الجزائر - المغرب... هل يتحقق سلام الستين يوما؟

جلب ترمب الطرفين لطاولة التفاوض مجرد حلم صعب المنال

المجلة-رويترز
المجلة-رويترز

الجزائر - المغرب... هل يتحقق سلام الستين يوما؟

ما الاحتمال الأكثر واقعية والأقرب اليوم للتحقق، هل ستنجح الوساطة الأميركية في خفض منسوب التوتر السياسي بين الجزائر والمغرب وحدوث انفراج وشيك بينهما أم إن القطيعة ستبقى مستمرة؟ والسؤال الأهم يكمن في خلفيات "السلام" الذي تبحث عنه أميركا؟ كل هذه الأسئلة الملحة تتزاحم حاليا في قلب المشهد المغاربي الذي يترقب مآلات وساطة واشنطن في التوفيق بين الأضداد.

والمؤكد اليوم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد حرك ملف المصالحة بين الجزائر والرباط بعد أن شلت أواصر القربى بينها وتأثرت روابط الجيرة، عبر قنوات رسمية يقودها مسعد بولس مستشار الرئيس ترمب لشؤون أفريقيا والذي ذكر في مقابلة مع "الشرق"، أن "الجزائر ترغب في إيجاد حل جذري ونهائي لقضية (الصحراء)، بالمقابل أبدت استعدادا لتحسين العلاقات مع المغرب". وبعد ذلك جاء إعلان مبعوث الرئيس دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في حوار تلفزيوني مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "CBS News" الأميركية، عن مشروع سلام بين الجزائر والمغرب في غضون 60 يوما، وقال بلغة صريحة وواضحة: "فريقنا يأمل في التوصل إلى اتفاق سلام بين الجزائر والمغرب خلال الشهرين المقبلين".

ثمة وقائع استراتيجية تحكم مآلات النزاع بين المغرب والجزائر أكثر من مهارة الوسيط الأميركي

لا أحد ينكر اليوم أن المصالحة والسلام اللذين تنادي بهما واشنطن مرحب بهما ومرغوب فيهما لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الكلفة الاقتصادية التي يدفعها البلدان وكامل المنطقة المغاربية بعد تعطل مسار بناء الاتحاد المغاربي، تعتبر كبيرة جدا، فمثلا: يحوم حجم التبادل التجاري المغربي حول نسبة متدنية جدا تتراوح بين 3 و5 في المئة حسب تصريحات رسمية أدلى بها الطيب البكوش أمين عام اتحاد المغرب العربي خلال الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية حول: "التكامل المغربي: تحرير الإمكانيات الاقتصادية"، ناهيك عن تأثر روابط الجيرة وأواصر القربى التي شلت بعد القطيعة ولم تبق سوى منطقة "بين لجراف" الحدودية التي تفصل بين مدينتي مرسى بن مهيدي الجزائرية ومدينة السعيدية المغربية التي تعتبر نافذة حدودية تتيح التقاء العائلات بين البلدين.

أحجار عثرة

لكن بعيدا عن الأواصر والروابط والجراح والأوجاع التي خلفتها القطيعة والتي عبر عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بوضوح وبكثير من الأسى، قبل أيام قليلة، حين قال إنه "في غضون 63 سنة من الاستقلال، حدودنا مغلقة لمدة تجاوزت 45 سنة"، ثمة وقائع استراتيجية تحكم مآلات هذا النزاع أكثر من مهارة الوسيط الأميركي، إحدى هذه الوقائع التي تمثل التحدي الأصعب الذي يواجهه ترمب في خضم هذا المشهد المتداخل: قضية الصحراء الغربية وهي قضية تتعلق بتصفية الاستعمار كآخر مستعمرة في أفريقيا، وقال الرئيس تبون في خطاب ألقاه أمام قادة الجيش الجزائري منذ فترة وجيزة: "نحن موقفنا واضح، لا يهددنا أي طرف مهما كان، ولا يهمنا من ينتقد مواقفنا، يجب أن يأخذ الصحراويون حقوقهم"، ثم مضى قائلا: "نحن لسنا صحراويين أكثر من الصحراويين، أي حل يقبله الصحراويون نقبل به لكن ما دمنا في جوار الصحراويين، فإننا لن نسمح لأي طرف بأن يفرض عليهم أي حل لا يقبلون به، المعادلة بسيطة على هذا النحو".

