مراد إبراهيم لـ"المجلة": أسعى إلى نقل الجمال الكامن وسط الدمار

يرسم "السيتي سكيب" والبورتريه والكوميكس

Facebook
Facebook
لوحة للفنان مراد ابراهيم

مراد إبراهيم لـ"المجلة": أسعى إلى نقل الجمال الكامن وسط الدمار

تنبض لوحات الفنان التشكيلي العراقي مراد إبراهيم بقصص المدن والناس الذين يعيشون فيها. ومنذ تسعينات القرن الماضي صنع تجربة خاصة وشارك بمعارض داخل العراق وخارجه وحصل على العديد من الجوائز. اختار مراد إبراهيم لتجربته ثلاثة مسارات، أولها رسم المدن والحياة اليومية، كما برع في رسم البورتريه، أما المسار الأخير فهو عمله كرسام "كوميكس" في مجلات عدة من بينها "المزمار" و"مجلتي" و"العربي الصغير". حول هذا التنوع كان لـ"المجلة" الحوار التالي معه.

كيف تقدم نفسك الى القارئ العربي الذي ربما لم يطلع بما فيه الكفاية على تجربتك بعد؟

تجربتي واقعية تجريدية، وبدايات هذه المدرسة كانت في أربعينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا عموما، لكنها لم تنتشر في العالم العربي إلا على نطاق ضيق، لأن الجمهور كان منقسما، بين من يميل إلى الأشكال الواضحة أي الواقعية والكلاسيكية، ومن يميل إلى الفن الحديث، حتى وإن كان لا يفهمه، لكنه أحبّ الفكر والطرح الجديد الذي أثر على التصاميم والديكورات، وهو ما طور أذواق الناس، فحتى إن لم يفهموه، فقد تمكنوا من استشعاره. أما أنا فاخترت أسلوب الواقعية المعاصرة، لأني أمتلك من طفولتي ذاكرة الصورة، فسعيت إلى تقديم قصص المدن ومشهدياتها.

قصص فنية

ما الذي يجذبك إلى هذا العالم؟

أحببت المدينة المعاصرة وكثرة التفاصيل فيها، لكني عند رسمها لم أعتمد على التصوير الواقعي بل جسدت الانفعالات والتعابير، عبر قصص مجموعة ناس، كل واحد منهم يحمل شعورا ما، حاولت نقله إلى سطح لوحتي. وأتأخر دائما في إنجاز اللوحة، لأنني أحاول أن أستشعر أشخاص العمل وتفاصيله لكي أوصل الإحساس الذي شعرت به أو اللقطة التي تخيلتها.

أتخيل المدن بطريقة مختلفة، وأراها تنبض بالحياة، وأنقل هذا بأسلوبي وألواني وتقنياتي

وعلى الرغم من أنني أعتمد مدرسة الـ"سيتي سكيب" التي تنقل صور المدينة المعاصرة كأبنية جامدة من "الكونكريت" وشوارع من الأسفلت لا مشاعر فيها، إلا أني أتخيلها بطريقة مختلفة، وأراها تنبض بالحياة، وأنقل هذا بأسلوبي وألواني وتقنياتي التي تفتقدها عادة لوحات المدن.  

وصف بعضهم أسلوبك بأنه "واقعي تجريدي"، فكيف استطعت الجمع بين التفاصيل الدقيقة والاستغناء عنها في مساحات أخرى من اللوحة لصالح لمسات لونية فقط؟

جمعت بينهما لأنه عند الاقتراب من اللوحة يمكن رؤية مجموعة من التقنيات، ضمن الأسلوب التجريدي، لكن عند الابتعاد عن اللوحة يمكن أن تُرى بأنها واقعية تنبض بالحياة وبشخصيات وبتفاصيل كثيرة. وهذا هو المزج الذي سعيت إلى تحقيقه منذ زمن بعيد، وبعد مرور الكثير من السنوات، عندما أتقنت التقنية اعتمدتها أكثر، ويوما بعد يوم صرت أكتشف أشياء جديدة في اللون الذي ينقل مزاجي، لتصبح الألوان مراحل انتقالية نفسيا وتقنيا. ووضعت بعض التفاصيل لدواع تقنية أظهر خلالها مهارتي، وأمنح العمل عمقا أكبر، وفي الوقت نفسه لأثبت بأنني أمتلك الإمكانات في مجال الفن الأكاديمي الواقعي، لكن في الحقيقة لوحاتي ليست واقعية. 

Facebook
لوحة للفنان مراد ابراهيم

تبدي ميلا أيضا إلى رسم البورتريه، ما الذي يجذبك إلى الوجوه؟

علاقتي بالبورتريه علاقة خاصة، زرعها بي أستاذي الفنان إبراهيم العبدلي وهو واحد من رواد الفن العراقي الواقعي، الذي درسني وجعلني أحب هذا النوع من الفن، لشعوري بأنني أتعامل مع الشخص نفسه وليس مع صورة جامدة أنقلها فقط، وهو ما يميز أسلوب أستاذي أيضا.

فن البورتريه في تجربتي نجح جدا وأحسه منفصلا عن أعمالي الأخرى، علما بأنه عند التدقيق في لوحاتي الواقعية في البورتريه يمكن رؤية اللمسات نفسها الموجودة في اللوحات الأخرى. وقد رسمت أكثر من مائة وخمسين بورتريها، وهذا ما جعلني متمكنا به.

