"الجيل زد" يتلمس طريقه الى عالم السياسة

لينا جرادات
لينا جرادات

"الجيل زد" يتلمس طريقه الى عالم السياسة

تحوّلت صورة "الجيل زد" في الإعلام العالمي من رمز للسطحية الرقمية إلى علامة على قلق اجتماعي أعمق. فبعد أن صُوّر طويلا كجيلٍ يعيش خلف الشاشات ويفتقر إلى المهارات الاجتماعية– كما عكسته ظاهرة "نظرة الجيل زد"– بات اليوم في قلب النقاش العام لأسباب سياسية واقتصادية متزايدة. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة موجة احتجاجاتٍ قادها شباب من هذا الجيل في بلدانٍ تمتد من آسيا إلى أفريقيا وأوروبا، أسفرت في بعض الحالات عن سقوط قتلى أو تغيير حكومات، في مشهدٍ يذكّر بالثورات الطلابية في القرن الماضي، وإن بأدوات رقمية وحدود مفتوحة.

لكن من هم أفراد "الجيل زد"؟ كما هو الحال مع أي تصنيف جيلي، ثمة قدر من الغموض والانحياز الغربي في تحديد الفئات. ومع ذلك، يُستخدم هذا المصطلح عادة للإشارة إلى من وُلدوا بين عامي 1997 و2012، ويُعرفون أيضًا باسم "الزوومرز"، وهم في الغالب أبناء "جيل إكس" الذي سبقهم. ويُعدّون أول جيل نشأ بالكامل في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أي إنهم جيل لم يعرف عالمًا بلا شاشات أو اتصالٍ لحظي، وهو ما صاغ رؤيتهم لأنفسهم والعالم من حولهم.

ورغم الاستخدام المتكرر لمفهوم "الجيل" في الخطاب الإعلامي والسياسي وكأنه حقيقة ثابتة، فإن هذا التصنيف حديث نسبيا، إذ يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد بدأ كمجرد تمييز بين الشباب وكبار السن، ثم تطوّر ليصبح أكثر تحديدا. وساهمت الثورة الصناعية ونشوء الدولة الحديثة في ترسيخ هذا المفهوم، لا سيما من خلال التعليم الجماعي الذي منح أبناء الجيل الواحد تجارب متشابهة، ما عزز شعورهم بالهوية المشتركة.

كما أدّى تجانس الخبرات اليومية داخل الفئة العمرية الواحدة- بفضل المدرسة والإعلام والمؤسسة العسكرية لاحقا- إلى توليد نوعٍ من الوعي الجمعي المتزامن، يمكن اعتباره النواة الأولى لفكرة "الجيل".

ارتبط هذا الجيل بالتحولات الثقافية والاحتجاجات السياسية، خصوصا في الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام، رغم أن أبرز قادة الاحتجاجات الطلابية كانوا من الجيل السابق

وساهم تطور وسائل الإعلام والاتصال في ترسيخ قيم ورؤى مشتركة، رغم استمرار الانقسامات العرقية والجندرية والطبقية. وقد رأى المفكر بنديكت أندرسون في هذه الظاهرة امتدادًا لفكرة "الجماعات المتخيلة" التي استخدمها لتفسير نشوء الأمم. وفي مطلع القرن العشرين، بدأ علماء الاجتماع، وعلى رأسهم كارل مانهايم، في ربط الأجيال بالأحداث الكبرى مثل الحربين العالميتين، مما أضفى على التصنيف الجيلي بعدا تاريخيا وتجريبيا. ومع ذلك، واجه هذا التصنيف انتقادات اعتبرته تبسيطيا ويتجاهل التباينات داخل الجيل الواحد، وهو نقد لا يزال صالحًا في زمنٍ تبدو فيه التجارب الجيلية متباينة بشدة بين الشمال والجنوب العالميين.

ورغم هذه المآخذ، ترسّخ استخدام التصنيفات الجيلية في النصف الثاني من القرن العشرين، لا سيما مع "جيل الطفرة السكانية" (بيبي بومرز) الذي وُلد بين عامي 1946 و1964 عقب الحرب العالمية الثانية. وقد شكّل هذا الجيل كتلة بشرية ضخمة في دول مثل الولايات المتحدة وكندا، حيث عاد الجنود من الحرب وبدأوا بتكوين أسر، مما منحهم تأثيرا كبيرا على مجتمعاتهم، لا بسبب تجانسهم، بل بفعل حجمهم العددي وما نتج عنه من قوةٍ استهلاكية وسياسية.

رويترز
تظاهرة وطنية يقودها شباب احتجاجا على انقطاع التيار الكهربائي المتكرر ونقص المياه، في أنتاناناريفو، مدغشقر، 13 أكتوبر 2025

وقد ارتبط هذا الجيل بالتحولات الثقافية والاحتجاجات السياسية، خصوصا في الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام، رغم أن أبرز قادة الاحتجاجات الطلابية كانوا من الجيل السابق. وكانت الجامعات ساحات مواجهة بين الدولة وطلاب "الطفرة السكانية"، حيث قُتل عدد منهم برصاص القوات الحكومية في عام 1970 في حادثتين منفصلتين. ومع ذلك، فإن فكرة "التمرد الجيلي" كانت مبالغا فيها، إذ لم يكن الناشطون سوى أقلية بين الطلاب، رغم أن نسبة المشاركة كانت أعلى من الأجيال السابقة، وهو ما يعكس التناقض الدائم بين الصورة والواقع في توصيف الحركات الشبابية.

