في صيف عام 2024، خلال توقف لحملته الانتخابية في ويست بالم بيتش- فلوريدا، خاطب المرشح الجمهوري حينها دونالد ترمب من وصفهم بـ"المسيحيين الجميلين"، مطمئنا إياهم بنبرة دافئة بأنه هو أيضا مسيحي، وحثهم على التصويت قائلا: "اخرجوا وصوتوا! فقط هذه المرة. لن تضطروا لفعل ذلك مجددا! أربع سنوات أخرى، تعلمون ماذا؟ سيكون كل شيء على ما يرام، لن تحتاجوا للتصويت مرة أخرى".
كانت كلماته تحمل نبوءة غامضة، فهل كان يعني أن أنصاره سيحصلون على كل ما يريدونه بحلول ذلك الوقت؟ أم إنه كان يلمح إلى شيء أكثر إثارة للقلق– إنهاء الديمقراطية تماما؟
امتلأت حملة ترمب بلحظات كهذه، حتى باتت مواكبتها أمرا مرهقا. وفي الشهر نفسه، نأى بنفسه عن "مشروع 2025"، وهو مخطط شامل من 900 صفحة يحدد أجندته المحتملة في ولايته الثانية. وعندما أشار إليه، قلل من أهميته واعتبره متطرفا للغاية، قائلا: "بعض الأشخاص من اليمين، اليمين المتشدد، هم من وضعوا مشروع 25، وهم النقيض المكافئ للراديكاليين من اليسار".
كان من بين الشخصيات البارزة في "مشروع 2025" كيفن روبرتس من مؤسسة "هيريتج"، الذي ألف كتابا بعنوان "ضوء الفجر"، لكنه تردد في نشره حتى بدا أن فوز ترمب بات مضمونا. وبلغ الكتاب من التطرف حدا جعل الناشر يعدل في العنوان الفرعي، فغيره من "حرق واشنطن لإنقاذ أميركا" إلى "استعادة واشنطن لإنقاذ أميركا".
وربما سعى روبرتس إلى التعويض عن حقيقة أن اسمه غير مألوف لدى كثيرين، فهو بالتأكيد لم يكن الشخصية الأشهر في تشكيل الإدارة الجديدة، ولكن أفكاره كانت بعيدة كل البعد عن الاعتدال. وبينما خُففت بالفعل حدة عنوان الكتاب، ظلت اللغة النارية داخله دون تغيير. فقد وصف روبرتس الكثير من المؤسسات الكبرى، بما في ذلك جامعات النخبة (Ivy League)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وصحيفة "نيويورك تايمز"، ووزارة التعليم، وحتى الكشافة الأميركية، بأنها مؤسسات فاسدة ولا يمكن إصلاحها. وكتب قائلا: "لكي تزدهر أميركا من جديد، لا تحتاج هذه المؤسسات إلى إصلاح، بل إلى الحرق". ولكي يبرر هذا الموقف الراديكالي، استشهد بالمؤلف الموسيقي غوستاف مالر: "التقاليد هي الحفاظ على النار، وليست عبادة الرماد".
وبلغت أفكار روبرتس من التطرف حدا أثار القلق، حتى داخل الأوساط المحافظة. بل إن بول دانس، المدير السابق لـ"مشروع 2025"، وجد نفسه مضطرا، في أكتوبر/تشرين الأول، لانتقاد خطابه المتطرف. واشتد الجدل عندما هدد روبرتس خلال مقابلة على بودكاست ستيف بانون: "نحن في خضم الثورة الأميركية الثانية، والتي ستظل بلا دماء إذا سمح اليسار بذلك".