"هيئة الإذاعة البريطانية" تواجه غضب ترمب

الجوهرة البريطانية العتيقة في مواجهة الغضب العاصف

"هيئة الإذاعة البريطانية" تواجه غضب ترمب

مرة أخرى تجد المؤسسة الإعلامية العامة الأشد احترامًا في العالم نفسها محور الحدث. لقد تجاوزت "بي بي سي" الكيان الإعلامي بالغ النفوذ، منذ زمن بعيد نطاق الجزر البريطانية إلى آفاق أرحب. الأميركيون يعتبرونها ثاني أكثر مصادر المعلومات موثوقية بعد نشرة الطقس، فيما لا تزال تحظى لدى الناخبين البريطانيين بمكانة شبه مقدّسة، لا تقلّ عن مكانة هيئة الخدمات الصحية الوطنية. وقد أضفى عليها البريطانيون لقبًا حميمًا: "العمة بيب".

لكنّ لهذا العضو المحبوب من الأسرة الوطنية منتقدين شديدي الصرامة. فمع كل فضيحة جديدة تطال أحد مقدّمي الأخبار البارزين، أو مع كل اتهام بالتحيّز، يرتفع هدير الاستنكار من بعض الصحف والساسة. وإذا كانت أعاصير "بي بي سي" تُصنّف، فإن الإعصار الراهن من الدرجة الخامسة.

لم يهبّ أحد للدفاع عن الزلّة التحريرية التي ارتكبها أحد محرري برنامج "بانوراما" حين حرّف أقوال الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وليت تلك الزلة قد وقعت في إحدى خطب ترمب العابرة. لقد كانت الخطاب الذي سبق مباشرةً مسيرة اقتحام مبنى الكابيتول في يناير/كانون الثاني 2021. وقد أثار هذا الخطأ، الذي وقع ضمن برنامج من إنتاج شركة "أكتوبر فيلمز المحدودة"، الرئيس الأميركي فطالب باعتذار رسمي من "بي بي سي"، ملوّحًا برفع دعوى قضائية بقيمة مليار دولار، أي خمس الميزانية السنوية للمؤسسة التي تقارب خمسة مليارات جنيه إسترليني.

يظن البعض أن نهم منتقدي "بي بي سي" قد هدأ باستقالة المدير العام تيم دايفي ورئيسة قسم الأخبار ديبورا تورنس. لكن الواقع يشير إلى أن هذه مجرد بداية

وقد جُمعت تلك الزلّة التحريرية، إلى جانب مزاعم التحيّز، في ملف سريّ تسرّب إلى صحيفة "التلغراف"، التي لا تخفي فتور علاقتها بـ"العمة بيب". وقد أعدّ الملف مايكل بريسكوت وهو مقرّب من روبي غيب، الشخصية التي تتباين حولها الآراء: فمنها من يراه مصلحا مقداما، ومنها من يعدّه مدبّرا لانقلاب مؤسسي. من أبرز منتقديه السير إد دايفي، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي طالب بإقالة غيب، ودعا إلى وقف التعيينات السياسية في مجلس إدارة "بي بي سي". وكان "غيب" قد استُقدم إلى المؤسسة على يد بوريس جونسون، الذي كثيرا ما عبّر عن استيائه العميق من التلاعب التحريري، حتى إنه لوّح بالتوقف عن دفع رسوم الترخيص التلفزيوني.
وقد يظن البعض أن نهم منتقدي "بي بي سي" قد هدأ باستقالة المدير العام تيم دايفي ورئيسة قسم الأخبار ديبورا تورنس. لكن الواقع يشير إلى أن هذه مجرد بداية. فبعد عامين، يحين موعد تجديد الميثاق الذي يحدد وضع المؤسسة. وبحلول ذلك الوقت، قد ينضمّ إلى بوريس جونسون قطاع واسع من الجمهور في رفضه دفع رسوم الترخيص.
أما على المدى القصير، فثمّة دروس لا بد من استيعابها، أولها أن لا تعبث مع رئيسٍ مولعٍ بالتقاضي، شديد الحساسية تجاه التغطية الإعلامية السلبية، وقد سبق له أن انتزع تسويات ضخمة من وسائل الإعلام المحلية.
وعلى المدى البعيد، إن أردت البقاء في وجه منافسين تجاريين يضمرون لك العداء بسبب حجمك ونفوذك، فاحذر من السماح لممثليهم بالتسلل إلى مجلس إدارتك. وإلا، فقد يكون الانقلاب القادم نهاية "العمة بيب" نفسها.

font change