انتخابات العراق… الفصائل المسلحة تحل بدلا عن المدنيين

صعود واضح

أ.ف.ب
أ.ف.ب
احتفال أنصار رئيس الوزراء العراقي الحالي عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات في بغداد في 12 نوفمبر 2025

انتخابات العراق… الفصائل المسلحة تحل بدلا عن المدنيين

فاز ائتلاف "التنمية والإعمار" بقيادة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بالانتخابات النيابية السادسة بعد عام 2003، إذ حصل على 46 مقعدا، وجاء بعده تحالف "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي بـ37 مقعداثم ائتلاف "دولة القانون" برئاسة نوري المالكي بـ30 مقعدا.

وقد تنافس 7740 مرشحا على 329 مقعدا في البرلمان، ولم يتمكن أي تحالف سياسي من الحصول على أغلبية المقاعد، ما سيجبر القوى الفائزة على تشكيل حكومة ائتلافية قائمة على العرف السياسي المتبع منذ نشوء النظام السياسي الحالي، والمتمثل بحصول الشيعة على رئاسة الحكومة، والسنة على رئاسة البرلمان، والأكراد على رئاسة الجمهورية.

وقد حققت الانتخابات عدة مفاجآت، أبرزها نسبة المشاركة العالية التي وصلت إلى 56.11 في المئة، وهي الأعلى منذ انتخابات عام 2018، رغم مقاطعة أنصار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر وبعض القوى المدنية، كما تلقى التيار المدني ضربة قاصمة إذ خسر تمثيله البرلماني بالكامل بعد أن كان يمتلك أكثر من 40 مقعدا في الدورة السابقة، ويعود هذا التراجع إلى الانقسامات الداخلية، وعجز القوى المدنية عن إحداث تغيير ملموس بعد وصولها إلى البرلمان عبر "حركة تشرين" الاحتجاجية عام 2019، إضافة إلى هيمنة الأحزاب التقليدية والفصائل المسلحة على قراراتها.

وشهدت الانتخابات صعودا واضحا للفصائل المسلحة العراقية، إذ زاد تمثيلها إلى أكثر من 40 مقعدا، متمثلة بـ"كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب الإمام علي"، وهو مؤشر واضح على زيادة نفوذها في المجتمع الشيعي، خصوصا أن معظم الناخبين هم موظفون في "الحشد الشعبي".

كما شهدت الانتخابات فشل القوى الحزبية الصغيرة في تجاوز عقبة "نظام سانت ليغو" المعدل، الذي يقسم الأصوات على 1.7 بدلا من 1.4، وكان من أبرز المتضررين تحالف "البديل" الذي ضم 15 حزبا، ولم يتمكن من الفوز، وقال رئيس تحالف "البديل" عدنان الزرفي إن التحالف خاض معركة انتخابية غير متكافئة بين المال السياسي واستغلال السلطة، مشيرا إلى أن بعض الجهات سعت إلى تشويه العملية الانتخابية عبر شراء الأصوات علنا وتبادل إطلاق النار، وهذه الممارسات تمس جوهر الديمقراطية وإرادة الناخب الحر.

وأكد الزرفي أن هذه التجاوزات أدت إلى عزوف جمهور الأحزاب المدنية عن المشاركة خوفا من الترهيب الذي حدث قرب مراكز الاقتراع.

شهدت الانتخابات فشل القوى الحزبية الصغيرة، كما أفرزت الانتخابات تراجعا في دور العشائر

شهدت الانتخابات فشل القوى الحزبية الصغيرة، كما أفرزت الانتخابات تراجعا في دور العشائر، إذ خسر معظم شيوخها المرشحين مع قوائم سياسية ذات طابع مدني، مثل "ائتلاف السوداني"، و"تصميم" التابع لمحافظ البصرة أسعد العيداني، ومن أبرز الخاسرين محمد الصيهود السوداني، شيخ عشيرة السودان وابن عم رئيس الحكومة، والشيخ ضرغام المالكي، والشيخ مزاحم التميمي، بينما فاز مرشحو العشائر مع الأحزاب التابعة للفصائل المسلحة.

