يعرض "مهرجان الجونة السينمائي" في دورته المقبلة، وثائقي المخرج المصري نمير عبد المسيح، "الحياة بعد سهام"، وذلك بعد عرضه في الدورة الأخيرة من "مهرجان كان السينمائي".
نمير عبد المسيح، اسم مميز ومربك، رغم أنه يقدم فيلمه الثاني فقط، بعد عشر سنوات من فيلمه الأول، "العذراء والأقباط وأنا". إذ أصبح اسما رائجا في عالم الأفلام الوثائقية منذ فيلمه الجدلي الأول، بعدما لفت الأنظار إليه في المهرجانات العالمية الكبرى، وأحدث نقاشا بين الأقباط تحديدا آنذاك. مسيرة تبدو للوهلة الأولى قصيرة محدودة الإنتاج لكن الرجل يعوضها بالتدريس الذي يقدم فيه مساحة واسعة لصناع الأفلام الشباب، لا سيما من خلال "ورش دهشور" الهادفة إلى تطوير النصوص الفيلمية.
في فيلمه الجديد، يواصل عبد المسيح الحكي عن الفقد والهوية الضائعة بعد الهجرة، في مقاربة حميمة تتناول نظرة الأقليات إلى ذاتها وإلى الآخر. للوهلة الأولى، تبدو مقاربة فرنكوفونية موجهة الى الجمهور الغربي، تماما كما يمكن أن تشعر في بعض سينما الراحل يوسف شاهين، لكن سرعان ما يتضح أنها لا تمايز وتنتصر للتساؤل والحقيقة في الشرق والغرب معا. أوجدت سينما عبد المسيح وأفكاره نقاشات مهمة عن دور السينما التسجيلية تحديدا وشكلها الحديث.
في "الحياة بعد سهام"، يرجع نمير بضع خطوات إلى الوراء، يفرد حياته على الملأ، ليفهم نفسه من خلال السينما التي تبدو هنا نجاته الوحيدة من عبث يحيط به ولا يملك السيطرة عليه.
في كلا فيلمي نمير عبد المسيح، نمضي في رحلة حميمة عميقة مع أسرته التي تغربت تاركة جذرها في الشرق، بينما أجبرتها السينما على العودة. في الفيملين مفارقة لافتة: فسعي الأسرة المضني للخروج من عباءة الماضي بالهجرة بعيدا، تبدده السينما، التي تعيد التذكير بالحقائق المنسية لدى الأشخاص أنفسهم. السينما هنا هي الحقيقة، والواقع خيال جامح.