مشاهد من الذاكرة

نشأت في ظل غزو العراق وتداعياته، كيف انعكس ذلك على أعمالك الفنية؟ 

في البدايات منذ فترة الحرب العراقية الإيرانية، تأثرت جدا بالحرب، شأني شأن الجميع، ولاحقا عند الغزو الأميركي وما جرى بعده. انعكس ذلك على كل شيء وليس على الفن العراقي، الكثير من الفنانين سيّسوا ورسموا من واقع الحرب، بينما جاء رد فعلي مغايرا، أو ربما معاكسا، عبر تجسيد مجموعة ذكريات في لوحاتي بشكل جديد سعيا مني إلى نقل الجمال الكامن وسط الحرب والدمار، أي لم أنقل صور الواقع الذي نعيشه بل اخترت الزوايا التي أهتم بها.

المثقف العراقي أو العربي لديه قوة داخلية تفرض عليه النهوض من جديد، ولولا الجيل القديم لما كان هناك جيل جديد

أنت أحد مؤسسي "المجموعة الحرة للفنون الجميلة"، ماذا تخبرنا عن هذه المجموعة، وكيف تصف علاقة جيلك بالرموز الفنية العراقية التي سبقتكم؟

تأسست هذه المجموعة في نحو العام 2005، أي بعد احتلال العراق، في محاولة إنهاض الثقافة بعد الحرب والدمار الحاصل، حيث أراد الفنانون الشباب إحداث نقلة نوعية من خلال هذه المجموعة التي سميناها "المجموعة الحرة" لأننا أردنا أن يتحرر الفنان من القيود التي خلفها الدمار في داخله، لكي لا يقدم شيئا مفروضا عليه أو غير مقتنع به. وبعد تأسيس المجموعة أقمنا معارض عدة في بغداد، حققت نجاحا كبيرا، وكل أساتذتنا الذين كانوا يدرسوننا أرادوا الانتماء معنا إلى هذه المجموعة، فأقمنا معارض ضخمة شارك فيها فنانون من جيل ما بعد الرواد إلى الجيل الحالي، فالعلاقة مستمرة مع الجيل القديم، ورغم حدوث انتكاسات في الفن العراقي نتيجة الحرب، لكن المثقف العراقي أو العربي لديه قوة داخلية تفرض عليه النهوض من جديد، ولولا الجيل القديم لما كان هناك جيل جديد، لأن الجيل القديم من أستاذتنا في التسعينات علمونا مفاهيم الفن وقيمه الأساسية، وكيف نستخرج من ذواتنا شخصيات فنية متمكنة ومتمرسة. ولا أعتقد أن هناك من سيعلم مثلهم في هذا الزمن رغم وجود الإنترنت وفرص التعلم من كل العالم.

Facebook
لوحة للفنان مراد ابراهيم

الكوميكس

ماذا عن تجربتك كرسام كوميكس؟

عندما كنت طفلا، اعتادت إحدى الجارات التي كانت تعمل في إدارة ثقافة الأطفال على أن تهدي إليَّ مجلة "مجلتي" وغيرها من مجلات الأطفال، وهو ما جعلني أحب الرسم، ولاحقا واتتني فرصة العمل في مجلة "العربي الصغير" وحولت عددا من القصائد والنصوص إلى رسومات، وهو ما حفز الدافع القديم بتطوير هذا الفن.

بعد ذلك انتشرت تقنية الرسم الرقمي في العالم العربي بشكل بسيط، فأردت أن أكون من أوائل المجربين والمطورين لهذا الفن، فعملت بطريقة جديدة حيث أرسم "الإسكتش" ومن ثم أنقله الى الحاسوب وأعمل عليه بلوحة خاصة بالكوميكس، وبدأت أطور هذا الأسلوب وصرت أنشر في العديد من المجلات، فضلا عن الرسومات المرافقة للكتب.   

أنصح الشباب بعدم الاستعجال فالتجارب هي سبب نجاح الفنان وهي ما تصنع عملا غير قابل للانتقاص

باتت تطغى لغة السوق والاقتناء على الفن التشكيلي، هل تعتقد أن هذا الفن لا يزال قادرا على التواصل مع الجمهور، أم أنه بات حكرا على النخب؟

بشكل عام، حاليا النخبة هي من تدعم الفن، لكن منذ سنوات قليلة نشأت حالة جديدة في المجتمع الذي كان في الفترات السابقة يقتني لوحات مطبوعة أو مقلدة، فبدأ يتخلى عنها ويعود إلى الأعمال المرسومة باليد، لأنه أصبح يتذوق الفن بشكل أفضل.

Facebook
لوحة للفنان مراد ابراهيم

عطفا على ما سبق، كيف تنظر إلى آفاق الفن التشكيلي عربيا، وهل يمكن القول إنه انتقل من التأثر بالمدارس الغربية، إلى إنتاج طابعه الخاص؟

على امتداد أجيال الفن العربي، كانت هناك تأثيرات غربية بحتة، ولاحقا من خلال رصد تجارب الفنانين العرب، خاصة أن لدي أصدقاء كثرا من الفنانين السوريين والمصريين والتونسيين، نرى أنهم بدأوا بنقل التجربة الأوروبية المعاصرة بلمسة فنية من الموروث الشعبي من بلدانهم، وهو ما أوجد خصوصية للتجربة، وسينتقل هذا الى أجيال الفنانين من بعدهم وسيكرس الطابع الشرقي.

والآن هناك فنانون غربيون ينتقلون الى الطابع الشرقي بسبب الملل مما يتم تقديمه هناك، لكن الجديد يوجد لدينا في الشرق من أساطير ورموز وغموض، وهم يبحثون عن مواضيع كهذه.

أخيرا هل لديك ما تقوله للفنانين الشباب؟ 

أحب أن أنصح كل فنان شاب ألا يستعجل في الوصول لما يريده، وعليه الانتقال من مرحلة الى أخرى حتى لو استغرق ذلك سنين عدة، فالتجارب هي سبب نجاح الفنان وهي ما تصنع عملا غير قابل للانتقاص.

font change

مقالات ذات صلة