قبل أكثر من أسبوع بقليل، وقع لي أمر لافت. اعتدت أن أتلقى بريدا إلكترونيا من مجلة "نيو ستيتسمان"، المنبر العريق لليسار البريطاني، كل يوم سبت. لكن هذه المرة وصلني بريد في منتصف الأسبوع من رئيس التحرير أندرو مار. لا أذكر الصياغة الدقيقة، لكن الرسالة كانت واضحة: أيام رئيس الوزراء في داوننغ ستريت باتت معدودة.
لم يمض على السير كير ستارمر سوى عام واحد في المنصب، ومع ذلك أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه غير مؤهل للوظيفة. فقد شهدت حكومته تراجعات محرجة في السياسات، أبرزها ما يتعلق بمدفوعات الوقود الشتوية للمتقاعدين، والمساعدات المقدمة لذوي الإعاقة. كما تصاعد التطرف اليميني نتيجة فشل الحكومة في مواجهة أزمة القوارب الصغيرة المحملة بما يسمى "مهاجرين غير شرعيين" وهم يعبرون القنال الإنكليزي من فرنسا. والأسوأ من ذلك أن أحدا لم يشعر بالرخاء: فالاقتصاد ما زال غارقا في الركود والأزمة، فيما يرزح الناس تحت وطأة أزمة معيشية صارت مزمنة.
لكن هذه لم تكن سوى تفاصيل صغيرة لسياق من الفشل بات معلوما للجميع. المشكلة الجوهرية كانت في قائد البلاد نفسه. لم يكن في مستوى المهمة. ما أراد أندرو مار، المعلق السياسي المخضرم، أن يبلغه للقراء بلهجة عاجلة هو أن هناك منافسا على زعامة "حزب العمال" في الشمال– في مانشستر تحديدا– قد يكون قادرا على إنقاذ البلاد من أزمتها المستمرة. اسمه: آندي بورنهام.
بدت تلك اللحظة وكأنها نقطة تحول حاسمة، حين انخفض رصيد الزعيم إلى ما دون الحد المقبول. غير أن السبب لم يقتصر على قائمة الإخفاقات المعروفة لحكومة "العمال". فليس من قبيل المصادفة أن بورنهام، عمدة مانشستر الذي حاز شهرة وطنية بموقفه من تمويل المجالس خلال جائحة "كوفيد"، قد لفت انتباه أندرو مار. فالمشكلة لم تكن مجرد عجز "حزب العمال" عن معالجة ما خلّفه المحافظون من أزمات، بل كانت أعمق من ذلك: أزمة تواصل واضحة، لكنها لم تمثل الصورة الكاملة.
بورنهام كان مؤشرا إلى أن البلاد بدأت تفقد صبرها مع رئيس وزراء حيّر المعلقين طويلا. لقد هيمن على المعلقين السياسيين في افتتاحياتهم ومقالاتهم، منذ فوز "العمال" الساحق في انتخابات 2024 سؤال واحد: "ما الذي يمثله السير كير ستارمر؟" كان لغزا استعصى على الحل. وربما حان الوقت للاعتراف بالفشل، ووضع اللغز جانبا.
يكفي أن نتأمل إعلان ستارمر اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين. لو كان مكان ستارمر أي سياسي آخر لكان جعل من هذا الإعلان محطة تاريخية، أما ستارمر فقد تعمد التقليل من شأنه، ليغطي على فضيحة تتعلق بتهم معاداة السامية داخل حزبه، ربما بدا ذلك النهج الأكثر صدقا. لكنه اختار أيضا عبارة "هذا البلد العظيم"، التي بدت كأنها إيماءة موجهة للوطنيين الذين يرون في القضية الفلسطينية نقيضا لقناعاتهم، أولئك الذين لوحوا بأعلام القديس جورج طوال الصيف، وكان آخر حضورهم أمام البرلمان.
مهما كانت دوافع ستارمر لاستخدام عبارة "هذا البلد العظيم"، فإن الأداء بدا باهتا بلا شك. في أجزاء من البلاد التي عادت لتقع تحت التأثير الخبيث لنايجل فاراج، هناك توق إلى الكاريزما لا يشبعه الوقار الصامت لستارمر، الذي لا يفعل أي تصريح يصدر عنه سوى أن يفاقم من حيرة المعلقين السياسيين، فلا أحد يعرف بدقة ما الذي يحرّك كير ستارمر.
ولزيادة الطين بلة، واجه ستارمر خلال أسبوعين فقط أزمتين كبيرتين. الأولى خسارته نائبته أنغيلا راينر، بسبب تهرب غير مقصود من ضريبة الدمغة على شقة في برايتون. والثانية، وهي الأشد وطأة، خسارته ممثل بريطانيا في واشنطن، اللورد بيتر ماندلسون.
كان يمكن للمشاكل في البدايات، مثل التراجعات السياسية، النظارات الفاخرة التي أهداها له أحد الأثرياء، وحتى مشهد التملق غير اللائق للرئيس الجديد، أن تُنسى مع مرور الوقت. لكن غياب البصيرة الذي دفعه إلى تعيين بيتر "ماندي" ماندلسون في أهم منصب دبلوماسي، رغم علاقته بجيفري إبستين، سيظل عالقا زمنا طويلا، ومن غير المرجح أن يتعافى منه أبدا، تماما كما حدث في مقابلة الأمير أندرو الشهيرة مع إميلي مايتليس.
ثمة ما يجعل أي ارتباط، مهما كان بعيدا، مع ملياردير مدان بجرائم اعتداء على الأطفال، يلقي بظلال ثقيلة على سمعة أي شخصية عامة. ومن دون الكاريزما التي تتيح له تجاوز مثل هذه العثرة، تقلّص ستارمر فجأة إلى حجمه الحقيقي– وهو أصغر من أن يكون رئيس وزراء. ولإدراك حجم الخطر الذي يواجهه، يكفي تأمل التاريخ السياسي الحديث.