وقف إطلاق النار في غزة... خط الموت "الأصفر" والمصير المجهول

"تكييف" إسرائيل بنود الاتفاق

رويترز
رويترز
المباني المدمرة كما شوهدت من موقع حراسة في موقع عسكري إسرائيلي داخل حدود "الخط الأصفر" في حي الشجاعية في الجزء الشرقي من مدينة غزة في قطاع غزة 5 نوفمبر 2025

وقف إطلاق النار في غزة... خط الموت "الأصفر" والمصير المجهول

في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب، التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى بعد موافقة كل من حركة "حماس" وإسرائيل على الخطة المقترحة والمكونة من 20 بندا. وجرى عقبها البدء في تنفيذ البنود، بداية من انسحاب الجيش الإسرائيلي من عمق مدن قطاع غزة إلى مناطق الانسحاب الأول خلف الخط الأصفر، حيث بدأ جزء من الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم فيما حرم الآلاف من ذلك.

فرضت خطة ترمب، خريطة انسحاب تدريجي خلال مراحل تنفيذ الاتفاق الثلاث، والتي لم يجرِ تحديدها وفق موعد زمني محدد. الخط الأصفر، يحدد الانسحاب الأول للجيش إلى شرق وجنوب وشمال القطاع والتمركز خلفه، وهي مساحات قضمت أكثر من 50 في المئة من مساحة القطاع البالغة 365 كيلومترا مربعا، أما الانسحاب الثاني والذي يجب تنفيذه من قبل الجيش، فمن المفترض أن يدخل حيز التنفيذ مع بدء تطبيق المرحلة الثانية والتي تشترط إسرائيل قبلها تسلم جميع المحتجزين الأحياء والأموات، فيما تفرض المرحلة الثالثة انسحاب الجيش إلى ما بعد الحدود المتعارف عليها للقطاع منذ عام 1967.

صحيح أن إسرائيل نفذت تراجعها الأول مُجبرة أكثر من مليوني فلسطيني على العيش في خيام ومراكز إيواء رغم وقف إطلاق النار وفارضة سيطرتها وتحكمها في حياتهم اليومية من خلال التحكم في المعابر والمساعدات والبضائع الواردة، إلا أن ذلك ليس بالأزمة الوحيدة، حيث إن الإشكالية وفرض السيطرة والتحكم ساهمت في أزمات مفروضة بشكل مباشر أو غير مباشر على طريقة تنفيذ بنود الاتفاق غير المحددة بوقت زمني.

ولكن يبدو أن إسرائيل تلاعبت وكيّفت تنفيذ بنود الاتفاق وفق تحكمها في تنفيذه على مدار الأسابيع الثلاثة الأولى من مرحلته الأولى. بخلاف الخروقات الإسرائيلية ومماطلتها، كان من المفترض أن تُسلم حركة "حماس" 20 محتجزا إسرائيليا أحياء، ثم تبدأ في تسليم جثامين 28 محتجزا آخرين، وبالفعل سلمت الحركة المحتجزين الأحياء على دفعتين في اليوم ذاته، وبعد أقل من 72 ساعة من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه، وأفرجت إسرائيل عن قرابة 200 أسير فلسطيني من سجونها.

منذ اليوم الأول لبدء تنفيذ الاتفاق، وحتى خلال عمليات المفاوضات، طالب ممثلي حركة "حماس" وكذلك فصائل المقاومة الفلسطينية، بدخول معدات ثقيلة إلى القطاع لهدفين، الأول لانتشال جثامين المحتجزين الإسرائيليين من تحت أنقاض المنازل التي دُمرت بفعل الحرب، ومن داخل الأنفاق التحت أرضية والتي تعرضت لقصف إسرائيلي كذلك، وهو الهدف الأهم لإتمام تنفيذ مرحلة تبادل الأسرى والانتقال للمرحلة الثانية، ثم الهدف الثاني خلال المراحل التالية والمتمثل في استخدام المعدات في عمليات إزالة الركام وانتشال الضحايا الفلسطينيين من تحت الأنقاض وفتح الشوارع.

