دولة الإمارات العربية المتحدة ضيف شرف في نسخة معرض عام 2018 التي انطلقت بشعار "الكتاب مستقبل التحول"، فيما حملت نسخة 2019 شعار "الكتاب بوابة المستقبل"
ومع ما مر به العالم خلال أزمة " كوفيد-19"، جاءت نسخة 2021 كمصالحة مع العالم وما مر به، حاملة شعار "وجهة جديدة... فصل جديد"، وأتت نسخة 2022 لتواصل فصولها تحت شعار "فصول الثقافة"، فيما حملت نسخة 2023 شعار "وجهة ملهمة"، أما دورة عام 2024 الماضية فانطلقت تحت شعار "الرياض تقرأ" وشهدت كبرى التحولات والتحديات في التدخل التقني، والذكاء الاصطناعي، ليغدو على ما هو عليه اليوم.

font change