اتجهت نساء "الجيل زد" نحو اليسار، بينما مال الرجال إلى اليمين، وهو ما انعكس في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2024 لصالح الرئيس دونالد ترمب

لا تزال مسألة التضامن الجيلي، خارج نطاق الألقاب الرائجة والسرديات الإعلامية المبسطة، محلّ تساؤل. فالأجيال السابقة لم تكن يومًا كتلة متجانسة، بل انقسمت على خطوط صدع اجتماعية سابقة، تجاوزتها أحيانا ولكنها لم تُمحَ. فعلى سبيل المثال، شهد "جيل الطفرة السكانية" في الولايات المتحدة ودول أخرى انقسامات حادة على أساس العرق والجندر خلال سبعينات القرن الماضي.

وتتكرر هذه الانقسامات اليوم داخل "الجيل زد"، لا سيما على صعيد النوع الاجتماعي. فقد كشفت دراسات متعددة عن فجوة عميقة بين الذكور والإناث في هذا الجيل، تُعدّ الأوسع مقارنة بأي جيل بعد الحرب العالمية الثانية. وقد شملت هذه الفجوة خلافات واسعة حول قضايا مثل دعم النسوية، ودور الرجل في رعاية الأطفال، ومدى تجاوز جهود المساواة بين الجنسين للحد المقبول. وهي انقسامات لا تقتصر على المواقف الاجتماعية، بل تمتد إلى السياسة والثقافة الشعبية وأنماط الاستهلاك الرقمي.

وفي الولايات المتحدة، ترجم هذا الانقسام الجندري إلى فجوة سياسية متنامية، حيث اتجهت نساء "الجيل زد" نحو اليسار، بينما مال الرجال إلى اليمين، وهو ما انعكس في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2024 لصالح الرئيس دونالد ترمب. أما في كوريا الجنوبية، فقد أظهرت المؤشرات تزايد دعم شباب الجيل من الذكور للتيارات اليمينية المتطرفة- وهو اتجاه يثير قلقا واسعا في مجتمعٍ يعاني أصلًا من فجوة ثقة بين الجنسين.

في ظل سياسات حكومية تُرضي كبار السن الأكثر مشاركة في التصويت، يبدو أن تطرف "الجيل زد"، يمينًا أو يسارًا، بات أمرًا لا مفر منه

لكن كيف يمكن تفسير مشاركة هذا الجيل، رغم انقساماته، في احتجاجات عالمية واسعة؟ وما الذي يمنحه شعورا بالهوية المشتركة؟ الجواب الأبرز هو التكنولوجيا. فرغم التباينات الداخلية، يُعدّ "الجيل زد" بارعا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتنظيم والتعبئة والتنسيق. وبينما تزداد قدرة الدول على ضبط وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون والراديو والصحف، تبقى المنصات الرقمية الجديدة أكثر استعصاءً على الرقابة، إلا في حالات نادرة كقطع الإنترنت مؤقتا في أفغانستان.

ويُجسّد مثال نيبال هذه الدينامية بوضوح. فقد أدّت موجة انتقادات على وسائل التواصل بشأن الفساد إلى فرض الحكومة حظرا واسعا على هذه المنصات، ما فجّر احتجاجات قادها شباب "الجيل زد"، وأسفرت عن سقوط قتلى، قبل أن تتراجع الحكومة عن قرارها. لكن الاحتجاجات استمرت، وانتهت باستقالة الحكومة- في مشهدٍ يُظهر كيف تحوّلت الشبكات الرقمية من مساحة ترفيه إلى ساحة فعلٍ سياسي مباشر.

أ.ف.ب
شباب مغاربة من جماعة "جيل زد 212" يرددون شعارات، في مظاهرة للمطالبة بإصلاحات في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم، في الرباط، 3 أكتوبر 2025

ومع ذلك، فإن العامل الأهم في تحريك هذا الجيل هو الاقتصاد. فالشعور المتزايد بالظلم وعدم الإنصاف يوحّد "الجيل زد" رغم تبايناته. من ارتفاع أسعار السكن، إلى تراجع أنظمة التقاعد، وانهيار الرعاية الصحية العامة، وغلاء التعليم العالي، وكلها قضايا تمسّ حياتهم مباشرة وتغذّي غضبهم، خصوصًا في ظل شعورٍ بأن الأجيال السابقة استأثرت بالفرص واحتكرت الثروة.

وفي ظل سياسات حكومية تُرضي كبار السن الأكثر مشاركة في التصويت، يبدو أن تطرف "الجيل زد"، يمينًا أو يسارًا، بات أمرًا لا مفر منه. ومع تراجع الثقة في الأنظمة السياسية والاقتصادية، وتنامي الشك في فكرة الجدارة، ستزداد الاحتجاجات، خصوصًا ضد الفساد والامتيازات غير العادلة.

وستفاقم الثورة الصناعية الرابعة هذه التحديات، إذ سيواجه الشباب خطر فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي، إلى جانب استخدامه في التضليل من خلال الفيديوهات المزيفة. وهكذا، يبدو أن "الزوومرز" يعيشون اغترابا متزايدا في عالم لا يرحم، إنهم جيلٌ وُلِد رقميا، ويثور الآن على واقعٍ صنعته التقنية نفسها.

font change