أ.ف.ب
صورة التُقطت من منطقة وجدة المغربية تُظهر حرس الحدود الجزائريين وهم يقومون بدوريات على طول الحدود مع المغرب في 4 نوفمبر 2021.

وهناك قائمة أخرى من المسببات وهي أعقد وأصعب بكثير مما يتخيله ستيف ويتكوف، وبالتالي الوصول إلى السلام في غضون الستين يوما المقبلة صعب جدا ونذكر على سبيل الذكر لا الحصر: تطبيع المغرب مع إسرائيل ومسألة الاتفاقيات الأمنية بينهما، ويقول جدو فؤاد أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة لـ"المجلة": "فكرة الوساطة لن تنضج في ظل هذه المفاعيل والتطورات الجديدة، فالجزائر ترفض التطبيع رفضا قاطعا لأنه يشكل خطرا استراتيجيا يهدد أمنها القومي"، ثم هناك عقبات أخرى تحول دون تخفيف حدة التوتر ويتعلق الأمر بما يعرف بـ"الصحراء الشرقية" فبين الحين والآخر يطالب المغاربة باسترجاع أجزاء من التراب الجزائري رغم أن المغرب هو من حاول الاستيلاء على مناطق حدودية غداة استقلال البلاد لكنه فشل في حرب الرمال عام 1963، ولذلك يؤكد المحلل السياسي أن "عداء المغرب للجزائر ليس وليد اليوم، بل تعود جذوره إلى حرب عام 1963 ضد الجزائر والتي اندلعت لأيام معدودة بسبب مشاكل حدودية".

واشنطن تريد استعادة زمام المبادرة في المنطقة بعد تراجع النفوذ الأوروبي وبروز قوى منافسة، أبرزها الصين وروسيا

وأمام هذه المعضلات تتزاحم أسئلة ملحة في عقول الجزائريين أبرزها جدوى الوساطة الأميركية، وهل من الجدير أن تنخرط الجزائر ضمن سلام صعب يعالج المسائل من منظور ذاتي ويأخذها في اتجاه واحد؟ وأيضا ألم يكن من المفروض أن يطرح مشروع السلام بين الصحراء الغربية والمغرب؟ حتى إن استخدام ويتكوف مصطلح السلام على نحو يوحي بوجود حرب ليس في محله. وللتدليل على هذا المعطى يقول نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة لـ"المجلة" إن "الوساطة الأميركية هي مشروع استراتيجي كبير للهيمنة، وعندما نتحدث عن الوساطة يجب ضبط مفهومها، فالوساطة من حيث هي آلية دبلوماسية يجب أن تكون بين البوليساريو والمغرب وليس بين الجزائر والرباط". التحليل ذاته يؤيده جدو فؤاد ويقول إنه "لا يمكننا القول إن هناك حربا حتى يكون هناك سلام فلا بد أن نفكك المصطلحين السلام والحرب وهما لا يسقطان على المشهد القائم بين الجزائر والمغرب".

وسابقا تلقت الجزائر التماسات ممن وصفهم الرئيس تبون بـ"الأشقاء" بخصوص الأزمة بين الجزائر والمغرب تضمنت الطلب من الجزائر فتح الحدود بين البلدين، بما يساعد في حل النزاع في الصحراء، وكان رده واضحا حيث قال: "هناك بعض الأشقاء على حسن نية، يطلبون منا فتح الحدود مع المغرب، لحل قضية الصحراء الغربية، الحدود لم تغلق بسبب قضية الصحراء الغربية، ولكنها أغلقت لأسباب أخرى، 63 سنة من الاستقلال، حدودنا مغلقة لمدة أكثر من 45 سنة"، وأضاف: "إذا كنت تريد فتح الحدود، يجب أن نتحدث مع بعض بمعقولية، لا يجب أن تلفق لي، ولا أن ألفق لك أكاذيب".