كشفت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة عن هيمنة واضحة للزبائنية الحزبية على سلوك الناخبين، بعدما تحول النفوذ داخل مؤسسات الدولة إلى العامل الحاسم في تحديد هوية الفائزين، فمع استمرار تدهور الخدمات وغياب فرص العمل، اتجه كثير من المواطنين إلى التصويت لمن يمتلك القدرة على توفير وظيفة أو تسهيل معاملة أو تقديم منحة أو تعبيد شارع، بدلا من تقييم البرامج الانتخابية أو الكفاءة الشخصية للمرشحين، لذلك أصبحت العلاقة بين الناخب والمرشح مبنية على استثمار موارد الدولة المالية للمصالح الفئوية.

وقد اعترضت عدة منظمات من المجتمع المدني المعنية بمراقبة الانتخابات على الطريقة التي اعتمدتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في احتساب نسبة المشاركة، معتبرة أن النسبة الحقيقية تبلغ 41 في المئة، خلافا لما أعلنت عنه المفوضية البالغة 56.11 في المئة.

أ.ف.ب
خلال عملية احتساب الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بعد إغلاق صناديق الاقتراع خلال الانتخابات البرلمانية في منطقة المهندسين شرقي بغداد في 11 نوفمبر 2025.

وقالت رئيسة منظمة "تموز" لمراقبة الانتخابات، فيان الشيخ علي، لـ"المجلة"، إن المفوضية اعتمدت للمرة الثالثة آلية احتساب تقوم على عدد الناخبين الذين استلموا بطاقاتهم الانتخابية، وهم 21.4 مليون ناخب، بينما يبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب 29 مليون شخص تتجاوز أعمارهم 18 عاما، مما يعني استبعاد نحو 8 ملايين من العملية الانتخابية نتيجة عدم تحديث بياناتهم، وهم ما يعتبرون جزءا من المقاطعين، لذلك تكون النسبة الدقيقة 41 في المئة وليست 56.11 في المئة.

وأشارت الشيخ علي إلى أن الانتخابات الحالية شهدت استغلالا للمال العام وشراء للأصوات، وعدم تكافؤ الفرص بين المرشحين نتيجة الإنفاق العالي لبعض القوائم أو المرشحين، وهي معايير عالمية تُعد جزءا من نزاهة الانتخابات، موضحة أن تحالف "مراقبة الانتخابات" رصد 18 ألف مخالفة وملاحظة.

وفي أول رد على نسبة المشاركة العالية للعراقيين، هاجم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشكل غير مباشر المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، محملا إياه مسؤولية المشاركة المرتفعة نتيجة نشر إعلانات في القناة الفضائية التابعة للعتبة الحسينية، التي يديرها ممثل السيستاني عبد المهدي الكربلائي، والتي حشدت الشيعة على الذهاب إلى المراكز الانتخابية.

اتجه كثير من المواطنين إلى التصويت لمن يمتلك القدرة على توفير وظيفة أو تسهيل معاملة أو تقديم منحة أو تعبيد شارع

وقال الصدر إن ظهور الكربلائي في مقطع فيديو يحث فيه على المشاركة ويؤكد أن المقاطعة لا تنفع في دفع الفاسدين، يثير تساؤلا: لو انتخب أتباعك الصالح وتركوا انتخاب الفاسد، فهل هذا يعني تشكيل حكومة صالحة؟

وخاطب الصدر الكربلائي قائلا، هل نسيت نفوذ الدولة العميقة الفاسدة وتسلطها على مفاصل الانتخابات؟ مما يعني أن فوز الصالح سيكون مستبعدا.

وأكد الصدر أن الأوان قد فات، فقد عاد السلاح المنفلت والميليشيات لتقاسم السلطة، وعاد الفساد ينخر في جسد العراق، وعاد الجميع يشاركون في حماية صفقات الفساد والفاسدين.

أ.ف.ب
أنصار السوداني الحالي يلوحون بالأعلام الوطنية أثناء احتفالهم بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأولية في بغداد في 12 نوفمبر 2025.

وبعد إعلان النتائج، بدأت الأحزاب الفائزة بتشكيل فرق تفاوضية لإدارة تشكيل التحالفات الانتخابية وإعلان الكتلة الأكثر عددا، التي ستشكل الحكومة المقبلة. وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الحكومة المقبلة ستراعي مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك من اختار المقاطعة.

وقال السوداني، إن ائتلافه سيدخل مباشرة في مفاوضات لتشكيل حكومة كفوءة منفتحة على جميع الأطراف من دون استثناء.