في ظل المعطيات المفروضة على أرض الواقع، والمماطلات والحصار الإسرائيلي، وعدم تحديد جدول زمني للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، يتساءل الغزيون عن مصيرهم؟ وحول موعد تمكنهم من العودة إلى مناطق سكنهم

بعد تسليم المحتجزين الأحياء، بدأت "كتائب القسام"– الجناح العسكري لحركة "حماس"، في تسليم الجثامين المحتجزين للجنة الدولية للصليب الأحمر- الجهة الوسيطة لعمليات التسليم والتسلم- على دفعات متتالية كلما تمكنت "الكتائب" من استخراج جثث إسرائيليين، لكن بسبب عدم موافقة إسرائيل ومماطلتها في السماح بدخول المعدات، واجهت "القسام" إشكاليات وأزمات ما أخّر عمليات استخراج عدد منها.

حتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، تسلمت إسرائيل 18 محتجزا على دفعات، من بينهم جثمان إضافي لم تعترف به إسرائيل فيما قالت "القسام" إنه يعود لأحد عملائها، حيث لا يزال 11 جثمانا محتجزا لدى فصائل المقاومة، تحاول الوصول لهم واستخراجهم تمهيدا لتسليمهم واستلام جثامين فلسطينيين مقابلهم. صحيح أن إسرائيل سمحت بعد مماطلات بدخول عدد محدود من المعدات والفرق الفنية المصرية للمساهمة في عمليات الحفر ورفع الركام بعد ضغوط من الوسطاء أميركا ومصر وقطر وتركيا، لكن هناك أزمات أخرى.

في أكثر من تصريح لقادة "حماس" والمقاومة، أوضحوا أن بعض الجثامين موجودة في مناطق خلف الخط الأصفر، وهي مناطق مُصنفة بالعسكرية الحمراء التي يتمركز بها الجيش، وحتى يتم العمل بداخلها، يحتاج الأمر إلى انسحاب إسرائيلي ثانٍ خلال المرحلة الأولى من الاتفاق وهو ما ترفضه إسرائيل، لتوافق مؤخرا على دخول فرق من وحدة الظل التابعة لـ"القسام" بمرافقة فريق من الصليب الأحمر إلى مناطق احتجاز الجثامين وتحديد المكان على الأرض بعد تنسيق الصليب مع الجيش.

هذا الأمر لم يأتِ بسهولة، حيث سبقه قصف إسرائيلي على موجتين منفصلتين استهدفت منازل وخيام النازحين وسيارات في الشوارع تسببت في مقتل أكثر من 200 ضحية من الفلسطينيين قرابة نصفهم من النساء والأطفال حسب وزارة الصحة في غزة، بعد ادعاء الجيش تعرض قواته إلى هجومين مسلحين منفصلين من قبل عناصر في المقاومة الفلسطينية في رفح جنوب القطاع وفي المناطق التي يسيطر عليها الجيش، معلنا مقتل ضابط وجندي وإصابة آخرين خلال الاشتباكين مع المقاومة.

رويترز
تشير العلامة الصفراء إلى ما يسمى "الخط الأصفر"، الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية بموجب وقف إطلاق النار، في مدينة غزة، 2 نوفمبر 2025.

ومع كل هجوم، أصدرت "كتائب القسام" بياناتها موضحة أنّها غير مسؤولة عن الاشتباكات، وأنّ الاتصال مع مجموعاتها في رفح منقطع بسبب السيطرة الإسرائيلية منذ عدّة أشهر، كما أنها لا تعلم مصير عناصرها إن كان من بينهم لا يزال أحياء. إذن المشكلة الحقيقية هنا، تكمن في استمرار السيطرة الإسرائيلية على أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، والتي عززها وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس قبل أيام بعمل جيشه على وضع مكعبات صفراء اللون على طول الخط الأصفر، محذرا الغزيين من الاقتراب منها، وكأنه يفرض حدودا جديدة لتضييق الخناق والمساحة على الفلسطينيين.

