بعد الكاتبة الجنوبية الكورية هان كانغ، التي كانت أول امرأة آسيوية تنال جائزة نوبل في الأدب، اختارت الأكاديمية السويدية، أمس، منح جائزتها للكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي، "تقديرا لإبداعه الآسر والرؤيوي الذي يجدد تأكيد قوة الفن في قلب الرعب الأبوكاليبسي"، وفقا لتصريحها. خيار لم يشكل مفاجأة، لأن العديد من النقاد الأدبيين الذين استطلعتهم الصحف السويدية خلال الأيام الماضية رجّحوا هذا العام كاتبا أوروبيا، لكن خصوصا لأن كراسناهوركاي يستحق هذه الجائزة بجدارة.
لمن يجهل هذا الروائي والقاص القدير، نشير بداية إلى أنه وُلِد عام 1954 في بلدة غيولا المجرية التي استلهم من إطارها الريفي مسرح روايته الأولى "تانغو الشيطان". رواية اعتُبرت فور صدورها عام 1985 حدثا أدبيا في وطنه نظرا إلى تصويرها بأسلوب إيحائي بالغ السطوة حياة مجموعة من الفقراء في مزرعة مهجورة في الريف المجري، قبيل سقوط الشيوعية. مكان يسود فيه صمت وترقب، إلى أن يظهر إيريمياش ورفيقه بيترينا، بعدما كان الجميع يظنهما ميتين، فيبدوان رسولي أمل أو نذير حساب أخير.
أما العنصر الشيطاني الذي يشير إليه عنوان الرواية، فيتجلّى في أخلاقية هاتين الشخصيتين المعيبة، وتحديدا في ألاعيب إيريمياش المخادعة التي، بقدر ما هي فعالة، تقيّد الآخرين وتربطهم في دوامة من الوهم. وما يعزّز نجاعة ألاعيبه هو انتظار كل من هم حوله حدوث معجزة، علما أن هذا الأمل يثقبه الكاتب منذ بداية روايته، بفتحها بمقولة كافكا التالية: "في هذه الحال، سأنتظر، وأفقد الشيء المنتظر أثناء انتظاره".
كآبة المقاومة
بعد هذا العمل، الذي اقتُبس منه فيلم عام 1994، أصدر كراسناهوركاي عام 1989 رواية ثانية بعنوان "كآبة المقاومة"، دفعت الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، بعد قراءتها، إلى تتويج صاحبها بلقب "سيد الأدب المعاصر الأبوكاليبسي". رواية هي عبارة عن فانتازيا حلمية مرعبة تدور أحداثها في بلدة مجرية صغيرة تقع في جبال الكاربات، ومنذ صفحتها الأولى، تسقطنا في أجواء توتر شديد، ناتج من حالة طوارئ مدوخة، ومن إشارات مشؤومة تملأ الأفق.
بسرعة يبلغ هذا التوتر ذروته مع وصول سيرك غامض إلى البلدة وعرضه جثة حوت عملاق لا يلبث مشهده المهيب والغامض أن يحرك قوى متطرفة داخل مجتمعها، فتندلع أعمال عنف وتخريب ليس فقط فيها، بل في سائر أنحاء البلاد، ويعجز الجيش عن احتواء الفوضى الناتجة منها، مما يفتح الباب أمام انقلاب يأتي بنظام ديكتاتوري. سيناريو بمشاهد حلمية وشخصيات بشعة، يتيح للكاتب فرصة تصوير، ببراعة نادرة، حياة واقعة بين مطرقة نظام استبدادي وسندان الفوضى.