ووفقا لمصادر سياسية مطلعة لـ"المجلة"، فإن قوى الإطار التنسيقي التي تضم نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وقيس الخزعلي ومحسن المندلاوي وهمام حمودي ستدعو السوداني إلى الانضمام إليها بعد مقاطعته لجلسات الإطار خلال الأيام الماضية لتشكيل الكتلة الأكبر، وفي حال عدم قبوله ستعلن هذه القوى مجتمعة الكتلة الأكبر.

يجب تشكيل الكتلة الأكبر قبل جلسة البرلمان الأولى، وتقديمها إلى الرئيس الأكبر سنا عند انعقاد البرلمان، من أجل البدء بإجراءات انتخاب رئيس الجمهورية الذي يحتاج إلى أصوات ثلثي أعضاء البرلمان، حسب المادة 72 من الدستور

وأشارت المصادر إلى أن قوى الإطار التنسيقي حصلت على 120 مقعدا في البرلمان، من دون احتساب مقاعد السوداني، وهو ما يشير إلى احتمال تكرار السيناريو الذي حصل مع مقتدى الصدر عبر منع السوداني من الحصول على ولاية ثانية من خلال الثلث المعطل الذي يمنع انتخاب رئيس الجمهورية.

يتطلب تشكيل الكتلة الأكبر قبل جلسة البرلمان الأولى، وتقديمها إلى الرئيس الأكبر سنا عند انعقاد البرلمان، من أجل البدء بإجراءات انتخاب رئيس الجمهورية الذي يحتاج إلى أصوات ثلثي أعضاء البرلمان، حسب المادة 72 من الدستور، ويقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة الأكبر داخل البرلمان بتشكيل الحكومة المقبلة، وقد يتكرر السيناريو الذي حصل مع إياد علاوي في عام 2010 عندما فاز في الانتخابات ولم يستطع تشكيل الحكومة مع السوداني، وكذلك مع مقتدى الصدر، الذي اضطر إلى الانسحاب من العملية السياسية، نتيجة الثلث المعطل الذي شكله "الإطار التنسيقي" في انتخابات 2021.

الخلافات السنية

لا يمكن اختيار رئيس الحكومة المقبلة إذا لم تُحل الخلافات بين القوى السنية، فهي لا تختلف كثيرا عن الخلافات الشيعية أو الكردية، فهناك انقسام كبير وصراع على منصب رئاسة البرلمان، إذ يتجاوز عدد النواب السنة الـ70، ويحاول محمد الحلبوسي رئيس تحالف "تقدم" العودة إلى رئاسة البرلمان باعتباره صاحب الكتلة الأكبر بين القوى السنية بـ36 مقعدا، وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمامه في ظل الصراع مع رئيس تحالف "عزم"، مثنى السامرائي 15 مقعدا، ورئيس تحالف "السيادة"، خميس الخنجر 11 مقعدا. ويرغب "الإطار التنسيقي" في توصل القوى السنية إلى توافق على مرشح واحد يحظى بقبول شيعي وكردي، لعدم وجود جهة سياسية قادرة على تشكيل الحكومة المقبلة منفردة نتيجة عجزها عن تحقيق أكثر من 220 مقعدا في البرلمان.

رويترز
موظفو الانتخابات في أحد مراكز الاقتراع، بعد إغلاق صناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية، في الموصل، العراق، 11 نوفمبر 2025.

بداية حلحلة تشكيل حكومة كردستان

حقق "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني فوزا بحصوله على 27 مقعدا، متصدرا بذلك القوى الكردية في الانتخابات الاتحادية، وسيفتح هذا الفوز الطريق أمام تسوية سياسية مع "حزب الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني تنهي أزمة تشكيل حكومة إقليم كردستان المستمرة منذ عام، عبر اتفاق يقوم على مبدأ تقاسم المناصب، بحيث يتولى حزب بارزاني رئاسة حكومة الإقليم ووزارتين في حكومة بغداد، مقابل منح حزب طالباني منصب رئاسة جمهورية العراق ووزارة في حكومة بغداد.

سيستغرق تشكيل الحكومة المقبلة أشهرا عدة، نتيجة الضغوط الدولية المتمثلة في واشنطن وطهران، اللتين تحتاجان إلى التوافق على مرشح تسوية يكون مقبولا من الطرفين، وهو أمر صعب للغاية في ظل الصراع الإيراني-الأميركي وتراجع الدور الإيراني في المنطقة العربية، رغم قدرة طهران على ضبط إيقاع "الإطار التنسيقي".

font change