خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ستشهد تركيا مجدداً "معركة" سياسية كبرى ذات وجه قضائي، قد تؤثر على الاستقراره الداخلي. فحزب الشعب الجمهوري (حزب مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ومُتبني عقيدته السياسية)، مُهدد بالحل والتفكيك عبر قرار قضائي مبرم سيصدر أواسط شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تمييزاً لحكم أولي صدر قبل شهرين، ألغت فيه المحكمة الإدارية نتائج المؤتمر العام الذي عقده الحزب قبل عامين.
صدور الحكم سيفتح المجال أمام الرئيس أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" ليُعينوا أوصياء مقربين منهم على أكبر أحزاب المعارضة، ما يعتبره الأخير بمثابة "انقلاب سياسي على اللعبة الديمقراطية"، تستخدم السلطة فيه المؤسسات القضائية بشكل وظيفي فحسب.
الإجراء القضائي يأتي عقب سلسلة من الإجراءات والقرارات التي أصدرتها مؤسسات الدولة المقربة من الحزب الحاكم خلال الشهور الماضية، ابتغت في مجملها تقويض حزب "الشعب الجمهوري". مثل إقالة رؤساء عشرات البلديات التي فاز بها حزب "الشعب الجمهوري"، ووضع مندوبين مقربين من السلطة على رأس تلك البلديات، أو إحالة عدد من قادة الحزب إلى المحاكم بتهم الفساد، ومحاولة الاستيلاء على مؤسسات إعلامية ومدنية خاصة معروفة بقربها من الحزب، وشن حملة دعائية مناهضة له، وإجبار الأحزاب الصغيرة على الاختيار بين السلطة أو حزب "الشعب الجمهوري".
التموضع الراهن
حزب "الشعب الجمهوري" يعتبر نفسه "أميناً" على الهوية العلمانية والديمقراطية والقومية للدولة التركية الحديثة، وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي لم يخرج من المشهد العام للبلاد منذ أكثر من قرن، وكان يُعرف تاريخياً بمناهضته للإسلام السياسي والتيارات المحافظة في تركيا. وراهناً هو أكبر أحزاب المعارضة، وتشير استطلاعات الرأي إلى تجاوز شعبيته ونسبة مؤيديه حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، فيما يُسيطر على الأنظمة البلدية في كل المُدن الكبرى في البلاد، ويطرح استراتيجية سياسية ورؤية تنموية واقتصادية أوضح مما لدى التحالف الحاكم، وتدل أغلب التوقعات على قدرة مرشحه المُعتقل أكرم إمام أوغلو على هزيمة الرئيس أردوغان في أية انتخابات رئاسية قادمة.