المغرب بعد خطاب الملك... تأجيل الصدام أم تجاوزه؟

أي تحرك جديد لن يكون ضد فشل الحكومة وحسب بل أيضا احتجاجا على عدم امتثالها للتوجيهات الملكية

أ ف ب
أ ف ب
تجمعت الحشود أمام مقر البرلمان المغربي في الرباط، 10 أكتوبر، بينما يستعد الملك لترؤس افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة

المغرب بعد خطاب الملك... تأجيل الصدام أم تجاوزه؟

جاء خطاب الملك محمد السادس، في افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة (الجمعة 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، ليضع حدا لـ"انتظار أطول من ساعاته" عاشه المغرب في الأيام الأخيرة. هذا الترقب الذي تجاوز المألوف عكس التباين الكبير بين آمال شباب "زد" وأطياف المجتمع بقرارات جذرية، وواقع المسار السياسي.

لقد أنهى الخطاب حالة الانتظار الزمني، وبدأ مرحلة جديدة من ترقب كيفية استجابة الحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات الرسمية للتوجيهات الملكية.

لا شك أن سقف الآمال كان غير مسبوق، حيث الطبقات الاجتماعية تنتظر حلا جذريا لمأساة تردي الخدمات الأساسية، على رأسها الصحة والتعليم والشغل. وقد تفجرت هذه الأزمة التي فاقمتها وفاة ثماني أمهات أثناء التوليد في مستشفى بأغادير، وهي المدينة التي يتولى رئاسة بلديتها رئيس الحكومة الحالي رجل الأعمال عزيز أخنوش، ما ضاعف من ثقل الانتظارات والمسؤولية.

لذلك، كانت فئة شباب "زد"، بلا منازع هي الطرف الأكثر ترقبا للخطاب، حيث تجاوزت هذه الحركة كل الوسائط التقليدية- من أحزاب ونقابات وهيئات منظمة وإعلام رسمي- ورفعت مطالبها بشكل مباشر إلى المؤسسة الملكية.

"الملك لم يُعِد الثقة المطلقة في الحكومة، ولكنه أيضا لم يوجه ضربة قاصمة تقضي عليها". فالأمر كان أشبه بـوضع الحكومة تحت المراقبة النهائية المشددة

لقد تركز انتظارهم على استجابة غير تقليدية تُحقق مطالبهم الجذرية، والتي شملت إقالة الحكومة، ومحاكمة المتورطين في الفساد وسوء التسيير، وهي مطالب وُصفت بأنها مستحيلة التحقق ضمن السياق السياسي التقليدي.

في هذا الوقت، كانت النخب السياسية تترقب الخطاب الملكي بنوع من القلق الحاسم، حيث انحصر تساؤلها الجوهري في احتمالين اثنين: هل سيعيد الملك الثقة في الحكومة؟ أم سيوجه ضربة قاصمة تعيد تشكيل المشهد السياسي؟ أي اتخاذ قرار غير تقليدي، مثل حل حكومة أخنوش وإعفاء وزرائها، استجابة لغضب الشارع ومطالب "زد"، مما من شأنه أن يُحدث زلزالا سياسيا.

هذا الترقب عكس إدراك النخب بأن الخطاب لم يكن مجرد حدث روتيني، بل نقطة تحول يمكن أن تحدد مصير الحكومة الحالية والمشهد السياسي بأكمله في السنة المتبقية. لقد كانت تنتظر إشارة واضحة إما للاستقرار المشروط وإما للتغيير الجذري.

رويترز
الملك محمد السادس يُحيي الحشود قبل افتتاحه البرلمان المغربي في الرباط، في هذه الصورة المنشورة بدون تاريخ، من قبل القصر الملكي في 10 أكتوبر

فرصة أخيرة أمام أخنوش

بعد إلقاء الخطاب الملكي، علق مفتش في التعليم الثانوي من مدينة سلا، المتاخمة للعاصمة الرباط، بأن "الملك لم يُعِد الثقة المطلقة في الحكومة، ولكنه أيضا لم يوجه ضربة قاصمة تقضي عليها". فالأمر كان أشبه بـوضع الحكومة تحت المراقبة النهائية المشددة، أي الإبقاء على هيكل الحكومة مع وضع شروط تنفيذية وأخلاقية صارمة جدا.

بينما سارعت فاطمة الزهراء فتوح، شابة ناشطة بالجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إلى التنبيه إلى أنه "لا يجب إغفال أن الخطاب جاء في سياق افتتاح البرلمان بشكل دستوري عادي، ولم يتضمن أي قرار بحل الحكومة أو إعفائها، وهو ما كان يطالب به (جيل زد). والحفاظ على الحكومة حتى نهاية ولايتها التشريعية يخدم مبدأ الاستقرار المؤسسي قبيل الانتخابات المرتقبة، صيف السنة المقبلة (سبتمبر/أيلول 2026)".