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمبعوث الخاص للبيت الأبيض ستيف ويتكوف في نيويورك، الولايات المتحدة، 7 سبتمبر 2025.

وهو ما يؤكد قراءة سياسية مفادها أن الجزائر تنظر إلى الصراع القائم بينها وبين المغرب على أنه قضية داخلية لا تحتاج إلى إدخال طرف ثالث يربط بين الطرفين الأصليين مما يسهل الحل أو يغير طبيعته، كما أن قطاعا عريضا من الخبراء في شؤون المنطقة يرون أن فكرة "الوساطة" قد تكون بمثابة "فخ سياسي" لأن المغرب حاليا يعول على الاستثمار في رفض الموقف الجزائري لأي تسوية سياسية ووساطة ليحول دفة الصراع. والمطلوب حاليا من الجزائر التعامل مع الموقف بحكمة وذكاء والتحلي بالهدوء تحت الضغط والقدرة على التواصل الدبلوماسي.

الحسابات الأميركية

بعيدا عن التوقع والتحليل حول مآلات الوساطة الأميركية ثمة سؤال ملح بل حارق يطرح نفسه اليوم يرتبط بخلفيات الوساطة الأميركية ومدى نجاح هذه المقاربة في شمال أفريقيا.

المؤكد اليوم أن واشنطن تريد استعادة زمام المبادرة في المنطقة بعد تراجع النفوذ الأوروبي وبروز قوى منافسة، أبرزها الصين وروسيا على طول شمال أفريقيا والساحل انطلاقا من البحر الأبيض المتوسط حتى عمق القارة السمراء، ويقول عكنوش إن "ما تسعى له أميركا يدخل في مسار شامل لتحقيق أمركة للمنطقة بلغة المصالح في ظل لعبة الأمم مع روسيا والصين وقوى أخرى تتنافس على ثروات وموارد الإقليم، فالمصالحة من وجهة نظر أميركية لا ينظر إليها كخطوة سياسية للتوفيق بين الأضداد، بل كأداة من أجل إعادة التموضع وتعزيز نفوذها وموازنة الدورين الروسي والصيني".

جلب ترمب الطرفين لطاولة التفاوض مجرد حلم صعب المنال، ومن الصعب جدا الاعتقاد بأن المشاكل التي تتخبط فيها المنطقة المغاربية ستحل على نمط الشرق الأوسط

لكن احتمال نجاح هذه المقاربة ضئيل جدا وهو ما أكده الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي في قراءة نقدية للمبادرة التي أعلنها ستيف ويتكوف، ويقول إن "واشنطن تقدم المشكلة الصحراوية على أنها نزاع بين الجزائر والمغرب، وإضفاء الشرعية على احتلال الصحراء الغربية، والعمل على استقرار حليفها المغرب وهو ما يتناقض مع جوهر أي تسوية سياسية عادلة. ومعالجة الخلافات لن تتحقق من خلال تسويات شكلية بل بالإنصاف الكامل والضمانات الكافية".

وفي قراءة سياسية أوسع للتوجه الأميركي، يعتقد رحابي أن أصحاب القرار الأميركيين قلقون من تنامي الوجود الروسي والصيني المتعدد الأوجه في القارة السمراء ووسط ضعف إمكانيات حلفائها الأفارقة على الساحل الأطلسي تسعى واشنطن إلى تعزيز وجودها في منطقة الساحل التي تشهد حاليا اضطرابات أمنية كبيرة وتعد مسرحا لتهديدات إرهابية حقيقية بمختلف الأوجه.

ختاما، يمكن القول إن جلب ترمب الطرفين لطاولة التفاوض مجرد حلم صعب المنال، ومن الصعب جدا الاعتقاد بأن المشاكل التي تتخبط فيها المنطقة المغاربية ستحل على نفس نمط الشرق الأوسط، أي بتوازنات هشة ووعود مالية واجتماعات عالية المستوى وصور مثيرة.

font change

مقالات ذات صلة