مصير ما وراء "الخط الأصفر"

في ظل المعطيات المفروضة على أرض الواقع، والمماطلات والحصار الإسرائيلي، وعدم تحديد جدول زمني للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، يتساءل الغزيون عن مصيرهم؟ وحول موعد تمكنهم من العودة إلى مناطق سكنهم، والتي يأملوا أن تكون قريبا، وكذلك يتساءلون عن مصير المنطقة خلف الخط الأصفر وما يجري فيها خاصة وأن هناك عدد من المجموعات المسلحة الفلسطينية والمتهمة بالتعاون مع إسرائيل لا زالت تتمركز وتنشط في تلك المناطق.

في الأشهر الماضية لحرب الإبادة، ظهرت قرابة 5 مجموعات محلية مُسلحة من غزيين أعلنوا مرارا عملهم العلني ضد "حماس" وعناصرها، في وقت ذكر فيه عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، أنّ تلك المجموعات مثل مجموعة ياسر أبو شباب التي تنشط شرق رفح، قد تلقوا دعما لوجستيا من إسرائيل وجهات أخرى من بينها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، إلا أن المجموعات لم تعلن صراحة عن الجهات الداعمة لها، في وقت يسمح الجيش الإسرائيلي لعناصرهم بالنشاط والعمل وحمل السلاح.

وتوعدت المقاومة الفلسطينية، على رأسها "القسام"، بالعمل على ملاحقة كل من تورط بالعمل ضدّ عناصرها وتعاون مع الجيش وساهم في فرض الفوضى وحرم الغزيين من الحصول على مساعدات بسبب سرقتها خلال الإبادة، وهي الاتهامات الموجهة لهم من المقاومة، فيما لا تزال إسرائيل توفر الحماية والأمن من المساس بهم، ولا يزال جنودها يعملون على هدم المنازل ونسفها وإطلاق الرصاص الكثيف والقذائف المدفعية خلف الخط الأصفر دون أي اعتبار لاتفاق وقف إطلاق النار.

لا يزال مصير الخط الأصفر- خط الموت، كما يطلق عليه غزيون- من حيث موقعه وما يجري خلفه من عمليات هدم وتدمير رغم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي من المفترض أن يؤدي إلى انسحاب إسرائيلي كامل لاحقا، لا يزال مجهولا

وكشف موقع "أكسيوس" الأميركي مؤخرا، عن خطة تعمل عليها الولايات المتحدة الأميركية، تهدف إلى تشكيل قوة دولية في غزة (ISF)، بمشاركة عدد من الدول مثل مصر، تركيا، قطر، إندونيسيا وأذربيجان، بهدف تأمين الانسحاب التدريجي للجيش الإسرائيلي إلى ما بعد الخط الأصفر ومنع عودة القتال، وكذلك إشرافها على تدريب شرطة فلسطينية بمشاركة مصر والأردن، تمهيدا للمرحلة القادمة من تنفيذ الاتفاق، حيث تبدي إسرائيل تخوفاتها من القوة الدولية بحيث لن تكون هي صاحبة القرار الميداني، كما ترفض مشاركة تركيا ضمن القوة.

أ.ف.ب
خيم تأوي نازحين فلسطينيين في المنطقة المتضررة من الحرب المحيطة بميناء مدينة غزة، في 20 أكتوبر2025.

وفي ظل استمرار طرح الخطط وتبادل النقاشات وفرض الخطط الأميركية الإسرائيلية على مستقبل قطاع غزة وسكانه، لا يزال مصير الخط الأصفر- خط الموت، كما يطلق عليه غزيون- من حيث موقعه وما يجري خلفه من عمليات هدم وتدمير رغم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي من المفترض أن يؤدي إلى انسحاب إسرائيلي كامل لاحقا، لا يزال مجهولا، ومن غير المعروف إذا ما كانت إسرائيل تخطط إلى تحويل الخط الأصفر لأمر واقع لسنوات قادمة، وتهربها من الانسحاب وفتح معبر رفح البري مع مصر أمام حركة تنقل الفلسطيني من وإلى القطاع كما كان من المفترض أن يجري خلال المرحلة الأولى إلا أنها ماطلت وأبقت مصيره كذلك مجهولا.

font change

مقالات ذات صلة