كان جزء كبير من الرأي العام، خاصة المتعاطف مع "انتفاضة زد"، ينتظر قرارات مباشرة وقوية تكسر الروتين، مثل حل الحكومة أو إقالة وزراء بعينهم بسبب الفساد والتقاعس

تضيف المتحدثة نفسها لـ"المجلة": "بدلا من سحب المسؤولية منهم، أبقاها الملك على عاتقهم. فالخطاب وجه إليهم رسالة واضحة بضرورة التسريع الفوري في الورش الأساسية، وفي المقدمة قطاعات الصحة والتعليم والشغل".

من جانبه، يؤكد عبد القادر كراد، (من نقابة الموانئ التابعة للاتحاد المغربي للشغل) في تصريحه لـ"المجلة" أن قوة الخطاب تكمن في أن الملك "لم يمنحهم تفويضا مفتوحا، بل وجه إليهم إنذارا حاسما يتضمن شروطا غير قابلة للتفاوض. بالتركيز بشكل مباشر على ضرورة إظهار نتائج ملموسة وسريعة في القطاعات التي فجرت (انتفاضة زد)، أي قطاعات الصحة والتعليم والشغل. هذا يعني أن الحكومة يجب أن تنجح في إطفاء نار الغضب الاجتماعي أو ستتحمل العواقب".

ويوضح المتحدث أن "الخطاب الملكي يمكن اعتباره بمثابة الفرصة الأخيرة لحكومة السيد أخنوش. كما لو أنها عملية تجديد للثقة المشروطة بـنتائج فورية ونزاهة ضرورية".

تجاوب مطلق

لكن هناك ردود فعل أخرى صدرت من النخب السياسية، اتسمت بالتحفظ الحذر والإحباط المشوب بالترقب في الشارع، خاصة بين الفئات التي كانت تنتظر قرارات صريحة وحاسمة بشأن إقالة الحكومة أو إدانة الفساد.

وكما هو متوقع، سارعت الأغلبية الحكومية إلى إعلان "تجاوبها المطلق" وتأكيدها الانخراط في "تسريع الوتيرة" لتنفيذ التوجيهات الملكية بشأن الورش الاجتماعية في ثلاثية "الصحة والتعليم والشغل". وليس خفيا أن الهدف الأساسي لهذه البيانات هو امتصاص الضغط وإظهار الكفاءة في سباقها مع الزمن قبل الانتخابات المقبلة.

في حين سارعت مختلف أطياف المعارضة الممثلة في البرلمان (الاتحاد الاشتراكي، وحزب التقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية والعدالة والتنمية)، إلى تثمين مضمون الخطاب الملكي، الذي شدد على المحاسبة والنزاهة، مؤكدة أن هذه التوجيهات تُعد اعترافا غير مباشر بصحة انتقاداتها المستمرة لضعف أداء الحكومة في إنجاز المشاريع.

تأجيل الصدام؟

على النقيض من الحسابات السياسية للنخب، سواء كانت في الحكومة أو المعارضة، أتت ردود الفعل  الأولى للفئات الأكثر تضررا من الأزمة أكثر برودة. إذ كان جزء كبير من الرأي العام، خاصة المتعاطف مع "انتفاضة زد"، ينتظر قرارات مباشرة وقوية تكسر الروتين، مثل حل الحكومة أو إقالة وزراء بعينهم بسبب الفساد والتقاعس.

لا تحتمل حركة "زد" الحلول الجزئية أو الوعود البيروقراطية. فمطالبها جذرية وفورية، وهي في جوهرها مطالب "حياة أو موت" كما تجلى في مأساة هلاك نساء أغادير

وركزت تعليقات الشارع على أن "الكلام لا يكفي"، وأن الإنجاز الحقيقي يجب أن يظهر في توفير الوظائف وتحسين المستشفيات في غضون أشهر، وإلا فإنهم لن يعتبروا الخطاب قد أحدث أي تغيير.

تعكس هذه البرودة الفجوة الكبيرة بين آمال الشارع وواقع الخطاب السياسي. فبعد خروج الشباب والمواطنين إلى الاحتجاجات، لم يعد الشارع يثق في مجرد "تسريع الوتيرة"، أو "التزام الحكومة"، بل كان ينتظر تضحية سياسية مباشرة، كدليل فوري على جدية الإصلاح، ليس أقلها إقالة الحكومة الحالية التي تقودها أحزاب التجمع الوطني للأحرار و"حزب الأصالة والمعاصرة" و"حزب الاستقلال".

