لا نقاد الفن ولا بيان منسقة المعرض ولا المقدمات التوضيحية التي علقها متحف "تيت مودرن" بلندن، تشير إلى أن إميلي كام كنغواراي، التي يُقام لها أول معرض استعادي شامل في أوروبا، فنانة فطرية. الإشارة الوحيدة إلى ما يوحي بذلك يلخصها القول إنها تنتمي إلى شعب "الأنماتير"، ولدت عام 1914 في ألهالكر بمنطقة ساندوفر في الإقليم الشمالي لأستراليا.
هناك حيث كان السكان الأصليون يقيمون قبل أن يتمكن المستعمرون من إبادة الجزء الأكبر منهم وتشتيت الجزء المتبقي حيا ونسف صلته بوطنه وتدمير أحلامه، غير أن روح ذلك الشعب ظلت حية من خلال الأغاني والحكايات والصناعات التقليدية التي تنطوي على الكثير من الأسرار التي لا تزال مؤهلة لتكون مصدر إلهام جمالي.
ذلك هو المنجم الذي استخرجت منه إميلي كام كنغواراي أشكالها ومعالجاتها للسطح التصويري الذي لا يزال ممتنعا عن الإفصاح عن معاني ألغازه على الرغم من أن متعة النظر إليه تكفي لإنكار الحاجة إلى أي شيء آخر. فمجرد أن يقع بصر المرء على واحدة من لوحات كنغواراي، يشعر أنه يقف أمام فنانة تجريدية معاصرة، تقف خارج المدارس الفنية الحديثة التي كرست تاريخيا، غير أنها في بعض تجاربها تتقاطع مع تجارب فنانين قيض لهم أن يقفوا في الصف الأول من مشهد الحداثة الفنية بالغرب.
وإذا ما عرفنا أن إميلي كام لم ترسم على الكانفاس، كما يفعل الرسامون، إلا في السنوات الست الأخيرة من حياتها وهي التي توفيت عام 1996 كما أنها قضت عشر سنوات قبلها تمارس فن الباتيك وهو فن الطباعة على الأقمشة من أجل الاستعمال اليومي، يمكننا القول إن خيال أمة مهددة بالانقراض انتقل إلى أصابع فنانة قُدر لها أن تكون رسولة تلك الأمة إلى العالم ومن خلاله إلى الفن الحديث.
وطنها الحقيقي
المعرض الذي يقيمه "تيت مودرن" هو من تنظيم "المعرض الوطني الأسترالي". وذلك يعني أن أستراليا الحديثة التي أقيمت على أساس إبادة السكان الأصليين وتهميشهم وعزلهم ونبذهم صارت مضطرة للبحث عن تاريخها من خلال الالتفات إلى فنونهم باعتبارها الجزء الملهم من ذاكرتها.