بالنسبة لـ"جيل زد"، الذي تجاوز كل الوسائط التقليدية ليخاطب الملك مباشرة، فإن عدم الاستجابة لمطلب حل الحكومة ومحاكمة الفاسدين يُنظر إليه كتجاهل جزئي لجوهر حركتهم. هذا يعني أن الملك أبقى على آليات النظام التي يطالبون بتغييرها.

أ ف ب
رفع المتظاهرون لافتات خلال احتجاج شبابي يطالب بإصلاحات في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم في ساحة محمد الخامس بالدار البيضاء، 6 أكتوبر

في السياق ذاته، يرى الشارع أن الخطاب قام بـتأجيل الصدام، حيث أبقى على الفاسدين والمسؤولين الفاشلين في مناصبهم، تاركا لهم المجال لإثبات الكفاءة في سنة واحدة. هذا الترقب الحذر هو مصدر "برودة" رد الفعل، التي تم التعبير عنها بصراحة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

يعلق ع. س (من حزب النهج الديمقراطي العمالي) الماركسي، بأن "برودة الترقب" لا يمكن التعاطي معها إلا كتوقف مؤقت ومحسوب من شباب "زد"، وهو "توقف يسبق على الأرجح موجة غضب قادمة، متجددة وعنيفة".

وهذا الانفجار يُرجَّح إذا لم تظهر نتائج ملموسة وذات تأثير مباشر في قطاعي الصحة والتعليم خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حيث سيستند الشباب على ضغط الخطاب الملكي نفسه كمرجع لمطالبهم بضرورة الإنجاز الفوري. خاصة أن الخطاب وضع الحكومة تحت المراقبة النهائية وألزمها بالتسريع. وهو إجراء يمنح "جيل زد" غطاء شرعيا للمطالبة بنتائج سريعة. وإذا فشلت الحكومة في الاستجابة للتوجيهات الملكية، فإن فشلها سيكون مضاعفا وسيُفقدها أي تعاطف متبقٍ.

ولا تحتمل حركة "زد" الحلول الجزئية أو الوعود البيروقراطية. فمطالبها جذرية وفورية، وهي في جوهرها مطالب "حياة أو موت" كما تجلى في مأساة هلاك نساء أغادير.

فرغم أن قطاعي الصحة والتعليم يتطلبان وقتا طويلا للإصلاح الهيكلي، فإن الشباب ينتظرون مؤشرات سريعة وملموسة. وأي تقاعس قادم سيُفسر مباشرة كـتحدٍّ للتوجيه الملكي وكإصرار على الفساد. وأي تأخر في إنهاء نقص الأدوية، أو توفير الأطر الطبية للمناطق النائية، أو إنجاز إصلاحات سريعة للمنشآت التعليمية، سيُفسر مباشرة على أنه فشل ذريع.

يبقى الوضع الاجتماعي والآفاق المستقبلية في المغرب، بعد خطاب الملك، مفتوحة على كل الاحتمالات، مع وجود تخوف جدي من انزلاق الأوضاع نحو العنف

وكان توقيف الشباب لاحتجاجاتهم قرارا مشروطا ومرهونا بانتظار الخطاب الملكي، الآن وقد انتهى الخطاب، يبدو أن شباب "زد" لن يقبلوا بأي شكل من أشكال إضاعة الوقت أو التسويف. كما صرح ناشط جمعوي من الدار البيضاء، يتوقع عودة الشباب إلى الشارع "ليس فقط كمتظاهرين، بل كمُنفذين لرسالة الملك... سيحملون مضمون الخطاب الملكي، الذي شدد على التسريع الفوري والمحاسبة، كـدليل إضافي على تقصير الحكومة وتهربها من المسؤولية".

هذا يعني أن الحركة الجديدة لن تكون مجرد احتجاج على فشل الحكومة، بل ستكون أيضا احتجاجا على عدم امتثال الحكومة للتوجيهات الملكية. وهذا يمنح الاحتجاجات زخما وشرعية أقوى من ذي قبل.

وإذا كان لا يمكن إهمال الحديث عما أثارته انتفاضة "زد" من نقاشات واسعة ومتشعبة انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث غلب التأييد والدعم للحركة، فقد ظهرت بالمقابل، بضعة آراء مشككة تذهب إلى حد التشكيك في نزاهة الحركة ومن يقف وراءها، مشيرة إلى أن المغرب قد يكون مستهدفا من خلالها.

ختاما، يبقى الوضع الاجتماعي والآفاق المستقبلية في المغرب، بعد خطاب الملك، مفتوحة على كل الاحتمالات، مع وجود تخوف جدي من انزلاق الأوضاع نحو العنف. فقد يزداد الوضع تعقيدا، خاصة وأن الشباب المغربي يتابع عن كثب نجاحات حركات "زد" المماثلة في بلدان أخرى، والتي حققت نتائج ملموسة في وقت وجيز.

font change